مسؤولية سمير اليوسف في كتاب «رؤيا النقد والإبداع: قراءات في أعمال عبدالله رضوان» بقلم : د . محمد عبد الله القواسمة

اصدارات ونقد …
د. محمد عبدالله القواسمة – الاردن
تبدو مسؤولية الباحث سمير اليوسف في هذا الكتاب الذي بين أيدينا في أربعة أمور، هي: العنوان، والتقديم، واختيار عتبة الغلاف الخارجي، وجمع المواد التي احتواها الكتاب، وترتيبُها.
العنوان
يبدو لي أنّ العنوان بتركيزه على مفردة «رؤيا» التي تعني غالبًا الإبصار بالقلب يحمل رأيًّا ذاتيًّا خاصًّا في عبدالله رضوان وأعماله النقدية والأدبية. ربما لا يعلم به سمير اليوسف، ولم يخطر له على بال. ينضوي هذا الرأي على إبراز أعمال المرحوم رضوان بأنها وليدة رؤيا صادقة، وأن هذه القراءات التي تتناولها تنصب على إدراك هذه الرؤيا، أي قراءة الروح التي تتجلّى فيها هذه الأعمال، وهي روح منبئة قريبة من الإلهام أو الفيض الذي يعرفه الصوفيون، وأي قراءة من هذه القراءات هي بدورها بمنزلة رؤية عميقة لرؤيا عبدالله رضوان في أعماله.
هكذا نجد في العنوان إعلاء للمكتوب والمكتوب عنه. لعل هذا يتلاءم مع المكانة التي يحتلها عبدالله رضوان في قلوب أصدقائه ومحبيه من ناحية، والأهمية التي تحتلها أعماله الشعرية والنقدية من ناحية أخرى.
التقديم
جاءت الكلمة التي افتتح بها سمير اليوسف كتابه مفعمة بالعاطفة. نلمح هذا من عنوانها الشاعري، الذي يقول: «الصديق الذي رحل دون كلمة وداع..» ولا تشكل هذه الكلمة تقديمًا علميًا لما تضمنه الكتاب بل هي نص عاطفي مؤثر، يُسجّل اللقاء الأخير بين الاثنين: رضوان واليوسف. فبعد هذا اللقاء كما يقول سمير في تقديمه: «يترجل رضوان عن صهوة الشعر والنقد، ويتلاشى البريق الذي كان يشع من عينيه كطفل».
يمكن القول إن هذه الكلمة تليق بالمناسبة التي جاء يعبر عنها الكتاب، وهي إحياء الذكريات عن رحيل إنسان عزيز.

عتبة الغلاف
في هذه العتبة اختار سمير اليوسف المقطوعة الآتية من شعر عبدالله رضوان:
أشهد أنني عشت
أشهد أنني شاهدت
أشهد أنني أحببت
أشهد ان هذا كلَّه باطل وقبضُ هواء
أشهد أن لا يقين على الأرض إلا الموت
أشهد أنه لا إله إلا أنت.
في هذه الأبيات تتجلى ميزة مهمة من ميزات شعر عبدالله رضوان، وهي إفادته من الأساطير، والأناشيد الدينية، وأسفار الكتاب المقدس، ففي سفر الجامعة نقرأ: « رأيت كل الأعمال التي عُملتْ تحت الشمس فإذا الكل باطل وقبضُ الريح».
إن اختيار اليوسف للأبيات السابقة اختيار موفق لأنها تشير إلى ما كان يتصف به عبدالله رضوان من تواضع وزهد، وإلى ما اتصف به شعره من اتكاء على الموروث الديني والأسطوري.
المحتوى
يحتوي الكتاب مجموعة من الدراسات والأبحاث والمقالات لباحثين ونقاد وأدباء وأكاديميين كانوا على صلة وثيقة بالمرحوم عبدالله رضوان، أو على اطلاع بمنجزه النقدي والأدبي. وأغلبها أعمال نشرت سابقاً، وكان قد اطلع عليها المرحوم عبدالله رضوان قبل وفاته. إنّ جمعها وإعدادها وتقديمها في كتاب جهد يثنى عليه، فهو يوفر على الدارسين والباحثين عناء البحث عما قام به عبدالله رضوان من جهود نقدية وشعرية، كما أنه بشكل حافزًا لهم على مزيد من البحث في هذه الأعمال.
كما يمكن القول: إن ما نهض به سمير اليوسف في هذا الكتاب يشكل إضافة مهمة إلى الكتب الأخرى التي اهتمت بجمع ما كتب عن تراث عبدالله رضوان، والكتب هي: «فضاء المتخيل ورؤيا النقد» لزياد أبو لبن، «عبدالله رضوان الذات والآخر»، و»عبدالله رضوان كأنه التماعة برق» لنضال القاسم وسليم النجار. هذه الكتب المجمعة لأعمال تناولت نقد عبدالله رضوان وإبداعه لا تدل على المكانة المرموقة لعبدالله رضوان بين النقاد والشعراء فقط بل أيضًا على مقدار الحب العظيم لهذا الرجل، والوفاء له من أصدقائه، وبخاصة صاحب هذا الكتاب، موضوع هذه المقالة. إنه سمير اليوسف الذي يستحق الشكر والثناء. هذا الرجل النشط المتفائل الضاحك دائمًا رغم ما مرّ على جسده من خربشة الزمن، ومباضع الجراحين.