صدر حديثاً : كتاب رؤيا النقد والإبداع قراءات في أعمال عبد الله رضوان، اعداد سمير اليوسف

اصدارات ونقد ….
إعداد وتقديم سمير اليوسف. – الاردن
تقديم
الصديق الذي رحل دون كلمة وداع
قبل يوم واحد من مرضه كنت في زيارة له في مكتبه في منتدى الرواد… بعد عودتي من السفر، مازحني قائلاً: “لم أكمل قصيدة الرثاء التي بدأت في كتابتها لك” فقد علم أنني أصبت بوعكة صحية خلال سفري ودخلت المستشفى… أجبته: “لم لا تكملها” فقال: “لأنك رجعت”..
جلسنا… وكعادتنا دائماً تحدثنا في كل شيء… ومكثت عنده حتى نهاية الدوام… قبل أن نغادر تناول نسخة من كتابه: “أسئلة الرواية الأردنية – دراسة في أدب مؤنس الرزاز الروائي” وكتب عليها… “صديقي الغالي” هكذا كان دائماً يناديني… وقد كانت أخر نسخة من الكتاب  يوقعها ويهديها.إلي.
خرجنا معًا من مكتبه… تمازحنا… وكل واحد منا صعد سيارته وغادر…
تعود علاقتي بعبد الله رضوان عندما كان مديراً للدائرة الثقافية في أمانة عمان الكبرى. ذهبت إليه لأول مرة في مكتبه خلف وزارة الصناعة والتجارة أحمل في يدي رواية “والشتاء يلد الربيع” للروائي محمد أزوقة التي قمت بتنسيقها وإخراجها فنياً وكانت أمانة عمان بصدد طباعتها… تناقشنا في طريقة الإخراج الفني وتصميم الغلاف حتى توصلنا إلى توافق على الإخراج وتصميم الغلاف… وقد تم نشرها فيما بعد من قبل الدائرة الثقافية في أمانة عمان الكبرى.
ما زلت أذكر عندما كنت في مكتبه وبريق غريب يشع من عينيه كطفل بريء… وهو يبحث بين ملفاته عن جهاز الحاسوب ليجد ضالته في قصيدة جديدة كانت تنتظره بفارغ الصبر… يضع نظارته فوق أرنبة أنفه. جلستُ على الكرسيِّ الملاصقِ لمكتبهِ…
نظرَ إليَّ وقال:
-أريدُ رأيكَ…
-حسناً…
-ممكنْ أنْ تجلسَ على الكرسيِّ المقابلِ لي…
-لماذا؟…
-أريدُ أنْ أَرى تعابيرَ وجهَكَ وأنا اقرأُ ما كتبتُ مؤخراً…
نظرَ إلى شاشةِ الحاسوبِ وبدأ يُنشدُ… ليسَ كالدارجِ من الشعرِ… أسلوبٌ آخرَ مختلفٌ… نمطٌ جديدٌ… شعرٌ جديدٌ… حبٌ جديدٌ… بريقٌ غريبٌ في عينيهِ..
كان ديوان شعره يغفو بين يدي…
ما أسرع الأيام وهي تغادرنا… ولكن الذكرى الطيبة تبقى محفورة في الذاكرة… ولن يعلوها الغبار أبداً…
لقد كان عبد الله رضوان منحازاً إلى الشعر، فقد أصدر ما يزيد على عشرين مجموعة شعرية بالرغم من ذلك فقد كان مقلاً في المشاركة بالأماسي الشعرية، لقد كان آخر ديوان له والذي صدر بعد وفاته هو: “هذا أنا المجنون… قال” والذي كان لي شرف الإشراف على طباعته من ألفه إلى يائه.
لم يقف الإنجاز الشعري عائقاً أمامه عن التوجه نحو النقد، حيث اهتم بنقد القصة القصيرة والرواية. وقد صدرت له مجموعة من الكتب النقدية في هذا المجال.
حنينه للوطن كان لا يفارقه منذ نعومة أظافره فها هو ديوانه “خطوط على لافتة الوطن” يعلن فيه موقفه من الوطن… قضيته الأولى التي كانت تؤرقه باستمرار.. عبد الله رضوان المقتول في حوش “ميري” كما صرخ الدرويش “الزين” في ضوء البيت” للطيب صالح عندما هتف بين صويحباته من صبايا القرية قائلاً: “عوك يا أهل الحلة… يا ناس البلد… عزه بنت العمدة كاتلالها كتيل….أنا مكتول في حوش العمدة…” أي بيت والد عزه.. وبيت ميري عند عبد الله رضوان هو الوطن الذي غادره ولكنه متيم به ويمني النفس بالعودة إليه، فقد كان دائم التساؤل عن وقت العودة، لكنه رحل قبل أن يتحقق حلمه.
وفي ديوانه  “أبواب ميري / قصيدة باب الصفصاف” يفقد الأمل بالعودة إلى الوطن فيقول:
“وطن ضيّعته بالعلل
لا مكان أرتجي موتي به
لا ولا الوصل يلي
لي حبيب وطن يجمعني..
…………….
إنما يبتعد..
…………..
ضاع مني بلدي
ضاعي حلمي الأوحدُ”.
في هذا الكتاب “رؤيا النقد والإبداع / قراءات في أعمال عبد الله رضوان” قمت بجمع هذه الدراسات التي تناولت شعره وكتبه النقدية وفاء لصديق رحل دون كلمة وداع… ترجل عن صهوة الشعر، لكن ما تركه من منجز إبداعي سواء كان شعراً أم نقداً يعكس حياته الحافلة بالعطاء فقد كان ذلك واضحاً من خلال عمله في المواقع التي ترأسها سواء في وزارة الثقافة أم في الدائرة الثقافية لأمانة عمان الكبرى أم في منتدى الرواد الكبار.
عبد الله رضوان… كأنك طائر الفينيق… توزع ريشك في الأرض
رحم الله عبد الله رضوان…