نهاية عالم القطب الواحد وتغيّر موازين القوة – بقلم : كاظم ناصر

دراسات ….
بقلم : كاظم ناصر – كاتب فلسطيني ….
تؤكّد التطوّرات الجارية على الصعيد الدولي حدوث تغييرات سياسية هامة أنهت عرش القطب الواحد الذي تربّعت عليه الولايات المتحدة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، ودفعت إلى الصدارة بقوى دولية كبرى كالصين وروسيا والاتحاد الأوروبي ومكّنتها من فرض نفسها كدول عظمى لها شأنها ودورها الهام في منافسة أمريكا وإعادة رسم الخارطة السياسية والاقتصادية والعسكرية  للعالم .
انهيار وتفكّك الاتحاد السوفيتي عام 1990 أنهى المعادلة السياسية التي كانت قائمة على وجود دولتين تتحكمان بالشأن العالمي، أو قطبين شرقي اشتراكي قاده الاتحاد السوفيتي، وغربي رأسمالي قادته الولايات المتحدة الأمريكية وفتح الباب على مصراعيه لأمريكا ومنحها فرصة ذهبيّة لتثبت وجودها كقوّة عظمى وحيدة، وتقود العالم، وتعزّز موقعها سياسيّا واقتصاديّا وثقافيّا وعسكريّا فيه.
لكن أمريكا لم تتمكن من المحافظة على مركزها كقوة عظمى وحيدة لأن إداراتها السياسية خلال الثلاثين عاما الماضية  فقدت مصداقيتها وأخفقت في قيادة العالم بعد أن تخلت عن مساهمتها دعم الحركات الديموقراطية، وفشلت في القيام بدورها في حل النزاعات والحروب والدفاع عن قيم الحق والعدل والسلام، وتحالفت مع دول دكتاتورية في مناطق مختلفة من العالم.
وجاء انتخاب دونالد ترامب، رجل الأعمال الذي تنقصه الخبرة السياسية والمعرفة بشؤون العالم وثقافاته رئيسا للبلاد ليزيد الوضع تعقيدا، ويلحق المزيد من الضرر بهيبة الولايات المتحدة ومكانتها الدولية. لقد تراجع النفوذ الأمريكي في أوروبا ومن المرجّح أن يزداد تراجعا خلال ولاية ترامب الذي يتعرض لانتقادات أوروبية متعدّدة بسبب تصريحاته وسياساته المحليّة والدوليّة العنصريّة الهوجاء .
الاوروبيون يشعرون بأن ترامب  سبب لهم المزيد من المشاكل، وانهم لا يستطيعون الثقة بإدارته التي لا تراعي مصالحهم، وإضافة إلى ذلك فإنهم يعتقدون أن الهيمنة الأمريكية التي قبلوها لأسباب سياسية واقتصادية وأمنية بعد الحرب العالمية الثانية لم يعد لها لزوم لأن دولهم توحّدت وأصبحت قادرة على حماية نفسها. فقد قال وزير خارجية المانيا في تصريح للصحفيين ” إن الولايات المتحدة تحت قيادة الرئيس دونالد ترامب لم يعد لها دور قيادي في المجتمع الدولي الغربي .” وأضاف إن هذا مجرّد” إشارة على التغيير في موازين القوى في العالم.”
وصول ترامب الى البيت الأبيض واتباعه سياسات عنجهيّة استفزازية عنصريّة من ضمنها تركيزه على “أمريكا أولا ” واعتبار العالم كله ثانيا وثالثا ..،  وعزمه على تغيير قوانين الهجرة وبناء حائط على الحدود المكسيكيّة الأمريكيّة، ومحاولته التخلّي عن الاتفاق النووي مع إيران، وتعامله مع كوريا الشمالية وانسحابه من اتفاقيّة المناخ، ودفاعه عن دول دكتاتورية حليفة، وحصاره لكوبا وخلق مشاكل مع المكسيك وبعض دول أمريكا اللاتينية، وانسحابه من اليونسكو، زادت من شكوك حلفاء أمريكا بها وبنواياها، وأفقدتها الكثير من مصداقيّتها، والدليل على ذلك، كما ذكرنا، هو ان دول الاتحاد الاوروبي، الشريكة التقليدية لأمريكا ليست راضية عن ممارسات إدارة ترامب، وإنها تعمل على تقوية علاقاتها مع الصين وروسيا وتبتعد عن دعم السياسات الأمريكية .
وتراجع دور الولايات المتحدة أيضا في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، وازداد النفوذ السياسي والعسكري والاقتصادي لدول كبرى كالصين، وروسيا الاتحادية، وزادت المنافسة بين أمريكا وهذه الدول في التأثير على العالم. ولهذا يمكن القول ان زمن القطب الواحد، أو القطبين قد انتهى وإن عالمنا يتكون الآن من خمسة أقطاب هي أمريكا، وروسيا، والصين، والاتحاد الأوروبي، وبريطانيا، وان الهند والبرازيل والمكسيك قد تنضم الى هذا النادي في المستقبل.
وصول ترامب إلى البيت الأبيض وفشله في الداخل الأمريكي والخارج الناتج عن تهوّره واندفاعه سوف يسبّب المزيد من المشاكل لأمريكا وحلفائها واصدقائها، ويزيد من تقوقعها وعزلتها، ويؤثر سلبا على مصداقيتها، وتكون له نتائج سلبيّة على مكانتها الدولية، ويقوي مكانة الدول الأخرى خاصة روسيا والصين والإتحاد الأوروبي، ويخلق حقائق سياسية دولية جديدة تنهي الهيمنة الأمريكية وتكون إيجابية ومفيدة للعالم بأسره.