تحليل استراتيجي : صناعة البراكين والخروج من الرماد.. بقلم : بكر السباتين

دراسات …..
بقلم : بكر السباتين …
القمح والطاقة والبشر..
نحو مفهوم جديد لرؤية كيسنجر الإستراتيجية
نحن في هذا السياق لا نتحدث عن طائر الفينيق في الأساطير الكنعانية الذي يخرج من بين الرماد حياً، بل عن عالم جديد يريد صناعه الاستلاب الجماهيري  بمعنى  تعويد الضحية على سف الرماد بدلاً من قمح الحياة، رؤية تصنع للبشرية السعادة في المتخيل، حيث طغيان الوهم ، فلا زمان ولا مكان ولا هوية، عالم معلق ما بين الأرض التي يحتلها خاصة الخاصة، وأخرى ما هي إلاّ رقعة شطرنج بيادقها من النخب الخاصة متمثلة بقادة وزعماء ومؤسسات ومثقفي العالم وهم يشكلون ٥٪‏، وعامة الناس المنقادين من مسلوبي الإرادة، والذين لا تطأ أقدامهم نعيم الأرض ولا فردوس السماء ويشكلون نسبة ٩٠٪‏، إنهم وقود البراكين التي يتحكم بها خاصة الخاصة من الفلاسفة ونخبة المفكرين الاستراتيجيين الذين يشكلون نسة ٥٪‏ ، من إمثال جورج سيروس داعم الخراب في وطننا العربي، وبرناند لويس المفكر العنصري الذي يعتبر العرب مجرد رعاع طائفيين قبليين لا يحسنون التعامل مع الديمقراطية، فرسم لهم خرائط قسم فيها الوطن العربي إلى زرائب للحيوانات الداجنة، ترعاهم دولة متحضرة تمتد حدودها الجغرافية أو سطوتها الاقتصادية من النيل إلى الفرات،والتي تتمثل نواتها بالكيان الإسرائيلي، وأخيراً هنري كيسنجر المعروف بثعلب السياسة الخارجية الأمريكية، والذي تنبأ ببركان الحرب العالمية الثالثة ليرسم على خراب الكرة الأرضية رقعة شطرنج يتحكم بها خاصة الخاصة بعد تغيير قواعد اللعبة، واعتمد كيسنجر  في تحليله على مبدأ الاستقراء، المعتمد على الفيزياء التقليدية دون احتسابه لقوى الممانعة وفق الأدوات البحثية التي استخدمها، في عالم يتغير وتتحكم به تقنيات معرفية وسمعية وبصرية ذات تكنلوجيا ذكية، بحيث لا يمكن التنبؤ من باب الاستشراف بالأحداث إلا على ضوء تقنيات القياس والتقديرات القائمة على مبدأ عدم اليقين في فيزياء الكم، الذي وضعه هايزنبرغ.
ولنبدأ بقصة طريفة تتحدث عن دور الغذاء في تمكين خاصة الخاصة من السيطرة على ما يدرجونهم تحت خانة الرعاع، أي بقية البشر، وما دمنا استعرضنا ثلاثة أسماء كبيرة يلتقون على ذات الرؤية وهم من اليهود الصهاينة، فإن المستهدفين وفق الرؤية التلمودية ما هم إلا (الجويم)، وما دمنا أيضاً  نتحدث عن الغذاء، فإن القمح بعد الماء يمثل شريان الحياة، إذن دعونا نبدأ الحديث بقصة هنري كيسنجر المعني في هذا المقال، والملك فيصل والقمح .
كان ذلك في عهد الرئيس الأمريكي فورد ، عام ١٩٧٥ والذي انتدب وزير الخارجية آنذاك هنري كيسنجر إلى السعودية،، حيث قابل الملك السعودي الراحل فيصل بن عبد العزيز، ليس بشأن النفط الذي قطعه الأخير عن الغرب في إطار دعمه لمصر في حرب أكتوبر ١٩٧٣، ضد الكيان الإسرائيلي؛ بل لثني الملك الشجاع عن قراره الاستراتيجي بزراعة القمح في المملكة التي اعتبرت منذ ذلك التاريخ المنتج السادس عالمياً لهذه المادة الغذائية، وقدم كيسنجر حينئذ له عرضاً سخياً بتصدير هذا المنتج الغذائي إلى السعودية من المنشأ الأمريكي بثلث الكلفة واصلاً إلى موانئ السعودية، فصفع كيسنجر برد الملك السعودي حيث جاء فيه بأن المملكة تسعى لتأمين الأمن الغذائي للسعوديين وضمانته للأجيال القادمة.
فأربد وجه كيسنجر والذي صرح في مؤتمر صحفي بالرياض قبل مغادرته السعودية آنذاك قائلاً:
“سيأتي يوم لن تجدوا فيه حتى النفط لشربه بدل الماء” .
طبعاً ونتيجة للضغوطات الأمريكية فقد توقفت السعودية عن زراعة القمح بكميات إستراتيجية، عام ٢٠٠٨ بذريعة ضرورة الحفاظ على مخزون السعودية الاستراتيجي من المياه العذبه، وهذا بحد ذاته قرار رشيد !! ولكن الغريب في الأمر أن الضغوطات لم تنل من استمرار المملكة في زراعة محاصيل الشعير التي تستهلك من المياه ما يزيد عنه في محاصيل القمح!!،
والمدهش أن الأمر نفسه تكرر مع مصر والأردن والسودان خضوعاً لشروط الدخول في منظمة التجارة الحرة (الجات) الملزمة لتلك الدول بالامتناع عن إنتاج القمح استراتيجياً، وقد قدمت أمريكا إغراءات لتسهيل استيراد القمح من أسواقها..من هنا فليس مستبعداً أن يكون كيسنجر نفسه من يقف وراء فكرة استنفاد سلالة بذور القمح العراقية والتي ترجع لحضارات مابين النهرين.. وإجبار العراق بعد الاحتلال على زراعة القمح ببذور لشركات أمريكية غير متجددة…
لا بل الأنكى من ذلك كله ما حصل في العراق الذي دمره بوش الابن كردة فعل على أحداث ١١ سبتمبر، والتي ترأس لجنة التحقيق فيا كيسنجر نفسه وقد انسجمت رؤيته مع مهندسي العدوان على العراق من خاصة الخاصة المتمثلة بالمسيحيين الجدد، رغم أنهم مجموعة من كبار الشيوعيين الأمريكيين الذين سعوا إلى امتطاء المسيحية لرسم معالم العالم الجديد، وهو سلوك ميكافيللي تبرر فيه الوسيلة لبلوغ الغايات، وعلى رأسك برنارد لويس ذلك المستشرق الذي حذرنا منه خصمه اللدود، المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد في كتابه الشهير (الاستشراق)، ومسعى هؤلاء ذهب إلى إقامة عالم جديد، أو كما وصفه كيسنجر:( الحكومة العالمية) ،ما دامت خيوطها ستنتهي إليهم؛ لكن العقل الكيسنجري كان يمهد الطريق لدفع أصحاب القرار  باتجاه رؤيته، وهو يدرك بأن السياسة الأمريكية تشق طريقها نحو ذلك، ومن بعد العراق دخلت المنطقة في تجاذبات طائفية وإثنية، ثم تدهورت الأحوال بعد الربيع العربي، وخطط هؤلاء المستشارون لإشعال الفتنة الطائفية من خلال ابتكار داعش ليكون الإسلام السياسي هو الإرهاب الذي سيحل مكان الاتحاد السوفيتي بعد انهياره، وحصاد وجوده ذهب إلى الكيان الإسرائيلي ألذي ما يزال آخذاً في التمدد على حساب وحدة الأقطار العربية، هذه الفوضى الخلاقة هي التي يسيل لعاب أولئك المستشارين لاقتناصها من أجل تهيئة الوطن العربي للتقسيمات الطائفية والعرقية، فيحتفل آخر المطاف برنارد لويس ورفاقه بتقسيم الكعكة وفق خرائطه التي يعربد فيها الشيطان، وبالطبع هذه عقلية فاوستية وشريرة، لكنها وفق أخلاقيات خاصة الخاصة مجرد إستراتيجية ضرورية لتهجين العقل العربي وفصل الدين الإسلامي عن السياسة، وقطع صلة الإنسان بتاريخه وحضارته العريقة والبناءة.
فهل تتحقق نبوءة ثعلب السياسة الأمريكية كيسنجر!؟ وخاصة أن مصادر الطاقة والقمح هما مفتاحا السيطرة الغربية على العالم في ظل حكومة عالمية تقودها أمريكا وتسيطر عليها الصهيونية كما صرح بذلك كيسنجر في محاضرته الأخيرة ، توافقاً من الإستراتيجية التي اقترحها في كتابه الشهير!! “النظام العالمي” من خلال تجويع الشعوب، وإغراقهم في الأزمات والثورات الخلاقة، وشرذمة الوطن العربي طائفياً وعرقيا توافقاً مع خرائط برنارد لويس المعتمدة لدى الكونغرس منذ عام ١٩٨٣(كما أشرنا آنفاً) وبالتالي السيطرة على مصادر الطاقة في الوطن العربي، وتدمير إيران توطئة لاحتلال الشرق الأوسط من قبل الكيان الإسرائيلي في ضربة استباقية مباغتة يكون من شأنها إرباك موقفي الدب الروسي والتنين الصيني ومن ثم ضربهما في العمق، ولو أدى الأمر إلى “قتل أكبر عدد ممكن من العرب” لإخضاعهم وفق المصالح الأمريكية، وهذا مبلغ الحقد الأعمى، ويعكس مدى تأثر هذا العقل من خاصة الخاصة بالتلمود الذي تبنته الحركة الصهيونية كمصدر للإلهام، وتبدت نتائجه على أرض الواقع في فلسطين ولبنان ومصر.
كل ذلك سيحصل في إطار حرب عالمية ثالثة تتحكم بمدخلاتها أمريكا من أجل ضمان مخرجاتها الإستراتيجية.
إنه كيسنجر الذي ولد عام ١٩٢٤ أي بعد تأسيس عصبة الأمم المتحدة بخمس سنوات،حيث تضمن أهم بنود ميثاقها الذي أشرف عليه الرئيس الأمريكي ولسون، “حق سيادة الدول”، فيما أضيف إليه لاحقاً نص: “وتقرير المصير” بعد تأسيس هيئة الأمم المتحدة على أنقاض عصبة الأمم التي فشلت في منع حدوث الحرب العالمية الثانية، والتي انتهت عام ١٩٤٦.
كان كيسنجر حينها يتبرمج عصبياً على طاقة الكره الناجمة عن سياسة هتلر ضد اليهود في وطنه ألمانيا، ما دعاه للهجرة إلى أمريكا وذاكرته تضج بالأحداث القريبة والبعيدة، حيث تكونت ثقافته من عمق التاريخ الأوروبي ، والأزمات التي شرذمت أوروبا وخاصة وطنه ألمانيا منذ كانت تسمى بالإمبراطورية الرومانية المقدسة في عهد فرناند الثاني، وحليفه فيليب الرابع في إسبانيا، وهنري الرابع والكاردينال ريشلو في فرنسا الذي يعتبر ملهمه في إدارة الأزمات؛ لذلك ترسبت لديه معطيات نظرية التوازن في معالجة الأزمات، اعتبار أن  البركان الخامد لا يعني حالة استقرار دائم، معتمداً في هذا على مخرجات اتفاقية (وستبالا) في أبريل عام ١٦٢٣ التي أقر ميثاقها باستقلال الدول والسيادة، والهوية القومية، هذه المعاهدة التي وظفها كيسنجر في تفسيراته الجيوسياسية في كتبه ومحاضراته، كونها أنهت أطول حرب طائفية بين البرتسنت والكاثوليك، استمرت ثلاثين عاماً في قلب أوروبا والتي تحولت إلى حرب عرقية كبدت أوروبا ملايين الضحايا من البشر، ولكن البركان الذي انخمد في ظل سلام امتد أمده طويلا، لم يعالج أزمة القوميات التي استفحلت، فتراكمت أسباب كارثة سيشهدها العالم مطلع القرن المنصرم، فشهد العالم انفجار بركان الحرب العالمية الثانية، فأخرج الحكماء وعلى رأسهم الرئيس الأمريكي ولسون ميثاق عصبة الأمم المتحدة،، وقد توافق بذلك مع روح معاهدة (وستبالا) فيما يتعلق بسيادة  الدول. ولَم يمض العقدان حتى سمع دوي أكبر انفجار بركاني شهده العالم، بما يسمى الحرب العالمية الثانية ليعقبها ميثاق الأمم المتحدة، الذي نفض الرماد كطائر الفينيق الباني للسلام  ألأممي، وفِي سان فرنسيسكوبعد عام ١٩٤٦ أجمع قادة الحلفاء المنتصرين على بنود الاتفاق،بما يحفظ الأمن والسلم العالميين ومنع الحروب بين الدول، والحفاظ على سيادة الدول وعدم تدخل الأمم المتحدة  إلا في فض النزاعات البينية، وتم اختيار نيويورك مقراً لها، وأنضم إلى عضويتها ١٩٣ دولة مستقلة، وكانت فرصة سانحة لتتحكم السياسة الأمريكية بسياسة الأمم المتحدة، بكل أقسامها:( الجمعية العامة، مجلس الأمن، المجلس الاقتصادي، محكمة العدل الدولية، مجلس الوصاية) ومن هنا تحددت إدارة الأزمات التي برع فيها كيسنجر بمراحلها الخمس، وهي: حل الأزمات من خلال مندوبين من دول الصراع، أو بإدخال طرف محايد كما حصل في معاهدة أوسلو ، وإذا تعذر الأمر فتقديم شكوى لمحكمة العدل، أو اللجوء إلى منظمات إقليمية خارج إطار المنظمة الدولية كجامعة الدول العربية  ودول عدم الإنحياز، وأخيرا توكيل الأمم المتحدة لفض النزاع من خلال مجلس الأمن.، وكلها خطوات دبلوماسية ساهمت في استقرار العالم لكنها أدت أخيراً إلى تعزيز موقف الكيان الإسرائيلي الذي تجاهل كل القرارات الصادرة بحقه عن الأمم المتحدة، ولعب   كيسنجر دوراً كبيراً  في ذلك.
وكان كيسنجر حينها يوازن في سياسة بلاده بين نقاط التلاقي والخلاف على قاعدة سيادة الدول وخصوصية الهوية، إلا فيما يتعلق بالكيان الإسرائيلي الذي كان يشغل مركز تفكير هذا الصهيوني العتيد، وقد انحسر دور هذا الكيان أخيراً  في أتون التغيرات الإستراتيجية الدولية المتعاقبة في الوقت الذي تغير فيه العالم من ثنائي القطب إبان فترة وجود الاتحاد السوفيتي، وبروز القطب الواحد بعد انهياره، وصولاً إلى الوقت الراهن حيث بروز القوتين الروسية والصينية، وهذا بدوره  أعاد فرز قوى إقليمه جديدة باتت تهدد الكيان الإسرائيلي مثل إيران.
من هنا وكما جاء في محاضرته الأخيرة، فإن كيسنجر رفض الاعتراف بالهوية والسيادة، وخاصة في وطننا العربي خلافاً لما كان يعتقد أثناء قيادته للأزمات الإقليمية، وهذا بمثل تراجعاً مبطناً عن أهم بنود ميثاق الأمم المتحدة، ولأجل تحقيق أحلام الصهيونية التي يُؤْمِن بها كيسنجر فهو تحدث في محاضرته الأخيرة بروح التمني أو لصناعة فوبيا الحرب العالمية الثالثة في إطار صناعة الخوف وبرمجة عامة البشر على هذه الطاقة السلبية، وهي رسالة مباشرة أيضاً وجهها إلى  البيادق الخاصة كي تمهد الطريق لأصابع اللاعبين الكبار من خاصة الخاصة، فيما تمثل إيحاءً للأخيرين  كي يقتنصوا هذه الفرصة التي باتت متاحة،
إن بركان الحرب العالمية الثالثة سيؤدي إلى نتيجة تتوافق ورؤية كيسنجر فتجيز بالتالي لصالح حكومة عالمية من شأنها أن تزهر من بين  الرماد بميثاق جديد،تتبوأ سدته خاصة الخاصة في أمريكا، ومن المؤكد أنها ستكون تحت سيطرة
العقل الصهيوني الذي يحسن استثمار الفرص .
هذه هي قصة كيسنجر المراوغ مع قمح السعودية وسنابل رؤيته القائمة على سلب الشعوب وتجويعها والاستنكار لسيادتها وهويتها لشرعنة توسع الكيان الإسرائيلي وحمايته في ظل حكومة عالمية ينشد فيها كيسنجر،؛ لأنه  أغفل في سياق رؤيته وجود ردة فعل قد تتجاوز القوة في المقدار لينقلب السحر حينئذ على الساحر، وتستعيد الشعوب قمح الحياة.. ، .
…………….
المصادر بتصرف شديد:
1- د عبد الله النفيسي في حديث لقناة الصفا المصرية
‏https://mz-mz.net/+ 1Mail
‏”http://majed.in/archives/34″-2
‏”.http://majed.in/archives/34″-3
4-
‏https://drive.google.com/…/0B6alj0IcJKqiU294OHZqUExLODg/view
5-
‏*http://studies.aljazeera.net/…/2014/10/20141020115732623200…
‏http://www.afrigatenews.net/…/”-6  7- كيسنجر-الحرب-العالمية-الثالثة…
8-  الدكتور عماد اسامه الشعيب- سلسلة محاضرات- قناة الميادين
9-  الموسوعة الحرة.. الأمم المتحدة