حارسة حوض النعناع امل مرقس ..تكريم للصوت الدافئ والجمال الفني – بقلم : شاكر فريد حسن

منوعات ….
بقلم : شاكر فريد حسن – فلسطين المحتلة …
جرى قبل ايام بمؤسسة محمود درويش في كفر ياسيف تكريم الفنانة الفلسطينية المتألقة الساطعة والمشعة كالبدر في كبد السماء ، المحلقة في عالم الفن الملتزم والغناء التراثي الفلسطيني ، امل مرقس ، وهذا التكريم المستحق والمتواضع هو بلا شك تكريم للصوت الملائكي المخملي الذي يشنف الآذان ويسحر الارواح ويدغدغ المشاعر والعواطف ويمس شغاف القلوب ، الصوت المرقسي الذي يحمل سمات الرقة والنعومة والصفاء والعذوبة والحزن والشجن والفرح في آن ، وتكريم للجمال الانساني والفني والروح الدافئة المؤمنة بالقيم والاهداف الانسانية والمثل العليا ، وللثقافة الفنية الابداعية التنويرية التي تتمتع وتتسلح بها امل الفنانة والاعلامية الرائعة ، ذات الصوت الساحر الخلاب ، وذات الحضور المتوهج والاحساس الأتيق . انه تكريم للدور الشاسع الذي أدته امل مرقس في نشر الكلمة الملتزمة ، وتأصيل فكر التقدم والعدالة ، فكر النقاء الثوري، وتأسيس اغنية وطنية تقدمية ثورية بروح انسانية في حدائق وحقول الفن والغناء الابداعي الفلسطيني في الداخل .
امل مرقس خامة صوتيه ذات لون فريد وخاص ، وجرس حنجرتها مميز ، فهو كالنجم المذنب يلمع وهو يهوي ، بقدر ما يلمع وهو يتألق . واذا تساءلتم ماذا اعني بالمميز فانني اقول انه يكاد لا يخرج عن دائرة الرحابنة وفيروز في ما ندر ، ولذلك ليس غريباً ان البعض يدعوها ” فيروز فلسطين ” رغم انها تحبذ ان ينادى عليها باسمها ، رغم العشق للغناء الفيروزي الرحباني واعتزازها بتراثهم الغنائي وارثهم الفني الباقي .
امل مرقس ايقونة غناء وقارورة عطر ، تبعث بالحانها وانغامها الخلابة الى اعماق الافئدة الباكية الحزينة القلقة فتنعشها ، وهي منحازة للناس البسطاء ، للكادحين والشغيلة الذين يعانقون رايات الحرية ، وتذود عن قيم العطاء والجمال والخير والابداع .
امل مرقس منذ ان امتطت حصان الغناء ووقفت على منصة مخيمات واعراس العمل التطوعي لتخاطب السواعد المعطاءة التي تبني وتعطي وتضحي ، وتشدو لهم قصائد الحب واناشيد الثورة والغضب والكفاح ، وترانيم المقاومة والنضال ، ومنذ مشاركتها في احتفالات الصحافة الشيوعية في فنار عكا وعلى اسوارها التي عجز نابليون عن اختراقها ، وهي تحمل رسالة وطنية بامتياز ، رسالة الفن الفلسطيني الاصيل الحقيقي ، وتواصل الدرب نفسه ، ولن تحيد عنه ابداً ، درب الغناء الملتزم ، فهي فنانة رائدة ومثقفة تهمها الكلمة قبل اللحن وقبل الأداء ، ولا تشدو سوى الاغاني الملتزمة والتراثية التي تنبض بالدفق العاطفي الوطني والاحساس الكفاحي الثوري ، وقد تغنت بكلمات قصائد توفيق زياد ومحمود درويش وراشد حسين وسميح القاسم وشكيب جهشان ومروان مخول وسواهم من اعلام الالتزام الوطني المقاوم الرافض .
امل مرقس استطاعت ونجحت في خطف القلوب وسحر الارواح ومعانقتها بصوتها واغانيها وادائها ووقفتها الواثقة وابتسامتها وحضورها واناقتها وجمال روحها والالحان الراقية العذبة التي وضعها شريك حياتها الفنان المبدع نزار زريق ، وهي تعيش اغنيتها باحساسها على المسرح وتتفاعل معها أداءً وحركة وتماهياً عميقاً مع كلمات القصائد المغناة .
لقد صدقت واجادت في الوصف والتعبير الروائية الكاتبة راويه جرجورة بربارة عندما قالت عن امل مرقس ، ولا اجمل واصدق من قولها ” امل صاحبة العينين الخضراوين الساحرتين وحادية اللحن وحارسة احواض النعنع ، التي عقدت ضفائرها وسرحت احلامنا والهمت مشاعر العشاق وهي تغني “في قهوة على المفرق وفي موقدة وفي نار ” ، فيا عنباً تخمر في خوابي المحبة والعطاء ، كيف لا نثمل من عبق فنك ؟ يا زيتاً تغرق من زيتون الجليل كيف لا يغرس اهل بلدك الارض لك بالأزهار وانت صاحبة الصوت الفيروزي ، وفيك لون العوسج وغبار اللوز “.
امل مرقس فنانة اصيلة ، وانسانة كبيرة بقلبها الذي يحمل في شرايينه محبة الانسان ، صوتها قيثارة حب ولمسة حنان ونبضة روح ، واغانيها هتافات للانسانية والكونية ، وترانيم عشق للوطن والارض والزيتون والبرتقال والنعنع البري والسنديان الجليلي والزعتر المثلثي ، ومناجاة للأم الفلسطينية التي انتظرت ابنها وعاد عاد مستشهداً .
وتكاد امل مرقس متفردة بهذا اللون الغنائي الفني المميز الخاص المرتبط بهموم وقضايا شعبنا ، الذي ينعش ويدهش ويعانق المشاعر الانسانية الرقيقة .
امل مرقس الصوت الرقيق والاحساس المرهف الجميل المنساب كشلال الماء ، لا يحتاج لترجمة   ولا جواز مرور للقلب ، فهو صوت فيه شذى ياسمين الشام واريج ارز لبنان وعبير ورود وزهور فلسطين لتسافر بنسماته العليلة الى شام الاسد التي تتشارك وتتقاسم الالم والوجع والهم والعذاب مع فلسطين نفس الايقاعات والتطلعات والآمال والأحلام .
امل مرقس ..الف مبروك التكريم الذي يعني الكثير من الدلالات ، فانت تستحقين واكثر ، ودمت باصالتك وروحك وغنائك والتزامك الوطني الفلسطيني ، وليبق صوتك مدوياً مجلجلاً يبث الامل والتفاؤل الثوري بين الناس والكادحين الذين سيهبون ويفجرون ثورة الغضب الحمرا ، رغم الزلزال الفكري العاصف ، وتحية عاطرة لك عابقة باريج الحبق والورد الجوري .