بريطانيا و”الإخوان”.. هذه هي المشكلة.! بقلم : اللواء عبد الحميد خيرت

سياسة واخبار …
بقلم اللواء/ عبد الحميد خيرت – مصر ….
ما قاله وزير الدولة البريطانى لشئون الشرق الأوسط، أليستر بيرت، في صحيفة الأهرام، قبل أيام، لا يمكن تجاهل أنه يشير إلى تغيير محتمل في مجمل السياسة البريطانية ورؤيتها بشأن التفاعل مع دعوات مكافحة الإرهاب وربما ـ على المدى البعيد ـ التضييق على الجماعات المتطرفة ـ ومنها الإخوان ـ رغم حساسية إجراء مثل ذلك في بريطانيا تحديداً لملابسات عديدة، أولها أن معظم هذه العناصر تحمل جنسية بريطانية، وهو أمر صعب كما قال القيادي الإخواني يوسف ندا، بعد ثورة 30 يونيو، لأنه يتطلب تعديلاً في القوانين البريطانية ذاتها وثانياً، لأن الاتفاق على تحديد مفهوم الإرهاب لا يزال بعيداً للغاية، لأن الرؤيتين المصرية والغربية لا تزلان متباعدتان لظروف ومسببات متعددة.. والأهم والأخطر، أن إقدام بريطانيا على مجرد الإشارة لوضع جماعة الإخوان كتنظيم عالمي على لائحة الإرهاب يورِّط بريطانيا ذاتها باعتبارها الحاضنة الأم والملاذ الرئيس عالمياً.!
ربما يكون تأكيد أليستر بيرت عن أن بلاده لن تترك مصر والدول المجاورة لها وحيدة فى مجابهة الإرهاب، نوعاً من الكلام الدبلوماسي العام الذي لم يدخل بعد حيّز التنفيذ، ولكن مجمل مقاله في “الأهرام” يشير إلى رسالة بريطانية مختلفة هذه المرَّة، خاصة وأن عواصم غربية شهدت في الآونة الأخيرة أعمالاً إرهابية قام بها متطرفون من داخلها، نبَّهت الغرب إلى أن الخطر أصبح في بيته، وأن محاولات التعايش مع هذا الخطر تتطلب إجراءات أخرى أشد حزماً، بعد أن ظل هذا الغرب طويلاً يتفرَّج.
مضمون مقال السيد بيرت، يبدو وكأنه يوجه رسالة “خجولة” للداخل المصري، يستدعي من خلالها ما أشار إليه التقرير المعد عن جماعة الإخوان عام 2015، باعتباره أول طعن “بريطاني” في ادعاءات الإخوان “بأن ليس لديهم أي علاقة بأعمال العنف”، ونبه الى أن التنظيم “يعد مؤشرا للفكر المتطرف، ويتضح ذلك جليا من تناقض أفكاره وأنشطته مع القيم والمصالح البريطانية”.
ويضيف بأنه إذا كانت بريطانيا ضمن الدول التي لم تحظر جماعة الإخوان لعدم استيفاء الأدلة التي تفضي إلى ذلك ـ من وجهة نظره ـ إلا أن بلاده تعمل فى الوقت الراهن على تنفيذ الإجراءات التابعة لمحتوى التقرير، والأهم اعترافه المتأخر جداً بأنه “أصبح من الواضح فعلًا أن هذا التنظيم يلجأ إلى استخدام الغموض لإخفاء أجندته المتطرفة فى مصر”.. وأن “أساليب المراوغة التي يمارسها التنظيم ورصدها معدو التقرير البريطاني عام 2015 مازالت مستمرة في عام 2017 وقد آن الأوان لكل من يدافع عن الإخوان في لندن أو القاهرة أن يضع حداً لهذا اللبس والغموض”.
هذه العبارة الأخيرة على لسان الوزير البريطاني، هي ما تجعل الكرة في ملعبه، وملعب السلطات البريطانية أولاً، لأن عليها في المقام الأول أن توضح لنا هذا اللبس والغموض في مواقفها، ولا تبيع لنا الوهم وعليها أن تقنعنا أكثر بأنها جادة في تلمس مكامن الخطر ذاتها، لأننا نحن ندركه جيداً وندفع ثمنه، ثم إن عبارة السيد بيرت بأنه “لا يمكن التسامح مع التطرف أكثر من ذلك” ما هي إلا اعتراف ضمني بأنهم وبنفس عبارته المهذبة قد “تسامحوا” كثيراً مع التطرف وأكثر من ذلك وفروا له البيئة والحاضنة والحماية أيضاً.. وهي “إدانة” في كل الأحوال.!
الحديث عن الإجراءات البريطانية الداخلية لا يعنينا، لأن آثارها ستنعكس عليهم قبل أي شخص آخر، ولكن إذا كان الوزير البريطاني يتحدث عن تناقض “أفكار وأنشطة الإخوان مع القيم والمصالح البريطانية” فهذا جيد، وإذا كانوا هم لا يسمحون بذلك ويحاولون حل هذه المعادلة، فلماذا يسمحون بالمقابل بتناقض أفكار هذه الجماعة الإرهابية مع قيم ومصالح بلادها الأصلية.؟ ولمصلحة مَن يستمر ذلك التحريض على الكراهية ودعم وتبرير الإرهاب.؟
في رأيي، ومن خلال خبرتي، فإن بريطانيا ـ ومعها الغرب كله ـ في مأزق وجودي عميق، لا تنفع معه محاولات التجميل أو الادعاء بالمشاركة في مكافحة الإرهاب.. لأن السؤال ساعتها سيكون عن أي “إرهاب” نتحدث بالضبط.؟ وإذا كان السيد بيرت يقول لنا إنه من خلال رصد بلاده لأنشطة جماعة الإخوان المسلمين حول العالم، أصبح من الواضح فعلاً أن هذا التنظيم يلجأ إلى استخدام الغموض لإخفاء أجندته المتطرفة فى مصر.. يكون علينا بالتالي استعارة ما كتبه أديبهم الكبير ويليام شكسبير قبل قرون :”أكون أو لا أكون.. هذه هي المشكلة”.!