حول حوار مجلة ديرشبيغل مع خالد مشعل – بقلم : عبد الله حموده

فضاءات عربية …
عبدالله حموده – رئيس منتدى الفكر الديمقراطي – مصر …
نشرت جريدة الغد بتاريخ 12/6/2017 صفحة (17) نص اللقاء الذي جرى بين السيد خالد مشعل ونيكولا آبي وكريستيان هوفمان (ديرشبيغل 3/6/2017) وكانت الترجمة للأستاذ علء الدين أبوزينة.
سألت شبيغل خالد مشعل هل يكون خطكم الجديد مجرد شيء لعرضه في واجهة العرض؟
هل ما يزال تدمير إسرائيل هدف حماس؟
مشعل: يظهر نهجنا الباراجماتي كم نحن جادون في هذا الشأن. إننا مستعدون للقبول بدولة ضمن حدود 1967.
شبيغل: ولكن هل ستكونون مستعدين لتقديم تنازلات من أجل جعل السلام ممكناً؟
مشعل: عندما نرى جدية من الجانب الإسرائيلي إزاء التعامل مع متطلبات السلام الحقيقي في هذه المنطقة، فسوف نكون عندئذ على استعداد لتقديم تنازلات.
عندما قرأت هذه المقابلة خاصة أنها جاءت بعد وثيقة حماس في 1/5/2017 وبعد قرارات مؤتمر الرياض الذي قال في بيانه أن حماس حركة إرهابية.
عادت بي الذاكرة إلى ما قبل 10 سنوات حيث قابلت السيد خالد مشعل في دمشق وسألته لماذا دخلتم الانتخابات التشريعية البرلمانية الفلسطينية عام 2006 وكنتم ضدها عام 1996 وحينها قلتم أنكم ترفضون الدخول في الانتخابات البرلمانية لأنها تعني القبول بأوسلو. وقد أجاب السيد مشعل قبل 10 سنوات نحن نريد وقف انهيار “فتح” والمنظمة.
وكلنا نعلم أن منظمة التحرير وفتح القائدة في المنظمة استمرت بالقول لا حل إلا بالمفاوضات. وحينها كتبت مقالاً عام 2006 بعنوان مقاطعة الانتخابات في فلسطين والعراق واجب وطني وقومي وإنساني. وأوضحت في ذلك المقال إن أي انتخابات برلمانية في ظل الاحتلال تخلق قوى وطبقات اجتماعية تتعاون مع الاحتلال. ولقد جاءت الأحداث في فلسطين والعراق لتؤكد على ذلك.
هل وثيقة حماس الجديدة التي تقبل قيام دولة في حدود 1967 يفسرها الآن خالد مشعل بأن حماس مستعدة لتقديم تنازلات عندما ترى جدية من الجانب الإسرائيلي مع متطلبات السلام الحقيقي في هذه المنطقة.
عندما صدرت وثيقة حماس في 1/5/2017 كتب منير شفيق صديق حماس مقالاً يقول فيه  لا يجوز الحكم قياساً على المخاوف. ولكننا الآن أمام وضع جديد، فها هو قائد حماس لمدة 20 عاماً يقول أنه مستعد لتقديم تنازلات. فنحن لا نتحدث عن المخاوف ولا على النيات ولا قياساً على ما جرى لفتح والمنظمة وصولاً إلى أوسلو والتنسيق الأمني. فنحن إذاً أمام حالة جديدة خطيرة تضع في وعي الشعب العربي عموماً والشعب العربي الفلسطيني خصوصاً أنه يمكن التنازل عن 78% من فلسطين بعمل تكتيكي في ظل موازين القوى العربية والأمريكية والغربية عموماً والإسرائيلية خصوصاً أن أي تسوية وقيام دولة في حدود 1967 ممكنة بالتنازلات، ولكننا عن أي تنازلات نتحدث. فالدول العربية منذ عام 2002 أعلنت المبادرة العربية التي تطالب بالتطبيع الكامل مع كيان العدو مقابل انسحاب إسرائيلي إلى حدود 1967. وبعدها أيد المؤتمر الإسلامي هذا الاتجاه. أي أن 57 دولة عربية وإسلامية نادت بالتنازلات الكبرى مع العدو الصهيوني باعتراف بكيان العدو ولكن قال شارون حينها إن هذه الوثيقة المبادرة لا تساوي الحبر الذي كتبت فيه.
وهذا الكلام عن التنازلات يدل على أننا لم نفهم العدو الصهيوني حتى الآن. فهو يريد الأرض وطرد السكان العرب وهذا كان واضحاً منذ عام 1897 من المؤتمر الصهيوني الأول وحتى الآن حيث جرت عشرات المذابح والطرد المستمر والاستيلاء على الأرض وتريد السيطرة على الوطن العربي عامة وليس فلسطين وحدها. وتعلمنا قراءة التاريخ أن الكيان الإسرائيلي هو رأس الحربة للعالم الامبريالي عامة والأمريكي خاصة أنه لا يريد لهذه الأمة إلا الخراب والتفكك والتخلف وأن نبقى مستهلكين لإنتاجهم وهم يستمرون في نهب ثرواتنا. هذا هو درس التاريخ الأكبر.
ويتذكر السيد مشعل أن عرفات بدأ بالقول عن الميثاق الفلسطيني بأنه “كادوك” بمعنى أنه انتهى مفعوله، واعترف بقرار 242 الذي يصفي القضية الفلسطينية. وأقام دولة وهمية على الورق، ووقع على الرسائل المتبادلة مع السيد رابين في 9/9/1993 الذي يؤكد فيه حق إسرائيل في الوجود والأمن وأنه لا حل إلا بالمفاوضات وكانت النتيجة لهذه التنازلات أنه لم تقم دولة حتى الآن ولن تقوم وزاد الاستيطان وقضم الأرض وأقاموا الجدار العنصري وهم يقولون ليل نهار أنهم يريدون التطبيع مع كل الدول العربية ثم يتحدثون عن السلام.
وهكذا تكون العلاقة بين الأمة العربية والشعب الفلسطيني من جهة والعدو الصهيوني الامبريالي صفرية (أن نكون أو لا نكون). إن أقصى ما يقدمه الصهاينة هو حكم ذاتي تحت سيطرتهم الكاملة كما يجري كل يوم من 13/9/1993 منذ وجود سلطة أوسلو التي عاشت وهم الدولة بحدود 1967.
إن كل الأدبيات الصهيونية من هرتزل ووايزمان وبن غوريون وجابوتنسكي ورابين وإيغال آلون وبيغن وشامير ونتنياهو وشارون كلهم يقولون في كافة خطاباتهم وكتاباتهم أنهم لا يمكن أن يسمحوا بأي كيان فلسطيني إلا تحت سيطرتهم. وأن العربي الجيد بالنسبة لهم هو العربي الميت. وهذا يجري يومياً في القدس ورام الله والخليل ونابلس وحتى في عكا وحيفا ويافا والناصرة كما جرى قبل أيام في كفر قاسم.
وأسأل السيد مشعل هل البرجماتية التي تتحدث عنها ستجعلك مقبولاً لدى القيادة الأمريكية وهي التي قالت أن حماس إرهابية وحزب الله أيضاً حركة إرهابية. ويريدون بذلك التأكيد صراحة وعلناً وبموافقة الذين حضروا مؤتمر الرياض على عدم مشروعية المقاومة ضد الاحتلال. وإني لأسأل ما هي التنازلات التي يمكن أن تقدمها للعدو الصهيوني أكثر من الدول العربية مجتمعة في المبادرة العربية وعن قيادة م. ت. ف. في اتفاقية أوسلو عام 1993 التي تعترف بحق إسرائيل في الوجود والأمن.
إن إيهام الجماهير العربية والفلسطينية أن العدو يمكن أن يقدم تنازلات وأن يكون جدياً في متطلبات السلام لا يعني إلا عدم فهم لفكر وسياسة الحركة الصهيونية والعيش فقط في الوهم.
هل هناك تنازلات محرمة جديدة تريد أن تقدمها ولم تقدمها كامب ديفيد وأوسلو ووادي عربة والمباردة العربية والإسلامية؟
لقد قدمت قيادة المنظمة التنسيق الأمني وأعلنت صراحة لا حل إلا بالمفاوضات وتم الاعتراف بحق (إسرائيل) في 78% من فلسطين. وتم التخلي عن الشعب العربي الفلسطيني في الـ 48. إن الأمة العربية والشعب العربي الفلسطيني لا يمكن أن يقبل إلا بثقافة التحرير والعودة. إن الطريق هو ثقافة المقاومة وليس التنازلات.
علينا أن نؤكد كل يوم وكل ساعة أن الصراع مع هذا العدو هو صراع وجود وليس صراع حدود.
إن الكيان الصهيوني الاستيطاني الاستعماري إلى زوال مهما طال الزمن . ولقد انتظرت من قادة حماس أن يعلنوا رأياً في هذه المقابلة أو أن يكتب السيد منير شفيق رأياً فيها أو السيد أنيس قاسم وسلمان أبو ستة. فالمقابلة منشورة في صحيفة أردنية في عمان . لماذا الصمت من الذين ذهبوا إلى مؤتمر اسطنبول؟
إن سياسة الصهاينة لم ولن تتغير. إنهم يريدون السيطرة على الأرض وتهجير السكان ولهم السيادة الكاملة على حكم ذاتي تحت سيادتهم. إن كل الذين ساروا في درب التنازلات ووقعوا المعاهدات من كامب ديفيد وأوسلو ووادي عربة وقعوا في أكبر الأخطاء.
إن كتائب القسام التي تمثل حماس في نضالها وقدموا الشهداء نادوا بثقافة المقاومة ابتداءً بالقائد عز الدين القسام. كان نضالهم يخلق وعي وأمل لأبناء الأمة العربية والشعب العربي الفلسطيني. إن طريق المقاومة هو الدرب الصحيح.
وأسأل لو أن الشهداء عرفوا أن قائد حماس لمدة 20 عاماً يقدم ثقافة التنازلات بدلاً من ثقافة المقاومة والتحرير. هل قدموا أرواحهم ودماءهم في سبيل التنازلات أم في سبيل التحرير.
يقول المناضل بهجت أبوغربية في مذكراته أنه سأل القائد عبدالقادر الحسيني بعد صدور قرار التقسيم ما هو الموقف الصحيح؟ فأجابه القائد عبدالقادر الحسيني “إننا نعرف أن موازين القوى لصالح العدو ولكننا لن نستسلم للعدو ولن نقدم أي اعتراف بأي حق لهم في فلسطين وسنناضل حتى الاستشهاد حتى لا نغلق طريق النضال والمقاومة أمام الأجيال القادمة”.
هذا طريق القائد الرمز عبدالقادر الحسيني وعز الدين القسام.
إن طريق التنازلات وهم … إن المناداة بدولة في حدود 1967 وهم …
أما طريق ثقافة المقاومة والتمسك بالحقوق كاملة في فلسطين هو طريق النصر.
إن طريق النضال العربي والفلسطيني سيبقى جيلاً بعد جيل رافعاً راية المقاومة . لقد أثبت الشعب العربي الفلسطيني منذ اكثر من مائة عام أنه لن يستسلم وسيستمر في النضال مع أمته العربية حتى التحرير والعودة.
إن الشعب العربي الفلسطيني والأمة العربية يعيشون هذه الأيام ذكرى مائة عام على تصريح بلفور وحوالي 70 عام على النكبة الأولى و50 عام على النكبة الثانية . وبرغم كل الظلام العربي الرسمي فإن بنات وشباب فلسطين يقدمون على التضحيات بلا حساب فاتحين الطريق أمام الأجيال لتبقى راية النضال مشتعلة وهم بدمائهم يقولون لنا ويعلموننا أن النصر لنا ولأمتنا وأن النصر قادم لا محالة. فلنحيي كل الشهداء والأسرى لأنهم أكرم منا جميعاً بنضالهم ويلعنون كل من ينادي بالتنازلات.