مضايق تيران مصرية والسعودية لا ناقة لها فيها ولا جمل – بقلم : حامد الاطير

آراء حرة ….
بقلم : حامد الاطير – مصر …
مطلع هذا الأسبوع جمعني لقاء عام بالأستاذ رجب هلال حميده عضو مجلس الشعب السابق، وقد تحدث عن جزيرتي تيران وصتافير، وحاول شرح أسباب تنازل مصر عنهما للسعودية، وكانت خلاصة كلامه: أن هذا التنازل قد حدث لكي تتم مراقبة الخطر الإيراني الذي بدأ يزداد في البحر الأحمر! وأضاف: لأن اتفاقية كامب ديفيد تحظر وجود قوات عسكرية مصرية على الجزيرتين، مما يعوق التصدي لإيران! ولذا كان الحل هو التنازل للسعودية عن الجزيرتين، فاتفاقية كامب ديفيد لم تُلزم السعودية بما ألزمت به مصر! ولذا فإن هذا التنازل سيُمكن السعودية وبالتعاون والتنسيق مع مصر من نشر قوات سعودية مصرية على الجزيرتين لتتصديان لإيران وخطرها! وأن هذا المطلب قد تم بمباركة من أمريكا وإسرائيل!
وللأسف لم يسعفني الوقت للرد عليه في حينه أثناء الاجتماع الذي ضمنا، وذلك لارتباطي بمواعيد هامة، ومع كامل الاحترام لما عرضه الأستاذ رجب حميده، إلا أنني أرفض كل ما قاله في هذا الشأن جملة وتفصيلاً، لأن هذا التبرير الساذج لا يدفع دولة عاقلة أو غير عاقلة لتتنازل عن ترابها الوطني لأحد.
ولأن جيش السعودية لن يكون بأي حال من الأحوال أقوى من جيش مصر حتى تقوم السعودية بعبء الدفاع عن “مضايق تيران” أو تقوم بمهمة مراقبة إيران وتحركاتها في شمال البحر الأحمر نيابة عن مصر، ذلك أن المضايق مصرية خالصة، ولها أهمية استراتيجية عظمى للأمن الوطني المصري لكونهما المدخل الوحيد لخليج “العقبة” الذي تقبع في نهايته اسرائيل، ولوجود الممر الوحيد الصالح للملاحة “ممر الإنتربرايز” الذي لا يبعد عن الساحل المصري في شبه جزيرة سيناء في منطقة رأس نصراني غير 6 كيلو مترات، لهذا كله فإن حماية المضايق والدفاع عنها شأن مصري بحت، ولم ينازعها فيها أحد من قبل، وكل الدماء التي سالت لحمايتها كانت دماء مصرية طاهرة وليس سواها.
كل الوثائق والمستندات التاريخية تؤيد ملكية مصر للجزيرتين وتؤكد ممارستها للسيادة والسيطرة عليهما قبل نشأة المملكة السعودية بقرون عدة، فالواقع والخرائط منذ القرن الثاني الميلادي تؤكد ملكية مصر لهذه الجزر، وخريطة “بوتنجر” المرسومة في القرن الثاني الميلادي ورد فيها أن كامل خليج العقبة بجزره مملوك لسيناء، مثلما هو الحال في العصر الحديث أيضاً، حيث خضع خليج العقبة بكامله وجزء من الساحل الشرقي السعودي للدولة المصرية، ولنرجع إلى معاهدة لندن عام 1940م واتفاقية 1906م الموقعتين بين محمد علي والدولة العثمانية عندما كانتا مصر والسعودية خاضعتان للاحتلال العثماني، ولننظر في الحروب الثلاثة التي خاضتها مصر مع إسرائيل أعوام 1956م و 1967م و 1973م ومعاهدة كامب ديفيد 1978م التي وقعتها مصر مع إسرائيل، وعشرات القرارات والوقائع والأحداث والخرائط التي تثبت كلها وبما لايدع مجالاً للشك بأن هذه المضايق مصرية خالصة.
وما لا يعرفه الأستاذ رجب حميده أن السعودية التزمت بما التزمت وتعهدت به مصر في اتفاقية “كامب ديفيد” عند إبلاغ أمريكا وإسرائيل بأمر اتفاقية ترسيم الحدود الموقعة مع السعودية في أبريل العام الماضي، أي أنه لن يتم السماح للسعودية بتواجد عسكري إذ ما آلت إليها الجزر.
ونلفت انتباه وعناية السيد رجب حميده هو وغيره بأن مواجهة إيران يجب أن تتم في أقصى جنوب البحر الأحمر عند مضيق باب المندب وليس عند مضايق تيران المصرية في شمال البحر الأحمر، خاصة أن هذه المضايق تقع على مدخل خليج العقبة المغلق على دوله (مصر والسعودية والأردن وإسرائيل) وعلاقة إيران سيئة بهم جمياً .
لذا فحجة الأستاذ رجب حميدة باطلة ولا يجوز الدفع بها أو إقامتها أو التعويل عليها كتبرير لتنازل مصر عن مضايق تيران التي تضم جزيرتي تيران وصنافير.
ولينتبه الجميع الى أن مطالبة السعودية بالجزيرتين قد يكون ورائها دوافع خفية لا يعلمها إلا الله، ويجب علينا ألا نستبعد الأسوأ، ويجب علينا ألا نغفل الإملاءات الأمريكية التي تفرضها على السعودية وغيرها من دول الخليج مقابل حماية عروشهم وغض الطرف عن أنظمة حكمهم العائلية، لذا فلا استبعد إيعاز أمريكا للسعودية بالحصول على الجزيرتين، لنزع مفتاح السيطرة والهيمنة والسيادة على مدخل خليج العقبة من مصر، وما يرتبه ذلك من خطر عظيم عليها وعلى سلامة أراضيها والانتقاص من نفوذها، ولا أستبعد أيضاً أن تحول أمريكا هاتين الجزيرتين الى قاعدة عسكرية لها، كما لا أستبعد أن تكون هذه خطوة ضرورية لصالح اسرائيل للقضاء على النفوذ المصري في مدخل خليج العقبة ولتجنب التهديد والخطر المصري لخط التجارة العالمي الجديد الذي شرعت إسرائيل في تأسيسه والبدء فيه بالتعاون مع الصين وغيرها، لاعتقادها بأن مصر لن تقف مكتوفة الأيدي إزاء كل ما يهدد أو يؤثر على حركة المرور في قناة السويس، خط التجارة الإسرائيلي الجديد سيربط بين البحر المتوسط والبحر الأحمر بسكة حديدية للقطارات، تنقل البضائع والسلع والمهمات من وإلى الموانئ الإسرائيلية على البحر المتوسط إلى ومن ميناء إيلات على خليج العقبة، ليصبح  هذا الخط بديلا أو منافسا لقناة السويس،وربما تطور إسرائيل الفكرة وتحاول حفر قناة موازية لقناة السويس إذا ما ساعدتها الظروف وطبيعة وتضاريس الأرض.
وختاماً نؤكد للجميع وليس لرجب حميده وحده بأن مضايق تيران مصرية خالصة ولا علاقة للسعودية بهما من قريب أو بعيد، ولم يكن لها فيهما ناقة ولا جمل ولا عقال، كما نذكر الجميع بأن مصر هي التي امتد نفوذها وبسطت سلطانها وسيطرتها في الجانب الشرقي على مر التاريخ وليس العكس.
حامد الاطير – مصر