حكاية العربي الأخير(لواسيني االأعرج) بقلم : مهند النابلسي

اصدارات ونقد …
بقلم : مهند النابلسي – الاردن  …
سرد “سينمائي-روائي” شيق و فريد وعميق واستبصاري لمصائر الشخصيات والامم  وتنبؤات كارثية!
متعة القراءة لقوة السرد في هذه الرواية  الفريدة ذات النفس الروائي العالمي تتماثل مع الروايات العالمية الكلاسيكية، وهي تحفل بالحكم والأحداث والتنبؤات المستقبلية “المثيرة للجدل”:
“بؤس آرابيا والتنظيم المرعب والنهاية الكارثية وعلاقة العالم “آدم غريب” مع الذئب الاسطوري “رماد” ومصائر /الليتل بروذر(العنصري) وسميث(الانساني) والكوربو قائد التنظيم الجبار/ وماذا فعلت -البوكيت بومب- الماحقة؟!…”
*أتمنى أن لا يحدث هذا، عربي ويفكر،  العربي الجيد هو العربي الميت!
*ماذا كان ينقص سكان آرابيا؟ الرخاء والنفط والذهب واليورانيوم وخيرات الأرض من حديد وفوسفات وذهب وسواحل بعرض السماء، فراحوا يخوضون كل الحروب الخاسرة…هناك امم لا تملك قابلية الاستمرار بالزمن…فلا غلبة في النهاية الا للزمن!
*الآرابيون الضائعون يأتون وينضمون الى التنظيم الى يوم يأتي دورهم…لكنه صمم اولا أن يسافر الى آرابيا الغربية، التي كانت تتذابح فيها الصراعات الاثنية واللغوية  والجهوية…فالجهلة جعلوا من هذه الأرض مرتعا للضباع والوحوش الضارية.
*يتزوج المال والجهل والتشدد الديني الأعمى الذي يتحول الى سلاح القتل، يحدث هذا سلسلة من القتلة الذين تناموا مع الزمن، ووجدوا ليس فقط من يدعمهم، ولكن من يحولهم الى قنابل موقوتة ضد ماضيهم!
*عندما قام الأرابيون بثورتهم كبقية الشعوب قتلوا انفسهم اولا، وغرسوا السكاكين في اللحم الحي من أجسادهم، ثم أكلوا رؤوس بلدانهم وبعدها خلقوا فراغا ظنوه الديموقراطية، ويوم استيقظوا وجدوا انفسهم مجموعات يقتلها العطش والصحاري والثغابين، كالعمران الذي شيد على الرمال، وفي ثانية واحدة انهار كل شيء!
*قرن من الزمان تعلمت منه الكثير، ومنه أن العدو اذا اردت أن تدمره فاما ان تمحوه او ترجعه الى بدائيته الاولى.
*يحاول انقاذ ما يمكن انقاذه، لكن صيرورة العالم تسير وفق نظام  التمزق الذي مس العالم كله…
*مخترع البوكيت بومب (العالم آدم غريب) يعود لمزاولة ابحاثه العلمية في مكان سري في أمريكا…أنت تعرف أني ضد اشتغالك على مشروع القنبلة الناعمة، أنسنة الجهود النووية، هل من الضروري قنبلة ذرية مصغرة ومخففة ومحدودة الحلقة والفطر؟ ولكنها في النهاية قاتلة بشكل بشع…كل شيء يتحدد في الأفكار الأخيرة ، “البوكيت-بومب” فكرتها كانت نبيلة…ماذا لو فكر ترومان اول مرة بهذه الطريقة قبل ان يلقي “ليتل بوي” على هيروشيما؟!
*ويكشف الكاتب معلومات جديدة لافتة عن كارثة “الهجوم النووي”:
الذي ينساه الناس هو أن القنبلة النووية قتلت هذا العدد المخيف في الثواني الاولى من سقوطها غلى رؤوس الناس، ماذا لو ركبت اليابان رأسها وتعنتت؟  قائمة المدن المؤهلة للابادة وقتها كانت كثيرة…(ص.188)
*أستطيع أن اقول أن فكرة امتلاك قنبلة صعيرة أصبح أمرا ممكنا، بعد ان كان مسألة معقدة. كأنكم لستم سعداء بالانتهاء من مشروع قنبلة الجيب الذي سيخفف من مساحات الموت عند الاضطرار الى استعمال القنبلة الذرية …سيأتي من يحمل قنبلة نووية بحجم القنبلة اليدوية، ويفجرها في سوق عام او مول واسع تعبيرا عن منتهى يأسه!
*مطر ناعم يتهادى على أرضية الملعب، شم رائحة الياسمين ثم عطر البرتقال، ثم مزيجا من البنفس والبرتقال والياسمين.
*…فهو سيد السلام مع رفقاء مخبره الذين استطاعوا أن يتحكموا في الاشعاعات الخطيرة مما يسهل اليوم استعمال الأسلحة الفتاكة في دوائر ضيقة ضد كل من يهددون السلام العالمي والانسانية.
*قرن من الزمان تعلمنا منه الكثير، وفيه ان العدو اذا أردت أن تدمره اما ان تمحوه او ترجعه الى بدائيته الاولى…البدائية فيها متعة ان ترى البدائي يقتل اخاه على لقمة خبز، والاستيلاء على أرض لا تنجب الاالرمال والرماد، او يقاتله من اجل مصلحة ميتة… الانسان كلما تهتك داخليا زادت انانيته.
*سيبدأون  بتصنيع نموذجين أساسيين تجريبيين: الأول باليورانيوم والثاني بالبلوتونيوم، وبعدها تتضح امور التصنيع النهائي، لأن الميدان هو الذي يكشف  خصائص الأشياء وحدود النظرية.
*ويصور بعدسة سينمائية وبراعة وصفية روائية دقيقة تفاصيل الهجوم النووي الأخير: أغمض عينيه لكي لا يرى شيئا. فتطايرت كل الحيطان والحصون العالية المكونة للقلعة الكبيرة. عندما اقتربت المروحية قليلا، طلب الطيار ارتداء اللباس الأبيض والأقنعة المضادة للمواد الكيماوية والاشعاعات. كانت القلعة والناس بالداخل يركضون في كل الاتجاهات. فجأة، رأى تحتهم طائرة بدون طيار أطلقت شيئا. انفجر، فاهتزت الطائرة نفسها التي كانت على مسافة بعيدة، ثم رأى الأدخنة تكون الحلقة التي غطت القلعة كلها. انقطعت شبكة الارسال.
*البيغ بروذر لا يعرف شيئا. لقد تفسخ وترك البلاد أيضا تتفكك بين الاوروبيين واللاتينو والسود. لا بد من العودة الى الضفاء العرقي اذا اردنا ان نستمر…هتلر كان البيغ بروذر الوحيد الذي عرف كيف يحاقظ على نقاء الجنس والعرق…

ثم يستخدم كاتبنا المبجل مهارته الوصفية الخارقة كعدسة سينمائية تلتقط كل التفاصيل الدقيقة مستخدما خياله الخصب، وتتماثل لحد بعيد مع مشاهد  هجوم الدب الكاسر على بطلنا السينمائي الوسيم “ليوناردو  دي كابريو” ..هذه المشاهد الفائقة الواقعية والابداع في التحفة السينمائية “العائد من الموت” والتي حققت للفيلم ربما جائزة الاوسكار، ولكن الموقف المؤثر هنا (عكس مشاهد الفيلم الوحشية) بدا وديا وحميميا للغاية، فهذا الذئب الخرافي هو رفيق وصديق البطل الأزلي الذي يبادر بانقاذه من موت محقق:
بدا صوت رماد بعيدا ومكتوما، كأنه يأتي من خلاء موحش وبلا نهاية…
تشمم رماد(اسم الذئب في الرواية) آدم طويلا (هو عالمنا النووي العبقري وبطل الرواية)، قرب وجهه من وجهه، أغمض آدم عينيه لأول مرة شعر براحة واستسلام غريبين، شم رائحة آخر أجداده، مزيج من الصنوبر البلي  ونبتة المارمان القوية، ورائحة نوارالخزامى…اقترب منه رماد اكثر، ثم لحس كل جروحه التي كانت تنزف دما حارا، أخذه بين فكيه، ثم قلبه على ظهره، لعق الدم من جديد الذي كسا جسده كله، كأنه كان يستعد لافتراسه وتمزيقه…ثم اصغى من جديد الى انفاسه، تأكد من انها لا تزال حية، نظر يمينا وشمالا…ثم سحبه الى الوراء، بعيدا عن الأرض والماء، قريبا من غابة النخيل…لا تذهب وحدك نحو مدافن الرمال الحارقة، اريد أن اموت معك في عاصفة واحدة وجنون أخير!
*يدرك آدم وفق ما رواه الأجداد، اللذين ينحدرون من السلالة أن رماد  لم يكن حيوانا عاديا، لم يكن ذئبا مميزا عن بقية الذئاب، لم يكن طوطما هنديا، بل اكثر…كان الها قديما!
*عرفها من عطرها، مزيج من رائحة الفراولة والكليمونتين والبنفسج البري…صافيتا…امرأته الوحيدة التي ارتسمت في دمه، وظلت فيه. تلك التي تشبه عيناها عيني “الذئب رماد” في كل ألوانهما التي تميل نحو صفرة معاندة، وفي غموضهما.
*قبل ان ينطفىء النور في عينيه للمرة الأخيرة، سمع انفجارين قويين…رأى بعدها مياه السد الأزرق تعلو شيئا فشيئا حتى تصل السماء، في شكل آلاف، ملايين، بل ملايير الفقاعات من الزبد، كما لو ان الصور كانت تمر أمام عينيه بالتصوير البظيء، مصحوبة برائحة الكبريت والبارود الأسود والحموضة التي تجفف الحلق.(ص.445) !
وينهي روايته الشيقة باسلوب “هوليوودي” معهود:
طغت أناشيد هندل قبل ان يكسرها صوت “مسينحر” توني نيلسون الصارخ:
*بسرعة يا ايفا اذا أردتم انقاذ آدم. يونا ليس هذا وقت البكاء. لا بد أن تحمله الآن، انه حي، لكنه ينزف، وبدأت أعضاؤه تتيبس بسبب البرد والثلج. جيد أنه ما يزال يتنفس. بسرعة. لا وقت لدينا، قبل انتكبر العاصفة، ويدركنا غبار الانفجار الثقيل.(الصفحة الأخيرة 446)

سيناريو سينمائي عالمي وخيال علمي “متسرع وغير منطقي”:
استمتعت كثيرا  بقراءة هذه الرواية  “السياسية-الخيالعلمية” ذات النفس التشويقي –العالمي الرؤيا، والتي لا نعهد كثيرا مثلها في سوق الرواية العربية الغزير الانتاج، وقدرت كثيرا منهجية السرد العالمية الاسلوب والنهج واستناده لمراجع عديدة تاريخية وعلمية، وقد أثارتني حقا فكرة تحول القنابل النووية  المرعبة لمجرد قنابل جيب صغيرة (بوكيت –بومب) محدودة التأثير والتدمير والحلقة؟ تطرح فكرة هذه الرواية الاستبصارية الجريئة امكانية دخول العرب لمساق “البعد السياسي-الخيالعلمي” الذي اشتهرت به السينما الأمريكية حصريا، وما يلزم هنا بالتعاون مع الكاتب القدير وجود سيناريو مواز ومخرج فذ وتمويل انتاجي سخي، وكل هذه العناصر متوفرة لو توفرت الارادة والرغبة بالمغامرة، وفيلم كهذا جدير بخلق وعي تنويري هائل في عالم تحكمه وسائل الاعلام والميديا والتواصل الاجتماعي والسينما …وأرجو أن تكون هذه الفكرة قابلة للمناقشة …ولكن استفساري الجوهري ينحصر هنا بتوضيح المغزى  من ابتكار شيء مماثل ك”البوكيت بومب” اذا كانت هذه القنابل ستفقد خاصيتها الوحيدة المتمثلة بالدمار الشامل، وما المغزى من تحولها لمجرد قنبلة صغيرة ذات قوة تدميرية كبيرة ومحدودة التاثير وذات اشعاع جامح مسيطر عليه؟! ثم ما المغزى حقا من صناعة سلاح مماثل يلغي فكرة الردع الشامل، ويسهل للارهابيين العالميين المجانين امكانية الحصول عليها واستخدامها؟
أسئلة لم استطع أن اجد اجابات شافية عليها!
مهند النابلسي
Mmman98@hotmail.com
هوامش معرفية:
* 2084/ حكاية العربي الأخير
نص يلقي بقارئه في أتون ما يرانا عليه واسيني بعد نصف قرن، حيث يصنف العربي ككائن مهددا بالانقراض. رواية قيامية يتمنى كاتبها في أول صفحة منها، ان تخيب نبوءة قلمه قائلا:
“أتمنّى أنْ لاَ يَحدُثَ هَذا.
مجرد صرخة قبل فوات الأوان. أعرف سلفا أن المعني بها تحديدا، لن يسمعها أبدا.”
صدرت الى الآن ثلاث طبعات لهذه الرواية:
– الطبعة الجزائرية : صادرة عن المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية (نوفمبر 2015)
– الطبعة العربية : صادرة عن دارالآداب -بيروت (ديسمبر 2015)
– الطبعة الفلسطينية : صادرة عن الدار الأهلية – فلسطين ( تنزل الى المكتبات في فبراير 2016)
**تنتهــــي الروايـــة بالميجر نيلسون منادياً بإنقاذ آدم قبل أن يدركهم غبار الانفجار النـــووي الثقيل، انفجار البوكيت/ بومب، الذي سيقضي على التنظيم والإرهاب، فهل يصدق هذا التخييل الروائي للمستقبل؟ وهل يصح إذن في رواية «2084…» ما قاله نعـــوم تشومسكي في رواية اورويل الشهيرة (1984): «إن نبـــوءات أورويل قد تحققت، وإن ما حذرنا منه قد وقع بالفعل، على الأقل في جوهره»؟
***ومن السائد أن الناشر اقترح أن يُعكَس الرقمان الأخيـــران لسنة إنجاز أورويل للرواية 1948 ليكون عنوانها «1984». ومن هذه الرواية جاءت إلى رواية واسيني الأعـــرج (2084…) شخصية بيغ بروذر، ليكون احتفال ليتل بروذر بمئوية جده. فبعد مئة سنة من تاريخ عنوان رواية أورويل، يقوم في رواية الأعرج احتفال الحفيد، فهل النسب بين الروايتين هو ما بين الجد والحفيد؟
2084****حكاية العربي الأخير
يدخل واسيني في هذه الرواية منطقةً محرَّمةً، إذ يضع الغربيَّ الحاليّ، والعربيّ أيضًا، أمام المرايا التي تُظهر تناقضاتِهما أمام حداثة انتقائيّة في كلِّ شيء. لن يكون العربيّ الأخير، في قلعة أميروبا الغامضة الواقعة بين مضيق هرمز والبحر الأحمر، في عمق الربع الخالي، أُمِّيًّا، أو جاهلًا، أو بدائيًّا، بل سيكون عربيًّا في صميم الدقّة التكنولوجيّة. آدم، وهو عالمٌ في الفيزياء النوويَّة والمشرف على تنفيذ برنامج قنبلة نوويَّة مصغَّرة في بنسلڤانيا، يتعرَّض لعمليَّة اختطاف في مطار رواسي بباريس، تشترك فيه ثلاثة أطراف: تشادو، المتخصِّص في قتل علماء الذرَّة العرب؛ و”التنظيم”، وهو الجهاز الإرهابيّ الغامض الذي تحوَّل إلى قوَّة ضاربة لكلِّ ما له علاقة بالحياة والفنّ؛ وFBI لأنَّ آدم ينتمي إلى مخبر أميركي وتجِب حمايته. ماذا سيحدث للعربيّ الأخير في دوَّامة الموت والاختطاف؟ كيف سيكون مصيرُ ليتل بروز المريض بعنصريَّته الذي ظلّ يحلم برتبة ماريشال؟ ما مصير سميث الذي اختار مسلكَ القيم الإنسانيَّة العالية؟ كيف ستكون ردَّة فعل الكوربو، قائِد التنظيم؟ وهل سيقاوم رمادَ الموت البطيء الذي فُرض عليه؟
مُنجز روائيّ كبير لرحلةٍ في عصرٍ اتّسم بالانقلابات الكبرى على الإنسان نفسه وبالإرهاب الأعمى.
يتنازل الكاتب عن حقوقه المادِّيَّة للأطفال المرضى بالسرطان