سلاماً أيها الاحباب، من قطعوا ومن وصلوا – بقلم : رواء الجصاني

فن وثقافة …….
بقلم : رواء الجصاني  – بلغاريا …….
هل ثمة ما أدلّ وأعمق من تلكم المقولة التي طالما كان يرددها الجواهري الكبير : ” أني لأحسد كل من له ذاكرة ضعيفة ” … ولكن ما العمل ؟ والواقع اكثر من بعيد عن هـــــذه الحكمة – الحلم .
…  ها هي وشالةُ وقت وتنتهي سنة لتبدأ اخرى ، وها انت أ رقٌ – ايها الغارق في عتمة النهار- وحيداً مع احبائك الخلص: “فلفل” و”بهار” الذين لا يعرفون لغة الكلام الانساني، ولربما تحسدهم على ذلك، بعد ان راحت تلك اللغة هدير مدافع وفحيح مدي وصدى احقاد ولؤم…
وكلما ازف موعد رحيل العام الكؤوب، عجت بك الذكريات بمثائل هذه الساعات، لنحو اربعة عقود وأزيد، وقل خمسة ولا تخف … تترى عليك من كل صوب وحدب، اسماء اصدقاء واعزاء واحباب من الذين قطعوا ووصلوا، ويقتحمك بيت شعر فريد :
قد يقتل الحزن من احبابه بعدوا عنه، فكيف بمن احبابه فقدوا .
الدقائق تتسارع ، والذكريات تتزاحم دون حدود أو مديات، وتتشابك دون ان تعطيك حتى فسحة ما لتنسق فيها الاسماء والاحداث والتواريخ … وما لك من سبيل غير ان تلجأ الى الكتابة لعلها تخفف وطأة الاحاسيس والمشاعر المأنسنة ، والمستذئبة في آن . … والابرزفي كل هذا وذاك :  اطياف الاحبة الراحلين الذين كنت معهم ، في مناسبات وعشيات بدايات الاعوام الجديدة، السابقة، ولم تزل، طوال ماعشت من عمر ، لم، ولن تتجاوز أزماته وذيوله، وان تعلقت بأستار الكعبة،  أو كررت في اليوم الواحد الف مرة، ومرة :
لا تلم أمسك في ما صنعا ، امس قد فات ولن يسترجعا …
أمس قد مات ولن ينفعه ، حملك الهمَ له والهلعاا …
فأطرحه واسترح من ثقله ، لا تضع امسك واليوم معا ..
اذن فلتقرع اجراس الكتابة،  فهي داء ودواء في وقت واحد ، وخاصة للمدمنين عليها، وها انت فاعل ايها المدمن العريق، فلعل وعسى…
–  تعود بك الذكريات الى اثنين واربعين عاماً خلت، حين راح العراقيون يحاولون ان  يقلدوا احتفالات العالم المتحضر، ليالي حلول الاعوام الجديدة … تسترجع بعد كل هذه العقود كيف وقفت امامك الوالدة ” نبيهة الجواهري ” لتترجى، قائلة  : يكفينى  “جعفر” واحد في اشارة لشقيقها الشهيد .. في محاولة لمنع خروجك من البيت، مع “عدنـان”  ليلة بدء سنة 1969 ” بعد ان شاهدت معنا فرشاً واصباغاً ، وسلاحاً خفيفاً ، متوجهين لخط بعض الشعارات المعارضة للقمع والارهاب…
– وتطير بك الذكرى الى موسكو ليلة راس سنة 1972/ 1973 حيث الحفل البهيج  التي اقامته رابطة الطلبة العراقيين هناك ، بمناسبة زواجكما ، انت و” نسرين وصفي طاهر” وبحضور نحو ثلاثين مدعواً عزيزا ، ومن بينهم الفقيدان: جميل منير، ونمير حنا شابا ، الصديقان المقربان   …
– وتستذكر ايضاً وايضاً ، وهذه المرة ليلة بدءعام 1976 وانت في البيت ببغداد مع جمع من القيادة الشيوعية الطلابية انذاك، ويشخص امام ناظريك الشهيدان : علي حسن  “ابوحيدر” و هادي البلداوي “ابو سمراء ” وهما على سجيتيهما الانسانيتين بهذه المناسبة : مرحاً واملا…
– ويحل موسم الهجرة الى براغ ، وتحل رأس السنة الجديدة 1978/ 1979 ويتداعى اصدقاء، برغم مرارة الحال والاوضاع في البلاد ، لتنظيم مشاركة في حفل صغير، محدود بالمناسبة، كان الامرح فيه : شمران الياسري ” ابو كاطع” وهو يحمل راية : شر البلية ما يضحك…
– وتتوالى الاستذكارات، ويفيض شريطها، وتحلّ خيالاتها دون مدى، وها هو طيف الشهيد نزار ناجي” ابو ليلى” يحل ببشاشته ” النجفية” المعهودة ليلة العام الجديد 1980 حين بادر، فلمّ  في شقته ببراغ جمعاً من الاقربين، وأولهم، ولن نذكر الاحياء:  ذلك الانسان قبل اية القاب اخرى، ثابت حبيب العانى ” ابو حسان”  …
– وأستذكر واستذكر ايضاً الام الثانية : بلقيس عبد الرحمن، أرملة الشهيد وصفي طاهر، في ليلة بدء عام 1985 وكنتَ – ايها المتفنن في استجلاب الاطياف، بل واستدراجها – متوعكاً في حينها بالم الاسنان الحاد .. وقد غطت ” بلقيس” بحيويتها وسموها، مرارات لا تحصى، لاضفاء بعض البهجة والحبور …. ولنتجاوز التقليد هذه المرة فنشير الى ضيف تلكم الليلة، في الاحتفال العائلي : كمال شاكر ” ابو سمير” والتي طغت مقاماته الكردية والعربية، على اغاني وموسيقى العيد التقليدية …
– ثم يستمر الاغتراب عن البلاد ، ويصادف ان تكون ثمة سفرة الى  دمشق ليلة بدء عام 1987 … ولولا ” الجواهري” لانقضت  تلك الليلة كمثيلاتها . ولكن،  وما هي الا مزحة ، ثم تحريض، واذا برب البيت ينهض ويأمر ويُطاع، والاول بيننا، زوجته، أمونة، ونسهر في احد فنادق الشام، مستقبلين العام الوليد رقصاً وحبوراً، وألاسبق – كالعادة – الجواهري ذاته، وهو في التسعين ، او يكاد …
– أما في ليلة العام 1990/ 1991 فأستذكر مساءها – ايها الرجل- مع الرائد الكبير محمود صبري، الذي احتفى بنا، بروحه الانسانية المتفردة، ومعي عبد الاله النعيمي، ولنتسلم منه التصاميم التي اتممها خصيصاً لاصدارت ” مؤسستنا الوليدة “بابيلون” لتنطلق بها منذ ذلك الحين، والى اليوم …
ترى هل تستمر في الكتابة ايها ” المتشائل” فتثير الكوامن، وتستثير الاهات ؟ اما يكفي ماسبق ؟ ولمَ تعكرعلى الناس افراحهم ، ايها المُبتلى بـ”داء رأس السنة”؟ … قل للجميـــع ومن معهم، وحولهم، ومن يريدون :
ويا احبابي الأغلين، من قطعوا ومن وصلوا..
سلامــــاً كلـــه قبــلُ ، كأن صميمهـــا شعـــــلُ
ولتغادر الحلبة اذا لم تكن قادراً على اللعب داخلها ، واترك الامر للقادرين …