أضواء على شمس منتصف الليل- بقلم : حسيب شحاده

دراسات ….
حسيب شحادة – جامعة هلسنكي …
قليلةٌ هي الكتابات العربية التي تُعنى بفنلندا. هذه الدولة الشمالية التي أعلنت مؤخرا عن انتهاء الكتابة بالقلم في المدارس وتطبيق الكتابة الإلكترونية ابتداء من العام ٢٠١٦. كذلك اشتهرت عالميا كمتصدرة للمرتبة الاولى في تحصيلات الطلاب للرياضيات والعلوم وفهم المقروء، وتؤمن مناخا تعليميا مميزا في المدارس وتعاون ومشاركة حقيقية بين الأهل والهيئات التدريسية، حتى أصبحت نموذجا يحاول العالم (ومن ضمنهم بلادنا) الاحتذاء به. وفيما يلي نستعرض بشيء من التفصيل كتاب السيد عبد الرحمن محمود المحمود- شمس منتصف الليل، رحلات إلى فنلندا والنرويج وأيسلندا- الطبعة الاولى، الشارقة، دولة الامارات العربية المتحدة، 1995)
تنتمي فنلندا التي حازت على استقلالها في السادس من كانون الأول- ديسمبر سنة ١٩١٧ إلى ما يسمّى بدول الشمال (Nordin) التي تضمّ أيضاً السويد والدنمارك والنرويج وآيسلندا. أما شبه جزيرة إسكندناڤيا (Scandinavia) التي تعني “جزيرة الضباب” فتضمّ عادة كلاً من النرويج والسويد والدنمارك. هناك رأي يقول إن أصلَ النورديين، أي سكان شمال غرب أوروبا، يتحدّر من هجرات من شمال إفريقيا وآسيا الغربية الجنوبية.
أ. تُعرف هلسنكي بألقاب معينة مثل، عروس البلطيق، ابنة البلطيق، المدينة البيضاء. أنشأها الملك غوستاف فاسا عام ١٥٥٠م وأصبحت عاصمة لفنلندا سنة ١٨١٢، يبلغ عددُ سكانها حوالي نصف مليون نسمة وشوارعها نظيفة جدا. الشعب واعٍ وكل فرد بمثابة “الرقيب الذاتي” وهذا السلوك المسؤول لا وجودَ له في الدول العربية والإسلامية. قبل ذلك كانت مدينة توركو عاصمةَ البلاد وفيها أُسّست الجامعة الأولى عام ١٦٤٠م. وفي المدينة جالية إسلامية معظمها من التتار الذين وصلوا فنلندا سنة ١٨٣٥ ووضعهم الاقتصادي والاجتماعي جيد. يتمسّك أبناء هذه الأقلية الدينية بعقيدتهم وما زال بعضُهم يستعمل الحروف العربية في الكتابة ولهم جامع ومقبرة.
ب. تُعتبر فنلندا من أرقى الدول السياحية وأكثرها تنظيما وقد تفوّقت في هذا المجال على السويد والنرويج. تُعدّ فنلندا من أغلى أقطار العالم ولا يعرف الكاتب أغلى منها إلا اليابان. بالرغم من ذلك فمن الممكن قضاء إجازة ممتعة بتكاليف معقولة لحدّ ما وذلك باستخدام الفنادق الشعبية. تتراوح الكثافة السكانية ما بين ٨ و-١٤ نسمة لكل كيلومتر مربع في المتوسط و٢ نسمة لكل كيلومتر مربع في الشمال. نسبة نزوح الفنلنديين إلى خارج بلادهم عالية جدا وأكبر الجاليات الفنلندية تعيش في السويد وأمريكا وكندا وأستراليا.
ت. معاملة موضوعية وحسنة في قسم الجمارك.
ث. أشكال العملة الفنلندية وألوانها زاهية ومبهجة ومن الملفت للنظر توفر مصارف آلية أي ماكينات لاستبدال العملة تلقائيا
جـ. تتراوح أسعار الغرف في الفنادق في هلسنكي خلال الصيف ما بين ٦٠-٤٠٠ دولار لليلة الواحدة.
ح. إحترام إشارات المرور من قِبل السائقين والمشاة على حدّ سواء يكاد يكون نهجا مقدّسا.
خ. يتصف الشعبُ الفنلندي بحسن الضيافة والأدب والودّ ولديه قابلية للتعرف على الأجانب لا نظيرَ لها في سائر دول الشمال. ومعظم الفنلنديين يتكلم اللغة الإنجليزية.
د. لا وجودَ للعتّالين في الفنادق.
ذ. المياه في دول شمال أوروبا من أنقى المياه في العالم.
ر. يبدأ الليل في هلسنكي في شهر حزيران-يونيو بعد الساعة الحادية عشرة مساء.
ز. تعتني المرأة الفنلندية بنظافة ملابسها ولكن قلّما تهتمّ بأناقتها كالمرأة الشرقية مثلا التي تنفق ربما نصفَ دخلها على ذلك. تمتاز الفنلنديات برشاقتهن “بعكس البراميل البشرية المتدحرجة في الشوارع العربية التي تثير في النفس الإشفاق (إن لم يكن أكثر) وهذا نابع بلا شك من إهمال الرياضة بكافة أنواعها وخاصة الفردية منها حيث الرياضة عندنا فقط هي كرة القدم، بضع عشرات يمارسونها والسواد الأعظم يصفق ربما هاتفا أو نائحا!”.
س.ش. قلّما يضحك الفنلنديون!!!
ص. حرية العقيدة والعبادة حق مقدّس للجميع وفق القانون منذ عام ١٩٢٣.
ض. هناك حاجة في الحصول على رخصة لصيد السمك من مكتب البريد قيمتها حوالي سبعة دولارات. وطريقة الصيد في فصل الشتاء غريبة عجيبة، يقوم صيّاد السمك بصنع ثقب في بقعة ما على سطح البحيرة الجليدي بواسطة مثقب يدوي حتى يصل إلى مستوى الماء ثم يُلقي بصِنّارته عبرَ هذه الفوّهة وهو جالس على مقعد خشبي منتظراً بصبر “فريسته” ودرجة الحرارة تحت الصفر بكثير أو بقليل. هذا ما يسمّى باللغة الفنلندية باسم (avanto).
ط. الذهب الأخضر أي الغابات هو الثروة القومية لفنلندا أسوة بالذهب الأسود وهو النفط والذهب الأبيض وهو القطن والذهب الزفر وهو السمك في آيسلندا.
ظ. لم يشاهد السيد عبد الرحمن خلال تجواله في ربوع فنلندا شخصين يتشاجران وذلك لأن الخلافات تُحسم بالروية والعقلانية.
ع. الانتماء الوطني بالنسبة للمواطن الفنلندي لا يعني مجرّد بعض الامتيازات بل ذلك يعني المشاركة في تحمل المسؤولية كل في موقعه ووفق قدرته بغيةَ بناء الوطن والذود عن سمعته وحماية البيئة. ويضيف الكاتب “فإن الذي لا تردعه النصيحة يردعه الزجر، والذي لا يردعه الزجر تؤدبه العقوبة، إنه ليس انبهارا بالحضارة الغربية كما يحلو للبعض أن يردد، بل هي -وأيم الله-حسرة وأسى. نعم انها لحسرة أن يكون حال أمتنا التي هي خير أمة أخرجت للناس هكذا”.
غ. غسيل السجاد على ضفاف البحر أو البحيرات عادة فنلندية صميمة.
ف. الإقامة في المصايف الفنلندية يقصد )kesämökkiä) التي يسميها المؤلف باسم “الأكواخ الخشبية” جدّ ممتعة رغم كثرة الحشرات التي تعكّر صفوها.
ق. الأديب الفنلندي إلياس لونروت جمع الكاليڤلا، ملحمة الشعب الفنلندي ونشرها للمرة الأولى عام ١٨٣٥. والقصة الفنلندية الأولى التي نشرت كانت بقلم الكاتب الشهير أليكسس كيڤي عام ١٨٦٠.
ك. للاستشراق الفنلندي أياد بيضاء في مضمار الدراسات العربية والإسلامية. والشعب الفنلندي من الشعوب الأوروبية القليلة التي لم تستعمر او تستعبد شعوبا أخرى، بل إن حرية الاعتقاد والفكر والسلام مترسخة فيه. وهناك جمعية فنلندية للدراسات الشرقية يقصد )Suomen itämainen seura) تأسست عام ١٩١٧ وتقوم بإصدار مجلة علمية سنوية. وهناك جمعية الصداقة الفنلندية العربية التي أنشأها الأستاذ أرماس سالونن عام ١٩٦٣.
ل. يميل السيد عبد الرحمن المحمود إلى الاعتقاد بأن فنلندا بلد نموذجي لنشر الدعوة الإسلامية فيها إذا ما توفّر الدعاة الضليعون بتقاليد البلاد.
م. في شمال فنلندا وفي روڤانيمي على وجه التحديد قرية باسم قرية بابا نويل، تلك الشخصية الخرافية ذات الزي الأحمر واللحية البيضاء الطويلة الكثة والقلنسوة الحمراء.
ن. “الرجل الاسكندنافي عموما ضعيف متردد يفتقد المبادرة والإقدام، ليس كالرجل الشرقي الذي يهتم بالمرأة ويغار عليها ويغمرها بالعطف والمودة و…” هذا الرجل لا يأمن زوجته والمرأة لا تأمن زوجها. هناك تفكك أسري واجتماعي وإدمان على المشروبات الكحولية يؤدّي إلى الاكتئاب والوحدة القاتلة ومن ثمّ إلى الانتحار. وتعتبر نسبة الانتحار في فنلندا من أعلى النسب في العالم لا سيما في صفوف الشباب.
أخيرا أيها القرّاء الاعزاء، الرجاء مقارنة ما ورد أعلاه من أمور في المجتمع الفنلندي بما نحن فيه اليوم في مجتمعنا واستخلاص ما هو ايجابي وتطبيقه لأن التلاقح الحضاري في عصرنا الانترنيتي لا بد منه بشرط أخذ المفيد المناسب وترك ما لا تحمد عقباه، وبذا نستفيد ونفيد!