كلِمَة ُ حقٍّ في الأستاذ ِ ” أمين أبو جنب “في الذكرى السَّنويَّة لوفاتهِ

فضاءات عربية (:::)
بقلم : حاتم جوعيه – فلسطين المحتلة (:::)
مقدِّمة ٌ  :  رحلَ    عنا   قبلَ    سنوات ٍ  الأستاذ ُ  المُربِّي والشَّاعرُ  الأديبُ   والفنانُ   التشكيلي    المُبدعُ     المرحومُ    أمين  أبو  جنب   ” أبو البهاء ”    .      لقد  كانَ  لرحيلهِ  ، إثرَ داءٍ عُضال ٍ  ألمَّ   بهِ  لم يمهلهُ طويلا ً ، وَقعٌ  أليمٌ على أصدقائهِ وَمعارفهِ  وأقربائِهِ  وَذويهِ  ،  وَخسارة ٌ كبرى  للمجتمع ِ ولكلِّ  المُثقفين ومُحِبِّي الأدبِ والشِّعر ِ وَلِكلِّ  إنسان ٍ مبدئيٍّ وشَريفٍ وَنظيفٍ في قريتهِ  .    وَمهما  حاولتُ  ، بدوري ،الكتابة َ عن أستاذي  ومُعلمي وصديقي الحميم ِ المرحوم مُرَبِّي الأجيال ِ وصانع  الرجال  تبقى الكلماتُ عاجزَة ً عن ِ التعبير ِ والبلاغة  ُ  قاصرة ً  مُخفِقة ً    في  إعطائهِ  حقه ُ وما   يستحِقهُ  من مكانةٍ إجتماعيَّةٍ ومنزلةٍ أدبيَّةٍ وإبداعيَّةٍ  … وأقولها  ويا… يا  للأسفِ  إنَّ  شبحَ الموتِ  دائمًا  يتركُ الأشرارَ  ويختارُ   في مُجتمعنا  خيرة َ الأصدقاءِ وأوفى  الأوفياء وأشرفَ الشُّرفاء ،  الذينَ يتركونَ بموتِهِم  فراغًا وتصَدُّعًا كبيرًا في البنيان ِ والنسيج ِ الإجتماعي لأجل ِ دورهِم الرَّائدِ  والإيجابي والبناء الذي كانوا  يُمارسونهُ   .
مدخل : –       الأستاذ ُ الشَّاعرُ الأديبُ  والفنَّانُ  التشكيلي المرحوم ” أمين أبو جنب ”  من  سكان  قريةِ   ” المغار ”  الجليليَّةِ  ،  كتبَ الشِّعرَ والنثرَ الأدبي على أنواعهِ المُتعدِّدةِ  والدراسات منذ  أكثر من   ( 45  سنة )  ،  وقد   نشَرَ العديدَ  من  قصائدهِ  في بعض ِ الصُّحفِ والمجلاتِ المحليَّةِ  ،  ولكنهُ  وللأسفِ لم يطبعْ  أيَّ ديوان ٍ شعريٍّ ، في حياتهِ  ، رغم الإنتاج ِ الكبير المتراكم لديهِ  من القصائدِ الشَّعريَّةِ في مختلفِ المواضيع ِوالمناسباتِ ، والدراساتِ والمقالاتِ النثريَّةِ .
وكانَ  المرحومُ ، بدورهِ ، يُعطيني  بعضَ القصائد التي  يريدُ نشرَها  فأنشُرُها  لهُ  في الصُّحفِ  والمجلاتِ التي أنا في علاقة ٍ جيِّدة ٍ معها أو أعملُ مُحَرِّرًا فيها … وخاصَّة ً مجلة   “عبير”  المقدسيَّة   ومجلة ” الشُّعاع ”  وصحيفة  ” الراية ”   سابقا ً… وغيرها ..إلخ   .
إن  شاعرَنا   المرحومَ  كان  لا  يسعى  وراءَ   الشُّهرة ِ والإنتشار ِ وتركيز ِالأضواءِ ، فهوَ إنسانٌ مُتواضعٌ جدًّا ومُترَعٌ  قلبُهُ بالإيمان ِ والنقاءِ  والطيبةِ  والبراءةِ …   عملَ  لمدَّةِ   ( 38 )   عامًا تقريبًا في مهنةِ  التدريس ِ وخرجَ  للتقاعدِ  قبلَ وفاتهِ  بفترة ٍ قصيرةٍ  فهوَ مُرَبِّي أجيال ٍ بجدارةٍ  ومعروفٌ  في  قريتهِ  ” المغار”  والقرى المجاورةِ   بالإنسان ِ المثالي   المُستقيم ِ والقدوة  والنموذج   للأستاذِ  الذي  يُعَلِّمُ  بكفاءَةٍ  وَبنزاهةٍ  وإخلاص ٍ ،   والكثيرون  من  تلاميذه ِ اليوم  هم :  أطباء ، مُحامون  ومهندسون ، أساتذة  ، شعراء وكتاب …إلخ .    وأنا بدوري كنتُ أحدَ  تلاميذهِ   .  ورغمَ  كفاءاتِ  أستاذنا المرحوم  وقدرتهِ  ومُؤهِّلاتهِ  العلميَّةِ  وإخلاصِهِ  وتضحيتهِ  وتفانيهِ لأجل ِ رسالة ِ التعليم التي كرَّسَ كلَّ  حياتهِ لأجلها  لم  يأخُذ ْ ويتبّؤَّأ ْ  مركزًا ووظيفة ً عالية ً هوَ أهلٌ  لها  وبقيَ طيلة َ حياتهِ مُدَرَّسًا  فقط   ولم  يُعَيَّنْ  مُديرًا أو مُفتشًا  ، وذلكَ لكونهِ إنسانا ً نظيفا ً وشريفا ً وذا حِسٍّ وَطنيٍّ  صادق ٍ …   وكما  هو معروف  للجميع ِ في هذهِ البلادِ  أن  كلَّ عربيٍّ  يُريدُ  أن  يتقدَّمَ  ويأخذ َ المراكزَ  والوظائفَ  العالية َ  يجبُ أن يتنازلَ عن المبادىء والقيم ِ والمُثل ِ  ويبيعَ ضميرَهُ وشَرفهُ  وإذا لم يفعلْ  ذلك  يبقى مكانهُ  حتى لو كانت بحوزتِهِ  كل الشهادات  والكفاءات ِ  والمُؤَهِّلات ،   وأكبرُ  مثال ٍ على  ذلك  أنا  كاتب  هذهِ الكلمات   ( حاتم جوعيه  )   فالجميعُ   يعرفون    مُستوى   كتاباتي الشعريَّة والنثريَّة   والصَّحفيَّة ،  والكثيرون  يعتبرونني  من  أوائل ِ الشُّعراءِ والكتابِ المحليِّين ( في الدَّاخل ) وعلى امتداد العالم العربي    ، ويوجدُ  بحوزتي  العديد  من الشَّهادات  الأكاديميَّة …  ولكنني  لم  أتبوَّأ  وظيفة ً عالية ً حتى  الآن    (( حكوميَّة  ” سلطويَّة ”   أو  في  المؤسَّسات    والأطر   والمكاتب    ووسائل    الإعلام    المشبوهة والمأجورة  والصفراء  والعميلة    المُسيَّرة   والمُوجَّهة   من   قبل ِ السُّلطةِ   ))     وذلك    لأجل ِ  نقائي   ونظافتي  ومبادئي المُلتزمة وانتمائي الوطني  ولانني لا  أقبل أن  أبيعَ  ضميري  ( ” وسَبقَ لي قبل سنوات   أنني  قدَّمتُ  للعمل في  إذاعة ٍ جديدة ٍ  مستقلةٍ  –  كما ذكروا  في  إعلاناتهم  –   كانت    ستفتتحُ  قريبا  وكنتُ  أنا  الوحيد  من  بين    المتقدمين  الذي  درسَ  موضوعَ     الصَّحافة   والإعلام والمتمكن والضليع   باللغة ِ العربيَّةِ  وواسع الإطلاع  ولديه  الثقافة ِ الواسعة  في  جميع  المجالات…  وعدا هذا  أتمتعُ  وأتحلى  بأجمل ِ صوتٍ  إذاعيِّ وبمظهر ٍ وبجمال ٍ خارجيٍّ ووسامةٍ أصلحُ  أن أكونَ نجمًا سينمائيًّا عالميًّا  وليسَ فقط مذيعًا ومقدِّمَ برامج في التلفزيون أو  في  مثل ِ هذه  الإذاعاتِ  الصفراء   والمأجورةِ  حيثُ    توجدُ  لديَّ  كلُّ  المُؤَهِّلا  والكفاءات ( بشهادةِ الجميع ِ ) ..  وقد  عيَّنوُا   موعدا ً لإجراءِ  لقاءٍ   كامتحان ِ  قبول ٍ  لجميع   الذين  قدَّمُوا  لأجل ِالعمل ِ  بهذهِ الإذاعةِ  ، ولكن  قبل  موعد اللقاء  بيوم ٍ اتصلوا  بي    تليفونيًّا  وذكروا لي أنهم  أجَّلوُا  اللقاءَ   معي  ولم  يذكروا  لي  متى سيكون  تاريخُ  اللقاء  القادم   ولم   يتصلوا   بي   بعدها   إطلاقا ً  …  وبعد  عدَّة  أيَّام افتتحت هذه  الأذاعة ُ  واتضحَ  انَّ  الكثيرين  من  العاملين  فيها  لا يعرفون المبتدأ من الخبر والفاعل من المفعول به ، وخاصة ً  الذين   يُقدِّمون   نشرات    الأخبار  باللغة ِ  العربيَّة ِ   الفصحى …      وأما البرامج التي تقدَّمها هذه الإذاعة  ُ فهي سخيفة  جدًّا  ومستواها   دون الحضيض  ” ))     .
لقد كان شاعرُنا المرحوم يروي لي دائما قصَّة ً جرت معه قبل أكثر من 45 عاما  وذلك بعد  أن أنهى دراسته وأرادَ  أن  يعمل َ في مهنة ِ  التعليم  ( التدريس )  فحدثَ   أن   وشىَ  ( فسَدَ )  عليهِ  أحدُ الأشخاص  وشاية ً كاذبة ً  أنه ُ  كانَ  يقرأ  صحيفة َ   ” الإتحاد ” – جريدة الحزب   الشُّيوعي –  غير المرضي عليها من  قبل  السلطة ِ  آنذاك  وقد أجِّل َ توظيفهُ  وتعيينه ُ مُدَرِّسًا في المعارف سنتين ظلمًا  وافتراءً..          وأريدُ  الإشارة  أيضًا  إن الأستاذ المرحوم  ” أمين أبو جنب ”   كان  مبدعا  في  مجال  الفن  التشكيلي  ( الرسم )  وله الكثير من اللوحات الراقيه والجميلة ، ولكنه  لم يشترك طيلة َ حياتهِ في أيِّ معرض ٍ بالرغم ِ من  كونه  ساعدَ ودعمَ  الكثيرين من هُواة ِ الرَّسم ِ في   قريتِهِ   الذين  سُرعان  ما   اشتهروا  وحققوا   انتشارًا واسعًا  واشتركوا   في  العديد  من    المعارض  الفنيَّة ِ  في   القريةِ وخارجها … وهو  بقي مكانه من ناحية ِ الشُّهرةِ والإنتشار ِ رغم أن  مستواهُ  في  الفن التشكيلي  يفوقهُم   بكثير   .     وشاعرُنا   وفقيدُنا  أيضًا كان  يُحبُّ الموسيقى ويُتقِنُ العزفَ بشكل ٍ جيِّدٍ ،وخاصَّة ً على آلة ِ العود  ، فهو فنانٌ  بكلِّ  معنى الكلمة ِ دخلَ عالم  الفن من جميع ِ أبوابهِ   وعندهُ   رَهافة ُ  الحسِّ   والذوق   الفني  السَّليم   والموهبة ُ الفطريَّة المتوقدة المبدعة ، ولكنه كما ذكرتُ كانَ يحترمُ نفسَهُ كثيرًا ولا  يسعى ويركضُ  وراءَ  الشُّهرة ِ  ،     كما   أن  وسائل الإعلام والجهات  المسؤولة  ، محليًّا  ،   لم   ُتقدِّرْ  مكانته   ومنزلته   الفنيَّة  والأدبيَّة  ،  كما  يجب ،   ولم  تسعَ   وتعملْ  لأجل   ِتغطية ِ أخبارهِ ونشاطاتهِ الفنيَّة  والكتابيَّةِ  أو  نشر انتاجه الذي  يستحقُّ كلَّ  احترام  وتقدير ٍ  واهتمام  (  شعرًا ونثرًا )   .  وهنالك بعضُ الجهات ، في قريته ،  حاولت  بشكل ٍ  جبان ٍ وحقير ٍ التشويشَ  والتخريبَ   عليه وعرقلة  مسيرته الإبداعيَّة  .    وكان المرحومُ دائمًا  يُسِرُّ  لي بذلك  لأنني  كنتُ  من  أعَزِّ  أصدقائهِ  ولا  يخفي  عني   شيئا ً  .
شعرُهُ  : –          في  مجال ِ الشعر ِ كتب   شاعرُنا   المرحوم   في جميع ِ  المواضيع   والقضايا  :   السياسيَّة   والوطنيَّة   ،  الثقافيَّة  ، الغزليّة ،   الإجتماعيَّة  ، الفلسفيَّة  والإنسانيَّة …  وفي الرِّثاء  أيضًا … وقد  أبدع َ في  جميع  المواضيع  والمجالات  .      ومن الناحية ِ الشكليَّة ِ شعرُهُ  يخضعُ  لقيودِ الوزن  وهو  يكتبُ الشِّعرَ الكلاسيكي  ( التقليدي الموزون  )    وشعر  التفعيلة  (  الموزون )     ،   وهو متمكنٌ   ومتمرِّسٌ  في  الأوزان  (  البحور الشِّعريَّة )   وفي  اللغةِ العربيَّة ِ ومُطلعٌ  على الأدبِ   العربي  جميعهُ  –  القديم والحديث – وعلى الأدب العبري  والأجنبي أيضًا  ، ويمتلكُ ثقافة ً واسعة ً جدًّا وإلمامًا   في   معظم ِ المواضيع ِ   والمجالاتِ    الأخرى  .     ومن  قصائدهِ  الجميلةِ   قصيدة   في  رثاء  الفنان  والموسيقار    الراحل       ”  فريد الاطرش ”    ( نشرَهَا سابقا ً  في عدَّة ِ جرائد  محليَّة  )   ،  وهي قصيدة ٌ كلاسيكيَّة  ،  وقصيدة ٌ أخرى رائعة كتبها عن السَّلام كنتُ قد  نشرتها  لهُ   في  مجلة   ” عبير ”  المقدسيَّة .   وشاعرنا   المرحوم    في الكثير من  قصائدِهِ  عملَ  على  توظيف  التراث   الشّعبي   المَوْرُوث   والمُتناقل   وإدخالهِ     بشكل ٍ   فني   تلقائيٍّ     وذكيٍّ   ( القصص الشَّعبيَّة  )  …      وقد  أبدعَ   كثيرًا  في  هذا المضمار .    وأريدُ  أن  أذكرَ  وأنوِّهَ   أن  شاعرَنا    كانَ  أستاذا ً للغة ِ الإنجليزيَّة ِ في المدرسة ِ وَمتبحِّرًا في هذه اللغة ِ وآدابها بشكل ٍ واسع ٍ … وقد تأثَّرَ  ببعض ِ الشُّعراءِ  والكتاب  الأجانبِ   والعالميِّن    ونجدُ هذا  التأثرَ  في  كتاباتهِ  الشِّعريَّة ِ    ،  وخاصَّة ً  في  قصائدهِ التفعيليَّة ِ وكيفيّة  بنائِهَا وشكلها  وأسلوبها  وتوزيع المقاطع  فيها  .   ويظهرُ بوضوح ٍ التجديدُ  والإبتكارُ والحداثة ُ في شعرهِ  ،  وشعرُهُ جميعهُ   غنيٌّ  وحافلٌ    بالصُّور ِ   الشِّعريَّة ِ  الجميلةِ   وبالتعابير ِ والإستعاراتِ   البلاغيَّةِ   الحديثةِ   بما  يتلاءَمُ  مع   ركبِ  التطوُّر ِ والحداثةِ في الشِّعر ِ العربي الحديث .   وكما أنهُ  كتبَ الشِّعرَ باللغةِ الإنجليزيَّةِ  ولهُ   الكثيرُ من  القصائد في هذا  الصَّدَدِ  لم  تنشرْ حتى الآن  .        وأما  قصيدتهُ  في  موضوع ِ  ” السَّلام ِ ”   فهي  قمَّة ٌ  في الرَّوعةِ والمستوى الإبداعي شكلا ً ومضمونا ً ،   لغة ً  وأسلوبًا  وبُعْدًا  ثقافيًّا وفكريًّا وإنسانيًّا وفلسفيًّا  وفنيًّا   وتجديدًا  …  وهي على وزن ِ  ( الرَّمل )  … يقولُ فيها   : –
( ” إنتظرناكَ   طويلا ً  //   مثلما ترقبُ الأعشابُ والأزهارُ عطشى …. //
//  قطرَ أهدابِ   الغمامْ … //
//   يا   سلامْ   !  //  يا وَسيط َ السّبْحةِ  الكبرى //    لإسم ِ اللهِ   تترى   //
بينَ  تسعين  وتسع ٍ //  تسكنُ الأنفسُ في ذكراكَ سكرى // دون خمر ٍ   //
//  بل  بصهباءٍ  تسامَتْ  //   في  مَعاريج ِ  الهيامْ   !  //
ايُّها  الطفلُ  الذي ما  كانَ  نطفهْ   //     جئتَ    صدفهْ  !   //
//   أيُّ  أمر ٍ طافَ  في عرشِ السَّماواتِ  العلى  //      كي    نراكْ   //
//  تملأ  ُ الدنيا هدوءًا وارتياحًا وسكينهْ  //  وعلى دربِ المُعاناةِ  الدَّفينهْ //
ويقولُ  فيها  أيضًا  : ( ” إنتظرناكَ  طويلا ً // عبرَ أناتِ الأراملْ ! //
// واليتامى والثكالى  والحواملْ ! //
//   أيُّها  الحلمُ  الذي راوَدَ  أنفاسَ الخلودْ  //   مرَّة ً أخرى تعودْ   //
تنثرُ الحبَّ على شرقي … // على أرضي … // على قبر ِ الجدودْ ! //  ” )  … إلخ …
–  وأخيرًا  وليسَ  آخرًا    : –     إن   رحيلَ   الشَّاعر ِ  والأديبِ   المبدع ِ   ”   أمين  أبو  جنب   ” (  أبو البهاء  )  هو خسارة ٌ  كبيرة  للثقافة ِ والأدبِ   ولجميع ِ الناس ِ الشُّرفاءِ الأنقياء  في زمن ٍعَزَّ فيهِ الضميرُ وماتت المبادىءُ  والقيمُ   وأصبحتِ    الماديَّاتُ     هي  الطابعَ    والهاجسَ   المهيمنَ   على عقول ِ وأفئدةِ الكثيرين من اليشر ِ.. فبموتِ  أبي البهاءِ تفقدُ الحركة ُ الأدبيَّة ُ
والثقافيَّة ُ  المحليَّة ُ عَلمًا من أعلامها  وَرُكنا ً من  أركانِهَا   المُهمِّين الذين  ساهَمُوا  في تطوير ِ ودعم ِ مسيرةِ الحركة ِ الأدبيَّةِ  والشِّعريَّةِ المحليَّةِ  .     ولإنْ  كانَ  قد  تركنا  وفارقنا  جسدًا  فهو  حيٌّ  دائمًا   بيننا   لا  يغيبُ  عن  ضمائرنا  ووجداننا .  فمَنْ  تركَ  مثلهُ  مناقبَ  حميدة ً وصيتا ً  ُمشرِّفا ً  ونتاجا ً فكريًّا وأدبيًّا  إبداعيًّا  سيبقى ذكرُهُ خالدًا    مدى  الأيام ِ  الدُّهور ِ .      ونأملُ   من   الجهاتِ   الثقافيَّةِ المسؤولةِ  أن  تهتمَّ  بتراثهِ  ونتاجهِ  الكتابي  (  الشِّعري والنثري  )   وتجمعَهُ  وتطبعَهُ   (  وهو  كثيرٌ جدًّا  )    ليتسنى  للكتابِ    والنقادِ دراسة  شعرهِ  القيِّم  والكتابة  عنهُ  ..  ويتسَنى  أيضًا  لجميع ِ  أبناءِ شعبنا ومُحبِّي   الشعر ِ  والأدبِ  قراءَة َ  شعرهِ   والإستفادة  منه  :  فنيًّا وفكريًّا  وثقافيًّا  وتربويًّا    .                                                                                                         –   رحمة ُ  اللهِ  عليكَ     يا   ”  أبا  البهاء ِ ”    يا  أستاذي  ومُعَلمي وصديقي الحميم … يا  من وََهَبْتَ حياتكَ  للعلم ِ والهدى والعطاء ِ  ،  نابذا ً  الضغينة َ والتعصُّبَ  الطائفي  والشِّقاقَ    ،   داعِيًا   للتعاضدِ والتآخي  والمحبَّة ِ  بين  الجميع ِ  ….    فطوُبَى  للبلدِ   التي  أنجَبَتْ  أمثالكَ   دُعاة َ  محبَّة ٍ وتسامح ٍ  وسلام ….  وطوُبَى   للأرض ِ التي   احتضنتْ   جَسَدَكَ   الطاهرَ  ….   وطوُبَى   لكَ    يا   َمنْ   أعمالكَ   الخيِّرة ُ  الفاضلة  ُ وإيمانكَ  العظيم   وطريقكَ   القويم   همُ  الشُّهودُ  لكَ  يوم   الدَّينونة ِ  والحساب  …  يا   َمنْ  منزلهُ  ومقامُهُ   فردوسُ  الجنان ِ في  ملكوتِ  اللهِ   السَّرمديِّ  . ففي أمثالكَ الرجال  المؤمنين   الشُّرفاء   والأنقياء   الطاهرين   الودعاء   قالَ   رسولُ   السَّلام ِ ”  السَّيِّدُ   المسيحُ   ” –  عليه   السَّلام   :  ” طوُبَى  للودعاء  ، لأنهُم  يرثون   الأرض ” . ”  طوُبَى للأنقياء ِ القلبِ لأنهم  يعاينونَ الله ” ،  “طوُبَى  لصانعي  السَّلام  لأنهم  أبناءَ   اللهِ  يُدعون  ”   .                                                             (   بقلم  :  حاتم  جوعيه –  المغار –  الجليل  )