انتفاضة الأقصى..انطلاقة مارد، وانفجار بركان

فلسطين (:::)
طلال قديح* – السعودية (:::)
صبر الفلسطينيون حتى ضاق الصبر عن صبرهم، ويئسوا من كل الوعود، التي لم تكن إلا سرابا خداعا، فقد انتظروا طويلا طويلا، لكن لم يتحقق شيء أبدا بل ازدادت الأمور تعقيدا ومعها يزداد الشهداء والجرحى والأسرى، وتتفاقم الأمور إلى الحد الذي لا يحتمله عاقل، ولا يصبرعليه إلا جبان فقد الإرادة وأضاع الأمل.
ولما كانت هذه هي الحال، انفجر بركان الغضب، وخرج المارد الفلسطيني من قمقمه في انتفاضة شعبية عارمة تجاوزت المألوف ، وتحدت الجيش المدجج بكل أنواع الأسلحة حتى المحرمة دوليا.
خرج الأطفال والنساء مسلحين بالحجارة والسكاكين ، مقسمين بالله على بلوغ النصر وتطهير الأقصى والمقدسات وتحرير الأرض من الغزاة، مهما كان الثمن.
إن الجرأة والشجاعة التي يتحلى بها المنتفضون أذهلت العالم كله ، وأحيت القضية لتعود للواجهة فتستأتر بالاهتمام العالمي وتتصدر الإعلام  رغما عن كل المتقاعسين والمتحالفين.
أثبت الشعب الفلسطيني أنه ما زال قادرا- ولو وحيدا- على منازلة المحتل الغادر، غير عابئ ببطشه وترسانته المسلحة، فمهما يكن فهو على باطل، ومهزوم لا محالة.
إن حب الفلسطيني لوطنه وحرصه على مقدساته وإيمانه بحتمية النصر دفعه إلى تقديم تضحيات جسام، يتسابق فيها الأبناء والآباء والأمهات في ملحمة بطولية عملاقة.
ولعل ما تطالعنا به وسائل الإعلام من أخبارمصورة، وهي غيض من فيض، يكشف زيف العدو ويوضح حقيقة إجرامه بتنكره لكل العهود والمواثيق .. لكن إسرائيل ومعها حلفاؤها من الغرب الظالم وعلى رأسهم أمريكا، لا يصدقون إلا ما تريد ، ولا يقتنعون إلا بما تقول. وهذا ما يؤجج النارويضاعف المأساة. لا يرون إلا بعين إسرائيل ولا ينطقون إلا بلسانها، وهذه هي الطامة الكبرى. وعليه فلا ننتظر من الأمم المتحدة خيراً، فقد يئسنا منها على مدار سبعين عاما وهي التي أوجدت إسرائيل في مايو 1948م.
إنها تكيل بمكيالين، الأول يسوّغ لإسرائيل كل جرائمها وحروبها، والآخر يدين ويعارض كل حق فلسطيني في العودة أو الكفاح المشروع. وهذا ما يعطي الغاصب المبرر للتمادي في طغيانه دونما  اعتبار لأحد.
إن المذابح التي تقترفها إسرائيل بحق الأطفال الأبرياء، وصمة عار في جبين مدعي الديموقراطية، والمدافعين عن حقوق الإنسان.. وكأن الفلسطينيين ليسوا بشراً. وزد على ذلك أنها تمنع فرق الإسعاف من نقل المصابين، وتتركهم تنزف دماؤهم حتى الموت.
أما إذا جرح إسرائيلي معتد فالدنيا تقوم ولا تقعد، وتتوالى الاستنكارات والإدانات، ويجند الإعلام الغربي كل إمكاناته لينقل للعالم صورة مشوهة تدلل على إرهاب الفلسطينيين وبراءة الإسرائيليين. إنه يرى الأمور من خلال مصالحه ليس إلا.. قاعدة لا يحيد عنها أبدا.
انتفاضة الأقصى هي الثالثة، والثالثة ثابتة- لن تتخاذل ولن تتقاعس بل ستتواصل انطلاقتها بلا خوف أو وجل، وهذا ما يؤكده التسابق في منازلة العدو بجرأة وتحدٍّ أذهلته إلى حد الهروب من المواجهة والتمترس حول آلياته ودباباته.
ووالله لو وجد المنتفضون العون ماديا وإعلاميا من العرب والمسلمين وأحرار العالم، لكانت الانتفاضة قد بلغت غايتها، وأجبرت إسرائيل على الانسحاب من الأراضي المحتلة وعدم التعرض للقدس والأقصى.. ليتهم يفيقون قبل فوات الأوان.. ليت، وهل ينفع شيئا ليت؟؟..إن ليتاً وإن لواً عناء..؟؟
*كاتب ومفكر عربي
25/10/2015م