تعلمت ألا أجادل وبحدّة

فن وثقافة (:::)
بقلم : بروفيسور فاروق مواسي – فلسطين المحتلة (:::)
لا أجادل اليميني المتطرف من هو على قناعة لا يتزحزح قِـيد أنملة، يدور في الحلْقة نفسها، ويسأل الأسئلة عينها، ولا يتقبل لك أي رأي.

لا أجادل المتزمت من أية طائفة أو عقيدة أو رأي سياسي، فالجدال هنا يجر إلى  صراخ، وقد ينتهي بعداء في غنى عنه.

لا أجادل من يضع الماضي بكلّيته أساسًا لينطلق منه، وينسى أننا نعيش عصرًا آخر، وثقافتنا هي أخرى، وكل يوم نحن في شأن.
..
لا أجادل المدعي الذي يطلع علينا كل يوم بفلسفة جديدة يخرجها من تحت إبطه، ولا يلجأ إلى مصدر أو ثقافة أو متابعة علمية، حتى بلغ بأحدهم القول:
” تقولون قال المعري وقال هيجل وقال طه حسين، فلماذا لا تقولون قال فلان (وذكر اسمه)”.

لا أجادل من ليس منفتحًا لتقبل الرأي الآخر، بل يحادّك، ولا يسمعك، بل يسمع نفسه، ويهيئ لك الرد قبل أن  تبدأ بجملتك.

هناك من  لا يهمه في الجدال  ماذا يقال، بل يهمه أولاً من الذي يقول، فيخاطبه تبعًا لمكانته الاجتماعية!!!
هل أبحث عن التعب ووجع الرأس؟
..
سألني أحدهم مسألة لغوية، فإذا به يجادل بحدة دون دراية، فقلت له:
يا عزيزي: هل أنت تسأل، أم تناكف؟
أمامنا المصادر -يا رعاك الله- فأرح أعصابي!
يقول الأديب أمين نخلة: “ما رأيت شيئًا ككثرة الجدل يحبط الأمل ويهلك العمل.”
ويقول ميخائيل نعيمة: كثير المعرفة قليل الجدال، وكثير الجدال قليل المعرفة”.

*لاحظ أن معنى الجدال فيه خصومة ما أو على الأقل  يحمل معنى غير حيادي (كالنقاش أو الحوار)، فقال تعالى: “ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن”-العنكبوت، 46.، “وكان الإنسان أكثر شيء جدلا” (الكهف 54)، “قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا” (هود 32).
يقول الأب هنريكوس لامنس اليسوعي في كتابه “فرائد اللغة في الفروق” إن (الجدل ) عند المنطقيين هو دفع المرء خصمه عن فساد بقوله بحجة أو بشبهة، ولا يكون (الجدل) إلا بمنازعة غيره) – ص 414.