قراءة نقدية في رواية ربا قنديل”إزدواجية الزمن” في شومان..

اصدارات ونقد (:::)
بقلم : بكر السباتين * (:::)
رواية “ازدواجية الزمن” هي باكورة أعمال الكاتبة ربا قنديل.. التي اجتهدت فيها لتقدمَ رؤيتها الجادة في السلوك المزدوج إزاء التحديات التي يفرضها المجتمع ألذكوري..
وقد حمّلت الزمن أعباء هذه الازدواجية ما دعاها لإطلاق هذا الاسم عليها..
ملخص الرواية( مجرى النهر)
لورين فتاة مثقفة وجميلة، تحب الشاب القلق سهيل الذي يحمل في رأسه أعباء ذاكرة أسرية معذبة بفعل التهميش والحرمان.. ويعمل في فندق يوناني عائم بأثينا.. يتزوجان. وأثناء حمل لورين منه؛ تكتشف عن طريق الصدفة بأن سهيل عميل مزدوج يعمل لصالح المخابرات الأردنية واليونانية.. فتعاني من ازدواجية الحب له مقابل مبادئها الرافضة لسلوكه.. فتختار طريقاً شاقاً في حياتها تتمكن من خلاله تخليص زوجها سهيل، من عمالته التي اختارها كرد فعل انتقامي من المجتمع الذي نبذه، جرّاء ما كان يعانيه من تراكمات نفسية واجتماعية.. وتنجب لورين له طفلاً بعد أن استقال من جهاز المخابرات، وتعرضه بالتالي لمحاولة اغتيال من خلال حادث سير مدبر.. ثم يعودان معاً بطفلهما للاستقرار في الأردن.. لكن سيطرة الذاكرة المعذبة لسهيل دعته للهجرة بأسرته هذه المرة إلى السويد.. ويحاول في سياق ذلك تعويض ابنه بالحنان الذي افتقده في طفولته.. ولولا استغلال لورين أوقات فراغها بكتابة روايتها الأولى لأدخلت أسرتها الصغيرة في أزمة جديدة. هذا هو المجرى الرئيس للأحداث.
تحليل النص
في هذه الرواية المتماسكة تستحوذ بطلة الرواية لورين على معطيات التغيير لتقررَ خيارَها الذي يتناسب وتطلعاتها لمستقبل لا غبن فيه. فهي ترفض الغرف المقفلة التي لا هواء فيها خشية الاختناق في مجتمع يأنف تمردها ويحصنها بالقيود بذريعة الأعراف والتقاليد.. وخاصة ما يتعلق بالعلاقة الزوجية القائمة على الحب الصادق..
فهل نجحت ربا قنديل في بناء مشروعها الأدبي وفق تقنيات الرواية وشروطها!
تعرف الرواية على أنها من الأجناس الأدبية ذات البنية السردية النثرية الطويلة.. إذْ يقوم معمارها على فكرة واضحة المعالم تتفاعل بيئياً في نطاق فسيفسائي.. يتقدم بها الزمن من خلال الصراعات الموضوعية بين الشخوص، في أمكنة تتقاطع فيها الأحداث، وصولاً إلى الذروة ومن ثم الحل.. وتعتمد الرواية في بنيتها على السرد النثري بما فيه من لغة جميلة وغنية بالصور التي توضح تفاصيل الشكل الداخلي بوصف المعالم المكانية والشخوص والأحداث، والحوار، والصراع بين الشخصيات وما ينطوي على ذلك من تأزم وجدل وخيال معربد، وتغذية للأحداث بمعطيات النهاية ومن ثم الحل ليتوضح الشكل الخارجي الذي يعطي الرواية هويتها الفنية.. فيما لو كانت رومانسية.. واقعية.. سحرية.. تحليلية.. رمزية.
وفي سياق رواية “ازدواجية الزمن” التي تندرج في إطار الرواية الرومانسية التي كتبت بأسلوب تقليدي تضمن بعض ملامح الحداثة في السياق السردي، إذْ يقوم الرّواي العالمُ برصدِ التفاصيل الجوّانية والخارجية، ومن ثم سرد الأحداث، في سياق علاقات الشخوص ببعضهم، ورصد دوامات التغيير المتداعية في إطار الأحداث المتشابكة.. ويغوص هذا الراوي في أعماق الشخصيات الرئيسة ليقفَ على ما يدور من حواراتٍ داخل منطقة الشعور، ومن ثم تركيبها على نتائج الأحداث المتراكمة.. فيذوب الزمن المتراكم مع ينابيع الذاكرةِ؛ ليشقَّ الرّاوي للنهر طريقه المكانية، مرفوداً بالذاكرة الاسترجاعية. متقدما بالأحداث نحو ذروة الشلال.. ومن ثم الانفتاح بالأسئلة على النتائج الموضوعية، حتى تصب الخاتمة في بحر النهاية كي تعانقَ وعيّ المتلقي.. بدون اعتراضها بالسدود.. أو هدر الأحداث في المناطق المفتوحة.. وهذه سلبية وقعت فيها ربا قنديل نسبياً حتى كاد الراوي يتوه عن مجرى النهر في بعض الأحيان.. لكنها كانت تعود به إلى مجرى النص في الوقت المناسب..وقد تجلى ذلك في قيام الراوي، بالإسهاب في سرد تفاصيل الخاتمة.. وكان يمكن للكاتبة اختزالها بعض الشيء، لكنها وثقت لبعض العادات في الأردن في سياق لم يُحدث خللاً في بنية الرواية.
وخلال قراءة النص لم أشعر أيضاً بوجود الكاتبة داخل النص إلا في أحيان قليلة.. فالرواية التي تمتلك حريتها، تحلق عالياً .. منتمية إلى الإنسان وقضاياه العادلة لتمثل في خاتمة المطاف موقف الكاتب الثقافي.
بقي أن نقول بأن رواية ( ازدواجية الزمن) الجميلة تمثل التجربة التأسيسية الناجحة لربا قنديل في طريق الإبداع.. في عالم يتقدم فيه الأديب كلما صقل أدواته الفنية ومجساته الاستكشافية وتثقف معرفياً دون قيود.. ونقول مبروك لربا قنديل هذا المنجز الجميل ..
____________________________________________
* كاتب أردني/ فلسطيني
الرابط:http://www.bakeralsabatean.com/cms/index.php