بين خطة شلايفن وخطة أيزنقوط

دراسات (:::)
تميم منصور – فلسطين المحتلة (:::)
من المفروض أن لا يسببان هذان الاسمان الدهشة لدى القارىء ، فمن المعروف أن ” شلايفن ” كان أحد وزراء الحرب الذين عرفتهم المانيا القيصرية قبل الحرب العالمية الأولى ، اتصف بعنجهيته ورفضه للسلام في اوروبا ، خاصة مع فرنسا ، لأن عقليته عقلية محافظة ، يؤمن بالفكر الاقطاعي وبالقومية الالمانية ، لذلك كان حلمه سحق فرنسا ومعها الدول الأوروبية المجاورة لها ، خاصة بلجيكا وهولندا وغيرها .
من أجل ذلك وضع خطة عسكرية هجومية عدوانية  أودعها في خزائن الحرب الالمانية ، مؤكداً بأنه سوف يتم تنفيذها حتى لو بعد رحيله ، وهذا ما حدث .
لم تكن خطة ” شلايفن ” دفاعية ، بل خطة هجومية عدوانية سيتم تنفيذها عندما تصبح الظروف الدولية مواتية للقضاء على فرنسا وتدميرها ، في حالة نشوب حرب عالمية سوف تقوم الجيوش الالمانية وبدون سابق انذار بالتدفق داخل الأراضي الفرنسية والوصول الى باريس ، ليس من بوابات الحدود المباشرة ، بل عن طريق بلجيكا وبالسرعة الممكنة والالتفاف حول الجيش الفرنسي ووضعه أمام خيارين ، اما الموت او الاستسلام ، كانت هذه المرحلة الأولى للخطة ، أما المرحلة الثانية منها ، فتبدأ بعد استسلام فرنسا ، عندها ترتد القوات الالمانية المعتدية على الجبهة الشرقية ، جبهة روسيا ، فيتم مهاجمتها لإجبارها على الاستسلام ، لكن هذه الخطة فشلت على الجبهتين ، الغربية مع فرنسا ، فقد أجبر الجنرال ” جوفر ” الفرنسي الالمان على العودة و التقهقر من الأراضي الفرنسية والعودة الى الحدود للاحتماء في خنادقهم لتتحول الحرب في هذه الجبهة الى حرب ثابتة وليست متحركة ، وهذا ليس لمصلحة القيادة الالمانية أما على الجبهة الشرقية ، فقد تمكن الالمان من احتلال مساحات شاسعة من الأراضي الخاضعة للسيادة الروسية ، لكنهم فشلوا في اجبار روسيا على الاستسلام ، وكما يقول المثل ” دفعتني نفعتني ” فقد سارع العدوان على روسيا بتفجير الثورة البلشفية التي غيرت خارطة العالم السياسية برئاسة ” لينين ” والحزب الشيوعي الروسي ، كانت خطوة الثوار الأولى عقد اتفاقية لوقف اطلاق النار مع الالمان ، ضمن اتفاقية عرفت باسم ” بريست- ليتوفسك ” مع أن شروط الاتفاقية كانت قاسية ، إلا أنها أنقذت روسيا من الهلاك التام ، لأن لينين أدرك بأن هذه الحرب تخدم مصالح القوى الامبريالية بدلاً من خدمة القوى الكادحة .
اما الطرف الثاني من العنوان فهو الجنرال ” آيزنقوط ” رئيس اركان جيش الاحتلال الاسرائيلي الذي عين حديثاً ، هذا الجنرال جاء متحمساً ، وهو في الحقيقية لا يختلف عن الجنرالات الذين سبقوه في رئاسة الاركان ، عليه تطبيق سياسة الاحتلال وحماية المستوطنين والاستمرار بقتل ما امكن من الفلسطينيين في المناطق المحتلة .
لكن الجنرال ” أيزنقوط ” يعتبر هذه السياسة روتينية ، والالتزام بها لا يرفع من أسهمه داخل المجتمع الاسرائيلي ، فهو يعرف ما هي الاساليب والاعمال التي تزيد من نجوميته العسكرية ونجوميته السياسية ، في الحاضر والمستقبل ، وأنه يفكر بأن طريقه طريق رؤساء الاركان الذين سبقوه ، أمثال موشي ديان ، اسحاق رابين ، أيهود براك ، لقد وصلوا الى أعلى القمم السياسية ، في أجهزة الدولة بفضل جرائمهم والحروب التي خاضوها ، ” ايزنقوط ” يدرك أن ما يرفع نجوميته هو المزيد من التطرف واستخدام سياسة القبضة الحديدية ضد الفلسطينيين ، والتنكر التام للسلام والتعامل مع أوباش المستوطنين بأيادي مغطاة بقفازات مخملية  ، والأهم من ذلك الاستمرار بإطلاق تصريحات نارية من التهديد والوعيد ، خاصة ضد محور المقاومة الذي يضم ايران وسوريا وحزب الله وحركة حماس ، لم يكتف بالتصريحات التي رددها اسلافه من الضباط ، لقد اعتبرها استراتيجية معتدلة ، لأنها تجمع ما بين التهديد بالقوة والسياسة .
” أيزنقوط ” يريد أن يكون ” شلايفن ” اسرائيل الجديد ، أو ” شلايفن ” العصر والسبب أن فكرهما مشترك ، وهو فكر عنصري عدواني توسعي ، لا يفهم سوى لغة الدم أو قتل الضحايا وقهر الشعوب ، هذا هو القاسم المشترك بين الصهيونية وبين كافة النظريات العنصرية التي لا تؤمن الا بقوة الحديد والنار .
من أجل الوصول الى هذه الغاية اعترف ” شلايفن ” اسرائيل ، أي الجنرال ” ايزنقوط ” بأنه وضع استراتيجية أودعها في خزائن وزارة حربه ، فقد اعترف لوسائل الاعلام بأنه أنتهى للتو من وضع خططاً عسكرية وهي بمثابة نظريات عسكرية اسماها استراتيجية جيش اسرائيل ، وهو يرى بأنها الأولى من نوعها في تاريخ العسكرية الاسرائيلية ، فهو يسعى لتخليد أسمه في سجل العسكرية الاسرائيلية .
تعتمد هذه النظرية من وجهة نظر هذا السفاح الجديد القيام بتوجيه ضربات نارية دقيقة وبأسلحة متطورة ضد عشرات آلاف الاهداف ضد ما اسماها الجبهة الشمالية . وتوجيه ضربات أخرى ضد الآف الاهداف في قطاع غزة ، وتعتمد هذه الضربات كما تحدث على سلاح الطيران الذي سوف يتم استخدامه بفاعلية كبيرة ، كما تتضمن هذه النظرية القيام بعمليات انزال جوي وراء خطوط العدو وفي عمق مواقعه ، وورد في هذه الاستراتيجية استخدام الاسلوب ذاته على جبهة الجولان السورية ، خاصة ضد الجيش السوري ، هناك جوانب من هذه الاستراتيجية تعتمد على استخدام قوات النخبة .
تعتمد هذه الخطة أيضاً التي اسماها ” أيزنقوط ” نظريته العسكرية ، اتباع الحرب المتحركة التي تعني الاستغناء عن الاحتفاظ في اراضي ومواقع للعدو ، حتى لا يضطر إقامة خطوط دفاعية مثل خط ” بارليف ” .
القاعدة الاساسية لهذه النظرية تتمشى مع إخلاء المواطنين اليهود من المناطق ومن القرى والمدن التي تتعرض للرد أو الهجوم المعاكس من الطرف الآخر ، كما أن هذه النظرية لا تتعارض مع امكانية قيام المقاومة أو ايران من السيطرة على مناطق داخل الحدود الاسرائيلية ، ولكن بالإمكان طردهم فيما بعد .
هذه هي أحلام ” ايزنقوط ” لكن كل افكاره السوداء سوف تصطدم بصخرة صلابة وقوة المقاومة ، وما عليه الا قراءة بعض المصطلحات من الارشيفات الحديثة ، ومعارك الجبل ، ومعارك مارون الراس ووادي الحجير ، ومعركة الشجاعية وغيرها ، جميعها تؤكد بأن هزيمة العرب في سنة 1967 لم تتكرر من جديد ، وان استمرار اسرائيل في سياستها العدوانية سوف يزيد من عزلتها وستكون هزائمها محتومة ، وان ” ايزنقوط ” سيفشل في كل نظرياته كما فشل من قبله ” دان حلوتس ” وكما فشل ” شلايفن ” الالماني .