63 عاما على ثورة 23 يوليو المصرية بقيادة عبد الناصر

دراسات (:::)
الطريق القومي الوحدوي هو الضمان للعيش المشترك الكريم لأمتنا العربية
زياد شليوط – فلسطين المحتلة (:::)
تحل اليوم الذكرى السنوية الـ63 لقيام ثورة 23 يوليو المصرية بقيادة تنظيم الضباط الأحرار في الجيش، وعلى رأسه القائد الخالد جمال عبد الناصر، الذي تحرك مع رفاقه تلك الليلة من عام 1952 واستولوا على قيادات الجيش ومرافق الدولة بشكل هاديء وسلس وحققوا ثورة وضعت حدا للنظام الملكي الفاسد والتابع لبريطانيا، وأعلنوا قيام النظام الجمهوري، وذلك كله دون اراقة نقطة دم واحدة حيث عرفت ثورتهم بالثورة البيضاء. وكلما حلت هذه الذكرى كلما استرجعنا منجزات الثورة وما حققته وما أخفقت به، هذه الثورة التي كانت محط آمال الشعوب في أرجاء العالم وجعلت الانسان العربي يرفع رأسه دون شعور بالنقص.
ان ثورة 23 يوليو بقيادة عبد الناصر، ساهمت في تغيير تاريخ المنطقة وشكلت فاتحة لعهد جديد يعتمد الاستقلالية في القرار، والعمل على توحيد الشعب العربي ونشر القومية الجامع الأكبر والأشمل لشعوبنا، وحولت قضية الشعب الفلسطيني من قضية لاجئين يحتاجون لمساعدة انسانية الى قضية وطنية ذات حقوق وشعب يريد الحياة، ووقفت ثورة 23 يوليو الى جانب الثورة الفلسطينية تساندها وتؤيدها.
لم تكن حركة الجيش انقلابا كما يحاول البعض نعتها استصغارا وتحجيما لدورها، بل هي ثورة بكل المفاهيم وان تأكد ذلك بعد فترة من الوقت وليس في ليلة واحدة. فالثورة غيرت نظام الحكم، ووزعت الأراضي على الفلاحين بعدما نزعتها من الاقطاعيين، وجعلت التعليم مجانيا بعدما كان مقتصرا على فئات محدودة من الشعب، وبنت المساكن الشعبية للعمال والفقراء وأبناء الطبقة المتوسطة، وجعلت الصناعة مصرية فشيدت المصانع وبنت الشركات المحلية، وأقامت القطاع العام في مجال الفنون مما سمح بانتشار الفنون في الصعيد وفتح المسارح الشعبية والمعارض واحداث التحول في الغناء والموسيقى، والنهوض بالحركة الأدبية والثقافية، فشهدت مصر في الخمسينات والستينات أوج الأعمال الثقافية والفنية، وكل ذلك برعاية وتشجيع الدولة والثورة.
وكان عميد الأدب العربي، طه حسين أول من أطلق تسمية “ثورة” على هذا الحدث الكبير، في مقال نشره في 2 آب 1952 في صحيفة “الأهرام” القاهرية، وقبل أن تحقق حلمه الكبير بتحقيق مجانية التعليم، التي نادى بها طه حسين في العهد الملكي دون أن يلقى أي تجاوب يذكر، الى أن قامت الثورة وحققت هذا الحلم ليس لطه حسين فقط بل لكافة أبناء الشعب المصري الذي عانى من القهر والظلم والتبعية.  وعبر طه حسين عن فرحته تلك بمقالة نشرها في ” الأهرام” في 27/12/1952 حيث سبق ونادى بمجانية التعليم قال ” بذلك ناديت منذ سنين وبذلك أنادي الآن وبذلك سأنادي ما وسعني النداء، والحمد لله على أن استمعت الثورة لهذا النداء.”
صحيح أن الثورة قامت بالأساس لاصلاح الوضع الداخلي في مصر، لكنها قامت أيضا على خلفية النكبة وخيانة الأنظمة العربية التي أرسلت جيوشا الى فلسطين غير مجهزة ومسلحة بأسلحة فاسدة، وكي تضع حدا لسيطرة الاستعمار الغربي على الشعوب العربية ومقدراتها، وفي هذا يقول طه حسين “ان مصر لم تثر ثورتها هذه القائمة على الطغيان الداخلي وحده، وانما ثارت على الطغيان الخارجي أيضا”. (الأهرام 10/5/1953)
وبعد نجاح الثورة قامت باجلاء القوات البريطانية عن أراضيها وتأميم قناة السويس في تحد واضح للغرب الاستعماري الذي كان ينهش خيرات مصر والعرب، ويفرض سياسته عليها وهي مذعنة في سبيل البقاء على العرش. وثم انطلقت الثورة مع الدول المتحررة في العالم الثالث وخاصة مع الهند ويوغسلافيا بتأسيس منظومة دول عدم الانحياز عام 1956.
واختطت الثورة لها خطا لم تحد عنه وتبنت الخط القومي والمشروع القومي وفي صلبه الوحدة العربية، كمشروع يجمع أبناء الأمة العربية التي ” تملك وحدة اللغة التي تصنع وحدة الفكر والعقل. وتملك وحدة التاريخ التي تصنع وحدة الضمير والوجدان. وتملك وحدة الأمل التي تصنع وحدة المستقبل والمصير”. كما قال المعلم جمال عبد الناصر في “الميثاق”. وانطلقت القومية وانتشرت في أرجاء الوطن العربي، واشتعل الشارع العربي ردا على العدوان الاستعماري على مصر عام 1956 الذي جاء لاخضاع مصر بعد قرار تأميم قناة السويس واعادة ملكيتها لمصر، فهب الشعب العربي في بغداد وبيروت وعمان ودمشق والجزائر وغيرها يرد على العدوان ويدمر المنشآت الغربية، وتحول عبد الناصر الى زعيم الأمة العربية بلا منازع. وارتفعت حرارة الوحدة العربية بعد تحقيق أول وحدة عربية حقيقية بين قطرين شقيقين، هما مصر وسوريا في اطار الجمهورية العربية المتحدة عام 1958 حتى عام 1961، بقيادة عبد الناصر وتحول مطلب الوحدة الى مطلب جماهيري واسع.
وأمام كل تلك الانجازات، وقفت القوى الاستعمارية مذهولة وأخذت تخطط لوضع حد للقيادة الناصرية التي جرفت العالم العربي، وبدأت تعمل علنا وسرا على ضرب عبد الناصر وجره الى منازلات لم تكن في صالحه، وذلك بالتعاون مع أعوانها في الوطن العربي ومستندة الى قاعدتها الأولى اسرائيل. وداخل مصر لعب الاخوان المسلمون دورا تواطئيا للتخلص من النظام الوطني- القومي بقيادة عبد الناصر، وهناك من يردد منهم – زورا وفي مزايدات باطلة- بأن نظام عبد الناصر كان يتعاون مع الغرب، يا للسخرية! بينما كان الاخوان يمدون جسور التواصل مع الاستعمار الغربي للتخلص من قيادة عبد الناصر القومية، لكن عبد الناصر كشف مخططاتهم ونواياهم المبيتة وحذر من تحالف الرجعية مع الاستعمار واستخدام الدين في تلك المخططات السياسية الخبيثة بينما “اسلامنا هو الثورة والحرية، وهو الديمقراطية والعدل، هو التطور والتقدم”، كما أكد الرئيس عبد الناصر. وكما أشار طه حسين الى أن “الاسلام أنشأ أمة جديدة وجعل هذه الأمة عربية: عربية اللغة، عربية التفكير والشعور، عربية الحضارة، عربية العلم والثقافة والأدب”. وهذا ما لا تريده الحركات الاسلامية المتطرفة التي لا تعترف بالقومية العربية ولا تريدها منهجا وتعمل على ضربها ومحاربتها، تلك القومية التي فهمها المتنورون بعقل منفتح وتتلخص بكونها “عربية بدينها سواء أكان هذا الدين اسلاما أم كان نصرانية”، كما أكد طه حسين في مقاله في مجلة “الهلال”، يناير 1959.
تلك هي ثورة 23 يوليو، تلك هي الناصرية، تلك هي القومية العربية التي نبغي ونريد، والتي تضمن العيش المشترك للشعب العربي أينما كان وعلى جميع العقلاء والمتنورين والصامتين أن يعملوا على اعادة الاعتبار لها، حتى تعود أمتنا العربية ةتنفض عنها غبار الذل والانقسام والتفتت، وتعود الى كونها كتلة واحدة تعمل من أجل أهداف واحدة وتسير في طريق واحد كما كان في النصف الثاني من القرن الماضي.
(شفاعمرو – الجليل في 23 يوليو 2015)