العبادي في طابور ساركوزي

اراء حرة (:::)
شوقية عروق منصور- فلسطين المحتلة (:::)
امام الغطرسة لا نتحرك .. أمام كرهنا والسخرية منا  نحاول حشو الابتسامات في الصور .. أمام تصريحاتهم لا نواجه العبارات بالقسوة والرفض بل نقوم بإهداء ترويضنا الى صاحب السيرك ، نهديهم السيوف الذهبية ليرقصوا بها ثم نراهم بعد ذلك يربطوننا ويقطعون بها اجسادنا .. رؤساء وملوك يعيشون في كوكب الخذلان ويصدرون لشعوبهم اشعاعات الذل .. حتى اصبحنا ماركات مسجلة لطأطأة الرأس ..
دائماً اردد تعيش الكاميرا .. تعيش اللحظة التي تسجل المشهد ، اذ لولا ذكاء ووهج الكاميرا وتوثيقها – خاصة الكاميرا السياسية –  لما عرفنا ما يجري خلف الأبواب المغلقة وخلف الجدران وخلف المباحثات والتنازلات ولقاء الرؤساء ، ولما عرفت الشعوب كيف تُباع  وتُشترى في اسواق الاتفاقيات .
عندما رأيت التجاهل المزري ، المخجل ، وانكماش حيدر العبادي رئيس الوزراء العراقي أمام الرئيس الأمريكي اوباما ، شعرت أن العراق تحول الى ورقة متسخة مرمية على أرض الدول ، وعلى جامع النفايات أن يلمها ويلقي بها في أقرب حاوية .. العراق العظيم صاحب الحضارة والتاريخ والنضال والقوة والتراث والحضارة الاسلامية والأدب والغناء الحزين ودجلة والفرات واسطورة جلجامش وعشبة الحياة .. جميع المفردات العراقية ذابت وتحولت الى مياه سرعان ما جفت أمام عنجهية الرئيس الأمريكي .
في قمة الدول السبع التي عُقدت في ولاية بافاريا الالمانية جلس اوباما الى جانب المديرة العامة لصندوق النقد الدولي ورئيس الوزراء الايطالي .. جلسة عادية على مقعد في حديقة كبيرة يحيط بها الرؤساء والمسؤولين كل واحد يتحدث مع الآخر .. واذ حيدر العبادي رئيس الوزراء العراقي  يجلس  كالتلميذ الخائف المرتعش الى جانب اوباما مع رجل آخر .. ينظر باستعطاف وتوسل لعل اوباما يلتفت اليه ويعيره الانتباه .. لكن اوباما يتحدث مع المرأة المديرة لصندوق النقد ورئيس الوزراء الايطالي .. ثم قام اوباما دون ان ينظر الى حيدرالعبادي  .. اللقطة سجلت الخيبة والمذلة .. الكاميرا رصدت بتشفي مصير هؤلاء الذين يهرعون ويراهنون على هؤلاء لإنقاذ بلادهم ، يراهنون على رؤساء هم يعرفون أنهم ينظرون اليهم من زاوية الخراب والدمار والاستغلال ، هل يحاول اوباما تجاهل رئيس وزراء اسرائيل أو احد المسؤولين اليهود ، أو هل يحاول تجاهل رئيس وزراء دولة غربية حتى لو كانت الدولة مجهرية صغيرة جداً .
شريط الفيديو نشر وانتشر وفضح الفضيحة العراقية ، أنها كانت من نصيب الشعب العراقي الذي سلم أوراقه وملفاته ووجوده لامريكا ورقص على ايقاع الاحتلال ، وعندما ضرب منتظر الزيدي بحذائه الرئيس بوش هناك من اعتبرها اهانة للشعب العراقي الذي يجب أن يتعامل مع الامور السياسية بأدب واخلاق وليس بضربة حذاء .. وقد اهين وسجن منتظر الزيدي  وجميع كلمات وعبارات الغزل وشراء الحذاء أو وضعه في المتحف .. جميعها ذهبت أدراج الرياح – على ذكر الحذاء في المتحف السعودي وفي علبة زجاجية هناك شاروخ أو فردة صندل مهترىء لعبد العزيز آل سعود مؤسس المملكة –  هل هي صدفة ان يكون الحذاء هو الوثيقة التاريخية السعودية لمملكة اختصرت بداياتها بفردة صندل .
رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي حاول مدارة تهميشه بابتسامة صفراء .. لكن لم يعرف في لحظتها أن التاريخ حمل صورته وضمها الى  مئات الصور للذين كان مصيرهم التجاهل ، اهانة رئيس الوزراء هي اهانة للشعب العراقي العريق الذي هو حضارياً قبل وجود امريكا .. لكن لعن الله فعل  ساسة والسياسة والذل .
في المقابل قام الرئيس الفرنسي السابق  نيكولاي ساركوزي بزيارة لإسرائيل ، جاء فازعاً دارعاً للشد على يد اسرائيل ، انه يرفض مبدأ المقاطعة ، فهذه الدولة الديمقراطية لا يجوز مقاطعتها من أي جهة وأي دولة .. يقف ويصرح أنه ضد المقاطعة ويهاجم شركة اورانج التي فكرت بالمقاطعة .. أقوال لا تفاجىء الفلسطيني .. ساركوزي لم يتغير في السلطة او خارجها .. لكن نحن يجب أن نتغير .. بعد أن سمع الرئيس الفلسطيني هذه العبارات من ساركوزي لماذا وافق على استقباله ، السلطة تعرف أنه عندما كان في قصر الاليزيه لم يقف الى جانب الفلسطينيين مرة واحدة ، بل كان دائماً حاضناً أي مشروع اسرائيلي .. مواقفه دائماً كانت ضد العرب بشكل عام .. لماذا تستقبلونه في رام الله في مقر السلطة .. ان اسرائيل رفضت استقبال كارتر الرئيس الامريكي  لأنه أدان الحرب على غزة ، وجيمي كارتر اعترف بلسانه أنه اكثر رئيس امريكي في تاريخ امريكا  قدم خدمات الى اسرائيل من اسلحة ودعم مالي ، ورغم ذلك رفضت اسرائيل استقباله  .. والسلطة الفلسطينية توافق وتستقبل ساركوزي بالابتسامات والاحضان دون أن تعاتبه ، وهبي تعلم مستقبلاً لن يقف معهم .
قبل أيام احتفلت اسرائيل بذكرى 5 حزيران حرب 67 ،  مرت وسائل الأعلام العربية على الذكرى مر الكرام وهناك من تجاهلها ، لأن حاضر الدمار والخراب العربي أسوأ من نكسة 67 ، لكن في علم نفس الشعوب يعرف الزعماء وعلم التاريخ ان الانتصار ينعكس على نفسية الشعوب ويجعلها تتألق وتسمو وترتفع في طموحها ورؤيتها وتكون احلامها مبنية على القوة والكبرياء والفخر ، ونكسة 67 اغرقت نفسية المواطن العربي بالهزيمة وكانت نكسة الروح قبل نكسة الارض ، انهم لا يعرفون ان قوة الشعب من قوة مواقف المسؤولين ، حين يتخاذل المسؤول ويقف عاجزاً أو يعاقب المواطن أو سجنه على رفضه هذا التخاذل ويطالب بالتغيير  ، يتحول هذا المواطن الى لا مبالي بالوطن وقضاياه .
اسرائيل تحتفل بانتصارها وتحلل وتكتب وتفتح الارشيفات وتضع الاخطاء على طاولة الحوار والمناقشة والاتهام والدفاع ، ونحن نختبأ أو نهرب من مرايا الواقع ونرتدي ثياب الاستسلام.
صورة حيدر العبادي هي صورة الواقع العربي .. كل رئيس وزراء عربي مرشح ان يكون داخل صورة العبادي ..وما دمنا نستقبل ساركوزي وأمثاله سنبقى نحن أيضاً داخل صورة العجز .. لأننا نسمح لهم أن يتجاهلونا ، ولم نفكر بشراء بطاقات الكرامة في هذا السيرك العالمي .