متى؟ كيف؟ وأين سينفجر اللغم؟

دراسات (:::)
أطلس للدراسات (:::)
“نأسف لنجاحنا أكثر مما ينبغي” هذه العبارة للمعلق العسكري لصحيفة “يديعوت احرونوت” تلخص تفاعلات المشهد السياسي والأمني السائد في إسرائيل بعد الضربة الموجعة التي نفذها الطيران الاسرائيلي بحق موقع متقدم للقيادة العسكرية لحزب الله في منطقة القنيطرة داخل الأراضي السورية، وأدت لمقتل ستة من كوادر الحزب، بالإضافة الى جنرال كبير من الحرس الثوري الإيراني، و5 عسكريين إيرانيين آخرين.
إنجاز اسرائيلي عسكري وأمني كبير صفق له الاسرائيليون وهللوا كثيراً ليعقبه شعور بالخوف والقلق وحالة من التوتر والترقب غير المسبوق منذ حرب لبنان الثانية في صيف 2006 من طبيعة الرد المتوقع من قبل حزب الله بدعم ومساندة إيرانية، وقد بدت معالم القلق تظهر من خلال محاولات اسرائيلية  للتنصل من المعرفة المسبقة بوجود الجنرال الإيراني في المكان المستهدف، وذلك بعد ان توعد قائد الحرس الثوري الإيراني اسرائيل بـ “عاصفة مدمرة”، وما  ذكر مؤخراً من أكثر من مصدر اعلامي صهيوني ان إسرائيل طلبت من موسكو التوسط بينها وبين كل من إيران وحزب الله للحيلولة دون حدوث انفجار إقليمي، القناة الثانية في التلفاز الاسرائيلي نقلت عن مصادر عسكرية ان اسرائيل تدرك جيداً بأن حزب الله سيرد لا محالة على اعتداء القنيطرة، وقالت إن رسالة اسرائيل الى حزب الله أنه “إذا كان الرد حتمياً فإنها معنية بألا يكون الهدف مدنياً، وان كان كذلك فإنها لن تستطيع الا الرد بشكل قاس، أما في حال كان الأمر مخالفاً لذلك، كأن يكون الهدف جنوداً اسرائيليين، فهذا لا يعني أن اسرائيل لن ترد وإنما ستعتبر ذلك نوعاً من الالتزام المتبادل بقواعد الصراع القائم بين الجانبين”.
المعلق العسكري لصحيفة “يديعوت احرونوت” اليكس فيشمان أوضح بأن العملية العسكرية الاسرائيلية تحولت الى أزمة استراتيجية، ونتيجة ذلك باتت منظومات القبة الحديدية تنتشر منذ الآن في الشمال، وأضاف: “يمكننا أن نفترض أن المخططين لم يحلموا بنجاح باهر بهذا الشكل، فبصاروخين أصبنا ثلاثة عصافير مرة واحدة: انتهاك للسيادة السورية، وضرب رمز لحزب الله، واغتيال جنرال إيراني”، ورأى أنه إذا كانت اسرائيل “تعرف ماذا ومن هاجمت في العملية في الجولان فإنها وضعت نفسها أمام مشكلة في التفكير الاستراتيجي.
ولفت فيشمان الى انه “ليست اسرائيل وحدها الصامتة، بل كل وزارات الخارجية في العالم، وفي هذه الأثناء يتراجع الجميع ويدفنون رؤوسهم في الرمال، على أمل أن يمر الحدث كيفما اتفق، أما إذا وقعت عاصفة ما، فيأملون في اسرائيل أن تكون قصيرة، وفي الوقت الذي تبحث فيه اسرائيل عن مؤشرات تكشف ما ينوي حزب الله القيام به”، كما رأى فيشمان أن إعلان إيران عن شهدائها وتشييع شهداء حزب الله بمسيرات شعبية، كما لو أنه اعداد ورسالة للرأي العام في الداخل والعالم، مفادها “نحن نعتزم الرد”.
من جانبه؛ رأى المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس” عاموس هرئيل انه بالرغم من ان أحداً غير معني بالتصعيد، سواء اسرائيل او حزب الله، إلا ان مقتل الجنرال الإيراني سيعقد الوضع، مشيراً الى ان هذا العامل، يدخل الى قلب التوتر القائم بين إيران واسرائيل وليس فقط حزب الله، وبالتالي فإن السؤال هو ما إذا كانت طهران ستختار، في هذه الظروف، إبقاء الرد في يد حزب الله.
وكشف هرئيل ما يمكن اعتباره “الرهان” الذي استندت اليه اسرائيل في قرارها باستهداف مقاتلي حزب الله، أن الأخير مشغول في مواجهة “التنظيمات الجهادية” التي تحاول النيل منه، وهذا ما سيقيد حركته في مواجهة إسرائيل؛ وعلى هذه الخلفية أورد هرئيل تقديرات الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية بأن حزب الله ليس معنياً بالتصعيد، لكنه حذر من أن تقديرات مشابهة كانت موجودة عشية حرب لبنان الثانية عام 2006، وانطلاقاً من هذه التقديرات توقع هرئيل بأن يبادر الحزب بتوجيه ضربة لإسرائيل في دولة أجنبية من دون أن يعلن مسؤوليته عنها.
ولمح هرئيل الى أن هذا الهجوم ضد حزب الله مثل غيره من العمليات العسكرية الاسرائيلية المشابهة؛ تقرر رغم وجود معارضة من قبل ضباط داخل هيئة الاركان وتحذيرهم من العواقب، واضاف أن وزير الأمن موشيه يعلون يؤيد جداً هجمات عدوانية من هذا النوع، ويستند في ذلك الى تجربته الغنية في مثل هذه العمليات وأبرزها قيادته وحدة كوماندوس النخبة “سييرت متكال” في عملية اغتيال القائد الفلسطيني خليل الوزير (ابو جهاد) في تونس عام 1988.
وينضم لهذه الانتقادات فيشمان بتوضيحه ان منظمة حزب الله وإيران ترغبان برؤية الكثير من الدم، وفي إسرائيل يتكهنون بأن إيران وحزب الله يخططان لعملية وحشية بشكل خاص، ويسود التقدير حالياً بأن العملية ستكون ضد رجال الجيش بهدف جباية ثمن مؤلم من إسرائيل يشمل أكبر عدد من القتلى والجرحى، وبالتالي تنفيذ العقاب والانتقام وتلقين إسرائيل درساً كي ترتدع.

خلايا نائمة داخل الخط الأخضر
ويقول إن حزب الله وسوريا تنظران نحو الراعي الإيراني وترغبان برؤية ما الذي يجيد عمله عندما تهينه إسرائيل على الملأ، ويتابع ان “نقطة الانطلاق هي انهم سيبحثون عن تجمع للجنود (موقع، معسكر أو قافلة)، ويمكن لذلك ان يحدث على امتداد الحدود، كما يمكن ان يحدث داخل الأراضي الإسرائيلية، فتجارب الماضي تعلمنا ان لدى حزب الله خلايا نائمة داخل الخط الأخضر، وإذا رغب بتنفيذ عملية ضد تجمع للجنود في وسط البلاد، فإنه يمكنه ايقاظها”.
وفي سياق توضيحه خطورة العملية الإسرائيلية؛ يشير فيشمان إلى أن التعرض للمدنيين سيحتم على إسرائيل القيام بعملية عسكرية، تشمل تفعيل الخطط الواسعة التي أعدتها قيادة المنطقة الشمالية ضد حزب الله في لبنان، ويتابع توقعاته سيناريو اندلاع حرب لبنان الثالثة “إذا قام حزب الله مثلًا بإطلاق النار على مواقع استراتيجية داخل البلدات أو في جوارها، أو حاول السيطرة على بلدة حدودية وتنفيذ مذبحة فيها؛ فإن إسرائيل لن ترى نفسها ملتزمة بالرد المحدود، لا في حجم النار ولا في حجم الجبهة، في سبيل دعم هذا القرار غير الجيش الإسرائيلي انتشاره في المنطقة الشمالية، فقد تم تعزيز القوات وإضافة وحدات مدفعية طويلة المدى من مختلف الأنواع، وأعلنت حالة التأهب في سلاح الجو، وتم نشر بطاريات القبة الحديدية للدفاع عن المواقع الاستراتيجية والمدنية الكبرى من الجولان وحتى شاطئ البحر، والآن يجلسون في إسرائيل وينتظرون رؤية كيف ستتدحرج خطة الانتقام الإيرانية”.
ويكمل بقوله “إن القيادة الشمالية وفي مقر القيادة العسكرية، ولدى وزير الأمن، يقومون بتحليل المعلومات التي تصل إلى المنظومة، ويرسمون السيناريوهات ويستعدون لمختلف الأوضاع، ويضيف “الشعور هو ان هناك قنبلة موقوتة لكنهم لا يعرفون متى وأين ستنفجر”، وحتى يتم ذلك، سيتواصل التأهب والاستعداد في الجبهة الشمالية”.
واضحٌ ان اسرائيل تراهن على كثير من العوامل التي يمكن ان تحد من قدرة حزب الله على الرد أو تعمل على تأجيل ذلك، لكن ومن خلال متابعتنا لحزب الله والحرب التي خاضها لتحرير جنوب لبنان من الاحتلال الاسرائيلي والمعارك التي خاضها دفاعاً عن لبنان ندرك ان حزب الله سيرد بحزم ولن يقبل بهذا الهوان الذي تسعى اسرائيل لفرضه وسيثأر لقتلاه وقتلى إيران بالطريقة التي يرتئيها، وعدم إعلان الحزب أي تفاصيل فيما يتصل برد الفعل أبلغ دليل.