التطبيع الأردني- الإسرائيلي في العمق!!

التصنيف : سياسة واخبار (:::)
بقلم : بكر السباتين * (:::)
هل خذلت اتفاقية وادي عربة شعبياً..
الكاتبة الإسرائيلية (سمدار بيري) تفجر الحقيقة!!
ما هو التطبيع!؟
وكيف نفهمه في سياقيه السياسي والاجتماعي!

سنبدأ أولاً بمفهوم التطبيع لغوياً والذي سيفضي بنا إلى المضمون السياسي والاجتماعي دونما التباس جوهري ووصفي، وذلك في سياق فهم العلاقة التطبيعية بين الأردن (كنموذج) والكيان الإسرائيلي الطارئ.. فالقياس اللغوي لمصطلح التطبيع يقوم على اسم المصدر تَفعيل، بمعنى أن تفعيل الأمر هو جعله فاعلاً وواقعاً. ما يقودنا طواعية إلى أن النزعة البشرية تتجه دائماً إلى علاقة النفور من العدو الذي يسلب حقوق الآخرين منتهجاً سياسة الإلغاء وطمس السمات والملامح للضحية.

وهو ذات التوصيف للكيان الإسرائيلي صاحب الأيدلوجية الصهيونية العنصرية التي تقوم على احتلال أرض الغير بالقوة، معتمدة على أشد الوسائل إجراماً لتحقيق مآربها، بالسعي نحو إلغاء هوية الضحية المكانية والثقافية والسطو على حقوقها القانونية والسياسية المشروعة.

وهذا هو المدخل المناسب لتوصيف مخرجات هذه العلاقة بين الجاني والضحية بالنسبة للفلسطينيين الذين سلبت أرضهم من قبل المنظمات الإرهابية الصهيونية عام 1948 وإقامة الكيان الإسرائيلي على أنقاض فلسطين التاريخية، وطرد أصحابها الشرعيين ليواجهوا مصيرهم في المنافي؛ كي تتجلى بالتالي العلاقة الطبيعية بين طرفي النزاع القائمة على مبدأ العداء.

من هنا جاء القياس اللغوي لمصلح التطبيع (التفعيل) ما يفيد الصيرورة في مقاومة طبيعة الأشياء؛ ورغم ذلك فإن أية تجاوزات لمبدأ إعادة الأمور إلى نصابها، كاستعادة الفلسطينيين لحقوقهم كاملة ستظل العلاقة في إطار التطبيع السياسي المحكوم إلى اتفاقات رسمية بينية ملزمة للطرفين؛ بينما ستظل هشة تماماً في إطار التطبيع الاجتماعي! وهو الأهم في أية دراسة استشرافية تهتم بمستقبل العلاقة بين الأطراف المتصارعة.

وفي النموذج الأردني الذي يمثل الطرف العربي الأقرب لمكونات القضية الفلسطينية؛ بحكم العلاقة الخاصة التي تربط الأردن بفلسطين وشعبها؛على اعتبار أن الضفة الغربية حينما تم احتلالها من قبل العصابات الصهيونية كانت خاضعة للحكم الأردني، حتى وبعد قرار الملك حسين بن طلال بفك الارتباط القانوني والإداري بقيت الأماكن المقدسة في القدس الشريف تحت الرعاية الهاشمية. ناهيك عن وجود أكبر شريحة من اللاجئين الفلسطينيين المتمتعين بالجنسية الأردنية. والذين يمارسون دورهم الحيوي في التنمية الأردنية المستدامة من منطلق ولائهم للدستور الأردني؛ إلا أن انتماءهم للقضية الفلسطينية لا يتعارض مع أردنيتهم بحكم أنهم أصحاب حقوق مهدورة جراء احتلال الكيان الإسرائيلي لأرضهم التاريخية المتمثلة بفلسطين، ويتجلى هذا الانسجام على الصعيدين السياسي والشعبي ما جعل القضية الفلسطينية شأن أردني فلسطيني مشترك وخاصة في النطاق الشعبي.

لقد وقعت معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية أو ما يشار إليه باسم معاهدة وادي عربة، بين ما يسمى إسرائيل والأردن على الحدود الفاصلة بين الدولتين والمارة بوادي عربة في 26 أكتوبر 1994 م. ورغم أن الدوائر الصهيونية تأملت خيراً في مخرجاتها التطبيعية كي يصل حد تفاعلاتها الجماهيرية بذات مستواها السياسي والعسكري.. إلا أن الشعب الأردني بكل مكوناته يرفض من حيث المبدأ تطبيع العلاقة مع هذا الكيان المصطنع.

ربما نجحت السياسة التطبيعية في بعض الجوانب التي تتعلق بالأمن الذي وفرته الحكومة الأردنية لسفارة الكيان الإسرائيلي، وتأمين بعض المنافذ الاقتصادية للوصول إلى حد أعلى من العلاقة الشعبية بين الطرفين من خلال دخول الوسطاء من فلسطينيي الثامنة والأربعين(عرب 48) لتسويق المنتجات الإسرائيلية بحكم علاقاتهم الاجتماعية مع المكون الفلسطيني للقاعدة الشعبية الأردنية؛ الأمر الذي يسر لعلاقة غير معلنة بين اقتصاديي البلدين.. إضافة لقيام كثيرين من رجال الأعمال الأردنيين باستيراد بضائعهم عبر ميناء حيفا من منطلق الكلفة الأقل مقارنة بميناء العقبة جنوب الأردن! إلا أن الرسالة التي ما تزال مستمرة بين الأجيال الفلسطينية والأردنية لا تخرج عن كون الكيان الإسرائيلي مصطنع وغير مقبول جماهيرياً، وهذا ما يقلق الساسة والمفكرون الصهاينة حينما يتحدثون عن التطبيع الإسرائيلي- الأردني؛ حيث تشكلت لجان مقاومة التطبيع في كل النقابات الأردنية خلافاً للسياسة الأردنية الملتزمة باتفاقية وادي عربة المشئومة.

ويمكن إدراج بعض الأمثلة على ذلك من خلال (موقع نقابة المهندسين) كتعاون لجنة مقاومة التطبيع النقابية مع مؤسسات المجتمع المدني لإفشال استيراد السيارات المستعملة من الكيان الصهيوني إضافة إلى الدعوة لمقاطعة الرحلة التي نظمتها جمعية أصدقاء الأرض فرع الشرق الأوسط إلى منتجع شرحبيل بن حسنة البيئي الثلاثاء المقبل بمشاركة إسرائيليين، وقد تجاوز ت هذه المقاومة حدودها المؤسساتية نحو مقاطعة رجال الأعمال الذين تثبت عليهم تهم التطبيع مع الكيان الصهيوني البغيض.

إن النظرة الإسرائيلية لمستقبل تطبيع ما يسمى( إسرائيل) مع الشعوب العربية ما زالت تراوح مكانها؛ فهي تحمل في طياتها رؤية تشاؤمية؛ لذلك يجدون بأن باطنية التطبيع ستحمي المطبعين من إسقاطهم اجتماعياً في الوقت الذي ستعجز فيه الحكومة الأردنية عن تقديم الحماية لهم.

وفي هذا السياق.. قالت الكاتبة الإسرائيلية (سمدار بيري) في مقالها المنشور في صحيفة (يديعوت) الأحد الموافق 26/10/2014، إن السلام الإسرائيلي – الأردني ليس سلاماً كاملاً وحقيقياً وذلك بسبب الرأي العام الرافض للتطبيع، ومع ذلك لا يمكن التخلي عنه أو تجاهل أهميته الأمنية الحاسمة بالنسبة لإسرائيل. بأن إسرائيل مدينة للأجهزة الأمنية في عمان بحياة آلاف الإسرائيليين بعد توقيع اتفاقية وادي عربة،  “إذ يوجد سفير أردني في تل أبيب، ويوجد سفير إسرائيلي في مكان محصن في الأردن”.
وتابعت (بيري): “استطاع الملك حسين أن يمرر قانون (الصوت الواحد) في الانتخابات البرلمانية من أجل الحصول على برلمان ضعيف لا يعارض الاتفاق، وقانون آخر قيد الخطب في المساجد كي لا يحرضوا الشارع”، ولا أدري كيف توصلت (بيري) إلى هذه النتيجة وكأن ساسة كيانها شركاء في المطبخ السياسي العربي!! ما يثير الاستهجان.

وتتحدث (بيري) عن أهم مظاهر فشل التطبيع بين الكيان الإسرائيلي شعبياً من خلال الآتي:
ففي الذكرى العشرين لمعاهدة وادي عربة بين الأردن والكيان الإسرائيلي أعلن عن مشروع لم ير النور بين رجل أعمال أردني(!!!!) وآخر إسرائيلي حول إقامة مستشفى خاص بالعاصمة عمان، غير أن المشكلة كانت هي في أن الرفض الشعبي الأردني قد يعيق عمل المشروع (المربح تجاريا) إذا ما اكتشفوا أنه يتعامل مع “العدو الصهيوني”.

وتأكيداً على الرؤية الاستشرافية الواقعية لأصحاب المشروع فقد استدلت (بيري) بما كشفته في أن (القصر الملكي الأردني) يرسل مرضى للعلاج في الكيان الإسرائيلي سرا ويدفع تكاليف هذا العلاج ويتعاقد مع أربع مستشفيات بهذا الخصوص، غير أنه لغاية الآن لا يتجرأ مواطن أردني لأخذ وصفة طبية من طبيب إسرائيلي إلى صيدلية في الأردن. وما تقوله (بيري) صحيح إذ حصلت واقعة شبيهة مع إحدى قريباتي التي رفضت الذهاب بابنها إلى مستشفى (هداسا) في القدس لإجراء عملية حساسة في عينيه.
والمضحك المبكي بالنسبة ل(بني) ككاتبة صهيونية تقرأ ما وراء السطور! هو أنه كيف يفضل ” القصر الملكي” أن تمر ذكرى معاهدة وادي عربة دون احتفالات، أو حلقات خاصة في التلفاز، وبدون مقابلات، وأن اتفاق السلام مع الأردن مصيره أن يبقى تحت البساط.
فكيف ختمت (بيري) مقالها!؟
قالت:” أنه وفي استطلاع سري قامت به الأجهزة الأمنية في المملكة تبين أن نسبة المعارضين “للسلام مع إسرائيل هي نسبة مخيفة”.
وكأنها أدركت السبب الذي ألجم قلمها وتركها في حيرة من أمرها مختتمة مقالها الهام بالحقيقة التي لا تخالف منطق الأشياء.. حقيقة أن هناك محتل وضحية.. كيان إسرائيلي يغتصب الأرض، ولاجئ فلسطيني لا ينسى جرائم المحتل؛ لذلك هو في نظره عدو بكل المقاييس! لذلك لا ترغمه السياسة على التطبيع معه حتى يستعيد حقوقه المسلوبة.

__________________________________________________
*فلسطيني من(الأردن)
رابط المؤلف:
<http://www.bakeralsabatean.com/cms/component/option,com_frontpage/Itemid,1/> http://www.bakeralsabatean.com/cms/component/option,com_frontpage/Itemid,1/