الحرب العربية الكبرى !

التصنيف : سياسة واخبار (:::)
د . ناجي شراب – فلسطين المحتلة (:::)
فاجأنى أحد طلاب الدراسات العليا فى برنامج الدراسات الشرق أوسطية فى محاضرة حول مستقبل العالم العربى فى ظل هذه التحولات الكبرى التى تجتاح المنطقة بسؤال هل تعتقد ان المنطقة تتعرض لحرب كبرى؟ وبداية كان لا بد من تحديد المقصود بالحرب الكبرى عن غيرها من الحروب؟ وثانيا مصدر هذه الحرب ؟ وثالثا أهدافها ؟ واخيرا التوقعات التى يمكن أن تترتب على مثل هذه حرب؟ لو أردت ان الخص تاريخ المنطقة بمراحلة المختلفة لخلصت أن المنطقة منطقة حروب ومنطقة صراعات، وطوال تاريخها وهى منطقة مستهدفة فى موقعها الإستراتيجى ، ومواردها الإقتصادية وخصوصا النفطية ، فالمنطقة تتميز عن كل المناطق الجغرافية بانها تقع قلب حزام من القوى ألإقليمية والدولية المتنازعة والمتصارعة  على مقدرات المنطقة ، ولذلك بوعى مقصود زرعت فى قلب المنطقة قوى مذهبية وطائفية ، وكيانا سياسيا غريبا على المنطقة وهو إسرائيل، لتكون بمثابة القوة المانعة لتقدم وتطور المنطقة . وقد تعرضت المنطقة لحروب كثيرة ما بين صغيرة ومتوسطة وكبيرة ، وكلها هدفت لإستقطاع جزء منها . وهذا ما حدث فعلا فى العديد من الدول العربية . وقد اذكر بالحروب الصليبية ذات الطابع الدينى ، وحرب إيران والدولة العثمانية وهى حرب دينية ، بين السنة والشيعة والتى عادت من جديد تطل برأسها بشكل قوى وكأنها حرب ثأرية . وشهدت المنطقة أو كانت أرضها مسرحا للحربين الكونيتين ، والتى من أخطر نتائج الأولى منها تقسيم المنطقة وفقا لخرائط سايكس بيكو، ووفقا لمصالح الإمبراطورية البريطانية والفرنسية فى أعقاب سقوط دولة الإمبراطورية العثمانية ، وهذا التقسيم وهو بداية التاصيل للدولة القطرية ،كان يحمل فى أعماقه جذو رالحرب، واما الحرب الثانية فكانت أخطر نتائجها بداية تغلغل النفوذ ألأمريكى للمنطقة وصولا لما وصلت إليه من تواجد مباشر بقواعد لها ، ودخول المنطقة فى مرحلة الحرب البارده بين القوة ألأمريكية الزاحفة للسيطرة على المنطقة ، والقوة السوفيتية المتطلعة للمياة الدافئة للخليج والوصول لمنابع النفط، ولهذا الهدف قسمت المنطقة سياسيا بين هاتين الدولتين ، وأنشئت إسرائيل لهذا الغرض. وهذه الصورة من الحروب تتكرر اليوم ولكن بشكل شرس ، وبهدف إقتلاعى للمنطقة . ولقد ادى تجذر الدولة القطرية على حساب الدولة العربية الواحدة القوية ، إلى إنتشار مظاهر الحكم المستبد، وتراجع الدولة الديموقراطية المدنية ، وإنتشار مظاهر الفساد ، وظهور مفهوم الدولة ألأمنية البوليسية التى تحمى النظام دون ألأخذ بسياسات ألإندماج والإنصهار للأقليات التى تعيش فى قلب المنطقة ، ولذللك غابت الرؤى التنموية ألإجتماعية ، وغابت المواطنة الواحدة ، وبقيت كل أقلية تحتفظ بولائها الخارجى .وساهم سقوط الدولة القطرية أو الدخول فى مرحلة الدولة الفاشلة لبروز دور الفواعل من غير الدول ، وخصوصا الحركات الإسلامية المتشددة التى نجحت فى توظيف الدين ، لتنتهز الفرصة وتنقض على أركان الدولة لقطرية المتهالكة . ويبدو أن ملامح هذه الحرب الكبرى بدأت فى البلور، وهى حرب كبرى لتعدد الأطراف والقوى الإقليمية والدولية والفواعل من غير الدول والتى تعيش فى قلب المنطقة ، فهى كبرى بتعدد أطرافها ، وهى حرب إقتلاعية لأن الهدف منها التخلص من كل المشروع العربى ، وإعادة تقسيم المنطقة بدخولها حالة من الفوضى الشاملة الكفيلة بفرض خارطة جديدة بما يتوافق ومصالح جميع ألأطراف والقوى . ولعل من اهم ألقوى الساعية والطامحة إيران التى تسعى لإحياء الإمبراطورية الفارسية على حساب الدولة السنية ، ولقد نجحت إيران فى زرع قوى داخلية لها ، ونجحت فى تثبيت وجودها كما ألآن فى إليمن عبر الحوثيين وسقوط صنعاء فى أيديهم ، وحزب الله الذى يتحكم فى بيروت ودمشق، وبغداد التى تتحكم فيها القوى الشيعية ، وما زالت إيران تتطلع لما هو أبعد من ذلك او لعواصم اخرى ، وإلى جانب ايران تركيا التى تسعى تحت زعامة أردوغان لإحياء دولة الخلافة العثمانية ، وهذا سر التحالف مع ألأخوان ومناصرتهم ، وتشارك إسرائيل هاتان الدولتان فى سعيها لإقامة إسرائيل الكبرى ، والتخلص من القضية الفلسطينية ، وهذا بلا شك عصرها لتحقيق ذلك ، وهذه  القوى تعمل فى إطار من الصراع بين القوى الدولية الكبرى الولايات المتحدة التى تسعى ليس فقط للحفاظ على مصالحها بل ، وتثبيت وجودها ، وتقاسمها الهدف ذاته روسيا التى تسعى من جديد لإحياء أحلام ألإمبراطورية السوفيتية ، ومما زاد من ضراوة هذه الحرب وتعقيداتها دخول طرف لا يقل خطورة عن الدول ذاتها ، وهى الفواعل من غيررالدول مثل داعش والطموح فى قيام دولة الخلافة ألإسلامية وسيطرتها على منطقة واسعة ما بين العراق وسوريا مستفيدة من فشل هاتين الدولتين ، وتهالك جيوشهما، والحوثيين الذين سيطروا على اليمن ، وجماعات كثيرة مثل بيت المقدس وجند ألإسلام ، ولا ننسى الحركة ألألم القاعدة ، وفى السياق العام قد يبرز دور حركة ألخوان ، وهذه الحركات تلعب دورا خطيرا ومدمرا للدول التى تقاتل فى داخل وتحاول السيطرة عليها . هذا السيناريو الكابوس أو المخيف الذى تتعرض له المنطقة ، هو الذى يفسر لنا محاولات إستهداف الجيش المصرى بإعتباره الجيش العربى الوحيد القوى والقادر على التصدى لهذه الحرب القذرة التى تتعرض لها المنطقة بمحاولة إشغاله بما تقوم به بعض الحركات من عنف وإرهاب فى أعقاب سقوط حكم ألأخوان الذى كان هدفه ألأساس إكتمال مشروع الدولة الإسلامية التى تقودها تركيا. كل هذا يوضح لنا مدى خطورة المنطقة وضرورة تسارع الدول العربية للتصدى لها عبر سياسات متعددة ومتنوعة ، بإحياء مشاريع الدفاع العربى المشترك التى من أبرز مبادرتها العلاقات الوثيقة بين مصر والإمارات والسعودية . المستدف الآن من هذه الحرب الكل، وفى قلب الكل مصر لأنه بسقوطها تسقط كل المنطقة العربية ، ولذلك مواجهة هذا ألإستهدداف والوقوف بجانب مصر مصلحة عربية عامة,وأخيرا مظاهر الحرب الكبرى أو الكونية بدات ملامحها بتشكيل أول تحالف دولى يضم عدد من الدول العربية للتصدى لموجة تمدد دولة داعش فى الراق وسوريا ، ومعها حركات إسلامية اخرى . ويبقى السؤال عن تداعيات هذ الحرب وآفاقها ونهايتها، وهى تساؤلات تظل فى حيز عدم اليقين، وتبقى كل الإحتمالات مفتوحة . وبدون شراكة ومشاركة شعبية للتصدى لهذه الحرب ، قد ندخل فى دوامة لا متناهية من حرب تنتشر فى كل إتجاه.
دكتور ناجى صادق شراب
drnagish@gmail.com