حديث الحزن

التصنيف: فن وثقافة (:::)
بقلم محمد محمد علي جنيدي – مصر (:::)
إذا قيّد الإنسان مرضٌ عضال هاجت له جوارحه، واستنطق لسانه الألم وأطل الحزن من وجهه مُدَويا كاشفا ما فيه.
كل إنسان يرى بعينه هو فقط، ويعبر عنه بما استقر في وجدانه من خلال واقعه وموروثه الثقافي والأخلاقي.
أنظروا إلى خليل مطران شاعر القطرين في قصيدته المساء كيف فاضت مشاعره معبرة عن حال مرضه وهو يقول ( شاك إلى البحر اضطراب خواطري ** فيجيبني برياحه الهوجاء — ثاو على صخر أصم وليت لي** قلبا كهذي الصخرة الصماء )، وهكذا نرى الأحزان مازالت تطارده حتى نهاية قصيدته حيث يقول: ( فكأن آخر دمعة للكون قد ** مزجت بآخر أدمعي لرثائي — وكأنني آنست يومي زائلا ** فرأيت في المرآة كيف مسائي )، بالطبع الأمر ليس كذلك، ولكنه بعيون حاله ومن واقع مخزونه الوجداني لا يرى من الكون إلا بكاءً لبكائه.
وإذا أردنا أن نتعرف على أثر الموروث الأخلاقي والديني في مواجهة الحزن فلنذهب مثلا إلى أدب بدر شاكر السياب ونحن نقرأ له: لك الحمد مهما استطال البلاء ** ومهما استبدّ الألم — لك الحمد إن الرزايا عطاء ** وإن المصيبات بعض الكرم.
إن النبي الكريم صلوات الله وسلامه عليه كان يستعيذ الله من الهم والحزن لأنهما ابتلاء لا ينكشف إلا بمراد الله، ولعله ( ص ) عبر عن الحزن أبلغ تعبير يمكن أن تقرأه في مجلدات التاريخ، وهو يدعو مولاه مما أصابه من أهل الطائف عند خروجه منها بعدما أوصدت مكة أبوابها أمام دعوته في دعائه الشهير: ( اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين…. )، إذا هي المعاناة، ولكنه ( ص ) كان يفر منها إلى الله لأنها ليس لها في وجدان النبي إلا كاشف الهم والحزن، وكذلك حال من اتبع رضوانه.

ولعلني أرى أن الحزن هو النافذة الوحيدة التي يمكن أن يطل الحزين منها إلى آفاق السعادة، هذه حقيقة مؤكدة لإنك لا تعرف قيمة العسل إلا باحتساء الصبر، ولا بفضل النور عليك إلا بعد مسيرك في الظلام.
وعليه، فإن الإبداع الأدبي كله ينصهر من بوتقة المعاناة عندما يُحاكي مشاعر الآخرين فيضفي عليها إحساسا بالراحة والسعادة حتى أنهم يشعرون كأنهم قد وجدوا فيه ضالتهم.
يقول الحق سبحانه في محكمه: ( فإن مع العسر يسرا (5) إن مع العسر يسرا (6) فإذا فرغت فانصب (7) وإلى ربك فارغب(8) صدق الله العظيم.. سورة الشرح
فإذا كان العسر هو قدرٌ قد نزل من الله وما يتبعه من مسحة الحزن في قلب العبد فإن لطف الله قد نزل معه والفرج منه قريب إن شاء الله.
يقول ابن عطاء السكندري (من ظن انفكاك لطفه عن قدره، فذلك لقصور نظره )، اللهم اجعلنا من الذين رضوا بك فأدخلتهم محراب رضوانك.. اللهم آمين.