الثقافة هوية دولة وشعب

التصنيف : دراسات (:::)
محمد بونوار – المانيا (:::)
الثقافة هي هوية الدولة على العموم , لكن اٍذا ما  اقترنت عوامل التهميش والاقصاء وضنك الظروف الاقتصادية والاجتماعية وضعف السلطة المركزية في آداءاتها , فأٍنها أي الثقافة تتحول الى نزعة سياسية ,وبالتالي الى نزعة انفصالية , ومن هنا يمكن القول ان الحدود الثقافية ترسم الحدود الترابية , وهو ما يعزز المعادلة المشهورة الهوية تساوي الارض .
من هذا المنطلق يكمن فهم الدور الطلائعي الذي تلعبه الثقافة في لم شمل مجتمع بكامله, كما يمكن فهم كثير من النزاعات بسبب سوء تفاعل مع مكونات الثقافة سواء باٍفريقيا أو بأسيا أو بأروبا أوغيرها في مناطق مختلفة في العالم .
وجبت الاشارة أن الثقافة هي منظومة لها ركائز تعتمد عليها في كل وقت وحين , تفضي  الى التماسك والتلاقح والصمود , ولم شمل مكونات مجتمع باكمله مهما اختلفت عاداتهم ولهجاتهم ولغتهم .
وتبقى في جميع الحالات الثقافة نتيجة وحاصل محصل من مكونات بشرية تجمعها قيم :  كاللغة والدين والتاريخ والذاكرة الجماعية والتربية الاخلاقية .
والثقافة بصفة عامة لا تخضع لقوانيين وقواعد مضبوطة, لانها بكل بساطة تعبير ناتج عن أحاسيس ومشاعر وحالات انسانية ووجدانية وابداعية , وهنا يكمن بيت القصيد حيث تقترف الدولة في حق الثقافة زلة التصنيف والارشاد , والسبب راجع الى كون الثقافة هي ركن وعماد هوية الدولة والشعب معا , مع مراعاة التقسيم العادل والمراقبة المستمرة قصد خلق توافق جدلي موفق بين البنيات  التحتية وبناء الانسان نفسه من خلال منظومة الثقافة المليئة بالتعابير والتفاعلات التاتجة عن الاحساس والشعور ,والتي هي غير قابلة  بتاتا  للتقنين و غير خاضعة لعملية الاحتواء .
كما سبق ذكره في البداية , فاٍن الثقافة السائدة يمكن أن تتحول الى دفاع مستميث في عقلية المواطنين , بل وشكلا من أشكال المقاومة ووسيلة للحث على الصمود وعدم التنازل , وهوالامر الذي يتأتى عندما تسمو التوعية والتعبئة السياسية  , كما يمكن أن تتغير الى سلاح  فتاك مدمر ذو نزعة انفصالية , أو عدوانية ,  عندما يقع العكس .
الثقافة اذن هوية دولة وشعب , الا أن الدول خاصة منها دول العالم الثالث , تجري جريا وراء احتواء كل ماهو ثقافي مخافة من رافعة التوعية والتعبئة السياسية , ويظهر ذالك من خلال منع المحاضرات واستقلالية الاخبار وعدم تكريم الادباء والادب بصفة عامة وهو ضرب من ضروب تغييب المشاعر التي تمجد الارتباط بالوطن والحث على النضال ومقاومة الفساد والتحلي بالقيم . مع العلم أن هذه التصرفات تكون غالبا من سمات العدو الذي يريد محو وتدمير وتشويه  الهوية ومقوماتها في بلد معين  .
ومن نتائج عملية الاحتواء أيضا  في وسط أي  مجتمع هو تنشئة أفراد بدون مبادئ راسخة وضعف ظاهري على مستوى  التفكير والتحليل وبعد النظر في قضايا كبرى مصيرية , مع افراغ  كلي  للساحة الثقافية بما يعرف بالقدوة  الحسنة والمرجعية  الوطنية للشباب , وهوالامر الذي يفسح المجال لظهور التلوث العقائدي , ويساهم الاحتواء أيضا  وفي نفس الوقت على  تضييق محكم في موضوع الذاكرة الجماعية ,وبالتالي تراجع  ملحوض على مستوى الغيرة الوطنية والانتماء والدفاع والصمود والمقاومة  .
كلما توفرت هده النقط مجتمعة في وسط شعب معين تصبح عملية الاختراق الهوياتي سهلة , وبالتالي تضحى التفرقة أسهل من المتوقع وتصبح نزعة سياسية ذات منحى أنفصالي يسيرة المنال , كما لا تخلو الساحة  في ظل هذا الواقع من توترات مخلة بالحدود الترابية انطلاقا من الحدود الثقافية . في حالات عديدة يستغل الاعداء هذه النقط لارباك النظام والتآمر عليه من خلال تغليب جهة على اخرى في نفس البلد .
العراق وسوريا وليبيا وتونس ومصر تعد في لائحة الدول التي يمكن أن تعرف صراعات داخلية  وانقسامات طائفية ناجمة عن تشنجات ثقافية بذريعة دينية ,أو لغوية , أو هوياتية .
اذا ما أمعنا النظر في هذا الامر بالتدقيق يمكن أن نخلص الى أن المقاومة والصمود والدفاع تأتي من الجانب الثقافي  أكثر مما تأتي من الجانب العسكري , وفي هذا المجال وبكل صراحة يمكن لدولة فلسطين أن تكون قدوة لجميع الدول العربية , حيث تعتمد الدولة على الادب والشعروالقصة والاعلام و… أي الثقافة بصفة عامة للحفاظ على الهوية الوطنية من خلال حث المواطنين على المقاومة والصمود والدفاع لكي لا تضمحل الذاكرة الجماعية وتتلاشى القيم المكونة للهوية .
خلاصة مايمكن الاقتناع به هو رسم خطة وبلورة رؤية استراتيجية للحفاظ على الهوية الوطنية بوازع الثقافة التي هي الذرع الواقي والمانع الطبيعي من كل الاحتدامات الداخلية .

محمد بونوار من المانيا
كاتب ومستشار ثقافي