التغيير : ضرورة فلسطينية

التصنيف : آراء حرة (::)
د. أشرف طلبه الفرا – فلسطين المحتلة (:::)
لا يخفى على أحد استمرار تراجع فرص وخيارات السلام مع إسرائيل في ظل تراجع اهتمام الإدارة الأمريكية بالمنطقة، وخاصة بعد تولي المحافظين الجدد مقاليد الحكم برئاسة “بوش الابن” عام 2000م، وإعطاء القضية الفلسطينية أولوية ثانوية بعد محاربة الإرهاب، وتبين أن وعود الولايات المتحدة بإقامة دولتين، وتنفيذ خارطة الطريق التي وضعت عام 2000م، ما هي إلا تكتيك لامتصاص الغضب العربي وخاصة بعد احتلال العراق، وتفاقم دور جماعات المصالح التي تتحكم في السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط، مثل اللجنة الأمريكية للعلاقات العمة المعروفة باسم اباك (Aipac) واهتمام أعضاءها بكافة القضايا التي تمس أمن واقتصاد إسرائيل، ودعم إسرائيل بناء جدار الفصل العنصري الذي أقامته عام 2000م، بهدف زيادة الحصار السياسي والاقتصادي والأمني على الشعب الفلسطيني.

وعلى الرغم من الخطوات التي اتخذتها الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة “اوباما” تجاه القضية الفلسطينية مثل الاستعانة بالسيناتور “جورج ميتشل” وقيام الرئيس الأسبق “جيمي كارتر” بزيارة غزة وكذلك “جون كيري”، لاستئناف المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، إلا أن إدارة الرئيس “اوباما” لم تفعل شيئاً لتصويب أخطاء الإدارات الأمريكية السابقة فيما يتعلق بعملية السلام أو إذكاء الخلاف بين الفلسطينيين، بل على العكس هناك العديد من المراهنات على هذا الخلاف، وإيجازاً فان السياسة الأمريكية استمرت عل انحيازها المبدئي لإسرائيل، مما ينذر بحالة من اللاستقرار في المنطقة تلقى بظلالها الكئيبة على مستقبل قريب وليس بالبعيد في ظل متغيرات دراماتيكية تزداد يوما بعد يوم مع مرحلة قديمة حديثة من سياسة فرض العقوبات والقرصنة التي تنتهجها سلطات الاحتلال ضد أبناء شعبنا الفلسطيني وقيادته، ومحاولة ابتزاز الموقف الفلسطيني وتركيعه وفقاً لأهواء وتوجهات حكومات الاحتلال الإسرائيلية المتعاقبة والمتطرفة والمتنكرة لكافة الاتفاقات، وخاصة مع غياب كافة أوراق الضغط من قبل الجانب الفلسطيني والعربي، وانحياز الوسيط الأمريكي لإسرائيل.

وهنا نجد أن المفاوضات وحدها ورغم أهميتها، فإنها لن تُعيد الحقوق لأصحابها، وكلما تمسك الفريق الفلسطيني المفاوض بهذه المفاوضات، نجد إسرائيل تتجه نحو القيام بالمزيد من إجراءاتها الأمنية والعملياتية في الضفة والقدس كتكثيف عمليات الاعتقال، تشجيع اليهود على فرض أمر واقع في المسجد الأقصى، تكثيف الاستيطان، زيادة الحواجز والمناطق الأمنية، مطالبة أجهزة السلطة بمزيد من التنسيق الأمني، ولا نستبعد قيام إسرائيل بضم بعض المناطق الفلسطينية لها، ناهيك عن استمرار الحصار البري والبحري والجوي الخانق لقطاع غزة.

وهذا يجعلنا نسأل، إلى متى ستظل تلك المفاوضات دون تحقيق أي جدوى؟ وهل نحن بحاجة إلى تغيير حتمي لوجوه الفريق المفاوض الذي طال وجوده على طاولة المفاوضات دون إحداث اختراق حقيقي للتفاوض يأتي بحقوق الشعب الفلسطيني؟ وهل سيظل التمسك بالمفاوضات الخيار الاستراتيجي الوحيد دون التوجه نحو خيار المقاومة بكل أشكالها وفي مقدمتها المقاومة المسلحة؟ ألا يكفي اعتبار أفعال المقاومة الفلسطينية بأنها عبثية ولا تخدم القضية الفلسطينية دون تقديم بديلاً واضحاً لفشل هذه المفاوضات؟

وفي الجانب الآخر نجد هناك مقاومة فلسطينية على الرغم من أهميتها في دحر الاحتلال الإسرائيلي عن الأراضي الفلسطينية المحتلة، باعتبارها ضرورة حتمية كون الاحتلال لا يعرف إلا لغة القوة لاسترداد الحقوق الفلسطينية المشروعة، إلا أنها في تشكل عبئاً اقتصادياً وسياسياً على الشعب الفلسطيني، وذلك بالنظر إلى مبدأ الربح والخسارة الذي يجنيه الشعب الفلسطيني، حيث لا يوجد مشروع مقاومة منظم وواضح المعالم تسلكه فصائل المقاومة الفلسطينية للوصول إلى التحرير وإقامة الدولة الفلسطينية، ويتضمن أيضاً توفير أدوات الصمود وتهيئة المواطن الفلسطيني لمواجهة الإجراءات الاحتلالية سواء من الناحية الاقتصادية أو السياسية على اعتبار أن المواطن الفلسطيني هو أساس هذه المعركة ووقودها، لذا لابد من أن تكون هناك مقومات الصمود معلومة والخطط البديلة مطروحة حتى لا تفقد المقاومة زخمها وأهميتها.

فعلى سبيل المثال وبالنظر إلى عملية خطف المستوطنين الثلاثة في الخليل، صحيحاً أن مثل هذه العمليات ضروري ولا بد منها لكي يعرف الاحتلال أنه ليس الوحيد في أرض فلسطين بل يوجد هناك من يدافع ويقاوم من أجلها، واعتبار أن العمل المقاوم حق أصيل للشعب الفلسطيني يستمد شرعيته من كافة القوانين والشرائع الوطنية والدولية طالما أن الاحتلال باقي على أرضنا. ولكن مقابل هذه العملية قامت إسرائيل بحصار خانق لمدينة الخليل من اعتقالات طالت النخب السياسية والقيادية لحركة حماس وإغلاق جميع المؤسسات والجمعيات التابعة لها، كما قامت بإعادة اعتقال أسرى مفرج عنهم في صفقة الجندي “شاليط”، ناهيك عن الوضع الاقتصادي السيئ الذي يعيشه مواطنين مدينة الخليل، حيث تقدر خسائر الخليل يومياً نتيجة لاعتداءات الاحتلال عليها بـ12 مليون دولار، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل طال أيضاً قطاع غزة من قصف للمقرات والمواقع الأمنية هناك، خاصة وأن الشعب الفلسطيني كان مقبلاً على انفراجة حقيقية توجت بالمصالحة وتشكيل حكومة التوافق الوطني، والتي طالما انتظرها أبناء شعبنا في الضفة وقطاع غزه الذي لم يسترح ولو قليلاً نتيجة الهجمات والاعتداءات الإسرائيلية علية من ناحية، وما يعانيه الداخل الفلسطيني من انقسام جغرافي وخلاف سياسي وميداني في إدارة قضيتنا الفلسطينية.

وأرجو أن لا يفهم بأننا ضد عملية الخطف، بل نحن نتحدث عن ضرورة وجود آلية وتنسيق يفترض توفرهما عند قيادة العمل الوطني على المستوي السياسي والعسكري حال الإقدام على مثل هذه العمليات، خاصة وأن التيارات الفلسطينية تتحدث عن أهمية الوحدة الوطنية الفلسطينية، وإعادة  بناء منظمة التحرير الفلسطينية لتعبر عن الكل الفلسطيني في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، والتي كان أخرها تشكيل حكومة الوفاق الوطني تمثل كافة الفلسطينيين كنتيجة لتحقيق المصالحة الفلسطينية، ولا أن ينحصر هذا التنسيق فقط في كيفية صرف رواتب موظفين قطاع غزة – رغم أهميته الملحة –  وكان الأولى وجود آلية وتنسيق في مختلف القضايا، ولعل أهمها كيفية إدارة المعركة مع العدو الإسرائيلي.

وهذا يقودنا إلى السؤال أيضاً، ما هو مشروع المقاومة المتبع لتحرير الأرض الفلسطينية؟، وكيف نحمي هذا المشروع من الانحسار؟ وهل نحن بحاجة إلى تغيير في قيادة العمل المقاوم التي ما زالت متمسكة بوجودها في التنظيمات الفلسطينية المقاومة دون السماح لغيراها من إتباع طريقة أخرى للعمل المقاوم الحقيقي يحقق الهدف المرجو دون دخول الشعب الفلسطيني في تناقضات وتأويلات حول أهمية العمل المقاوم من عدمه؟ ألا يكفي تخوين الفريق الفلسطيني المفاوض بالخيانة والتنازل عن الثوابت دون تقديم مشروع مقاومة واضح بديلاً للمفاوضات؟.

وبناءاً على ما سبق نقول، نحن نحتاج إلى إحداث تغيير حقيقي وجاد في الطريقة التي نتعامل فيها مع الاحتلال سواء في كيفية التفاوض أو حتى في أسلوب المقاومة. فالقضية الفلسطينية تحتاج إلى قيادة  فلسطينية تعي متى تفاوض ومتى تتجه إلى المقاومة، لا أن تصدر تصريحات بأننا مع المفاوضات وفي النهاية  نكتشف أنها دون جدوى، ويستمر الفريق المفاوض في الحديث لأيام وشهور عن تحميل الاحتلال المسؤولية الكاملة لفشل تلك المفاوضات، كما يقوم الفريق الفلسطيني الثاني- فريق المقاومة- في إقناع الشعب الفلسطيني بأن الفريق المفاوض يتجه نحو التنازل عن الثوابت الوطنية، وبالأخير تستمر إسرائيل في تهويد القدس، وتوسيع الاستيطان، واعتقال متزايد للمواطنين الفلسطينيين وحصار لقطاع غزة، وجدار فاصل في الضفة ….. إلخ. وبالمقابل لا ندعي بأننا أهل المقاومة وجاهزين لإعطاء الاحتلال درساً لن ينساه في حال أي عدوان يقوم به ضدنا، وفي النهاية نجد أن الشعب الفلسطيني هو الذي يتعلم هذا الدرس وليس الاحتلال.

لذلك فإن المشكلة الحقيقة التي ما زلنا نقع فيها هي غياب رؤية استراتيجية حقيقية عند القيادة الفلسطينية- سلطة وتنظيمات – في كيفية إدارة الوضع الفلسطيني، بحيث نتمكن من خلالها معرفة ما سوف ينتهي به المشروع الوطني الفلسطيني. الأمر الذي يتطلب نضوجاً سياسياً وحرصاً وطنياً لدى الجميع، وخاصة عند الفريقين الأكبر في الساحة الفلسطينية فتح وحماس. وهذا يقتضي من جانب، تفعيل حقيقي لدور منظمة التحرير الفلسطينية عبر مؤسساتها وفصائلها، بالإضافة إلى مشاركة الفصائل الأخرى لإعادة الاعتبار لهذه المنظمة، بحيث تعبر عن الكل الفلسطيني، والاتفاق مع الدول العربية ذات التأثير والعلاقة المباشرة وغير المباشرة وذات الثقل في الضغط على الإدارة الأمريكية وإجبارها على إلزام دولة الاحتلال بالاتفاقيات الموقعة والوصول إلى تسوية نهائية للقضية الفلسطينية، واستغلال الوضع القانوني لدولة فلسطين والانضمام للمعاهدات والاتفاقات الدولية والتعامل على أساس دولة تخضع للاحتلال، وما يترتب على ذلك من إجراءات وفقا لاتفاقيات جنيف الأربعة والبروتوكولين الإضافيين، والتعامل وفقا لمسمى الدولة وحقوقها المقرة في أنظمة الأمم المتحدة.

ومن جانب آخر، الاتفاق الفلسطيني على نوع ومكان وزمان العمل المقاوم ضد الاحتلال الإسرائيلي، مع الاتفاق العربي على تقديم الدعم المادي والسياسي اللازمين لصمود الشعب الفلسطيني وقيادته السياسية في مواجهة الآثار المترتبة نتيجة التوجه نحو العمل المقاوم في حال فشل المفاوضات أو تعثرها أو عدم قيام إسرائيل بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه في هذه المفاوضات.

وبالتالي ما الذي يمنعنا أن ننفذ ما سبق ونواجه الاحتلال متحدين وملتفين حول استراتيجية واضحة تُرضي عموم الشعب الفلسطيني، ولا تجعله يفقد الثقة في المفاوضات والمقاومة معاً. وخلافاً لهذا نكون بصدد حسابات أخري لكل طرف فلسطيني بعيداً عن المصلحة الوطنية الفلسطينية، وعندها نسأل الله العفو والعافية….