البرلمان الكندي يفتح ملف الاغتصاب و اضطهاد الأقليات الدينية خلال الحرب الدائرة في سوريا

 

التصنيف : سياسة وأخبار (:::)
أوتاوا، كندا:
عقدت لجنة حقوق الإنسان الدولية المنبثقة عن اللجنة الدائمة للشئون الخارجية والتطور الدولي في البرلمان الكندي جلستها الرابعة والعشرين يوم الخميس الماضي، الأول من أيار/مايو الجاري، لبحث ملف جرائم العنف الجنسي واضطهاد الأقليات الدينية خلال الحرب الدائرة في سوريا منذ ثلاث سنوات. خُصِّصت الجلسة، التي امتدت ساعة كاملة، لسماع شهادة الدكتور حلمي الزواتي، أستاذ القانون الجنائي الدولي ورئيس اللجنة الدولية للدفاع عن ضحايا العنف الجنسي خلال النزاعات المسلحة، والتي تحدث فيها عن جريمة الاغتصاب كسلاح سياسي في الحرب الأهلية الدائرة رحاها في سوريا منذ ثلاث سنوات. ومن الجدير بالذكر أن الدكتور الزواتي قد ألقى في السادس والعشرين من شهر آذار الماضي كلمة أمام اللجنة البرلمانية الخاصة بمناهضة جرائم إبادة الجنس البشري وجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب في البرلمان الكندي، حيث أكد على إمكانية ملاحقة مرتكبي جرائم العنف الجنسي خلال الحرب الأهلية في سوريا أمام المحاكم الجنائية الكندية تحت قانون “جرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب” الكندي الذي أصدره البرلمان عام 2000 في أعقاب تصديق كندا على ميثاق روما الخاص بإنشاء المحكمة الجنائية الدولية. وبموجب هذا القانون أصبحت المحاكم الكندية قادرة على ملاحقة مرتكبي هذه الجرائم عند وصولهم إلى الأراضي الكندية. وبذلك لن تكون كندا ملاذا آمنا لمن ولغوا في دماء وأعراض شعوبهم، سواء بارتكاب الجريمة أو بالمساعدة على ارتكابها أو بالحض عليها.
استهل الدكتور الزواتي حديثه مؤكدا على أهمية مناقشة ملف جرائم الاغتصاب في سوريا في البرلمان الكندي لسببين رئيسين: أولهما فشل المجتمع الدولي ممثلا بمجلس الأمن باتخاذ قرار ملزم يدين مرتكبي هذه الجرائم أيا كانوا، ويوقف نزيف الدم والدمار الذي حل بسوريا على مدى الأعوام الثلاثة الماضية. وقال الدكتور الزواتي: إنني أحس بالخجل أمام الضحايا من قدرة مجلس الأمن على اتخاذ قرار في أقل من يومين لتجريد النظام السوري من سلاحه الكيماوي بينما فشل في اتخاذ قرار على مدى ثلاث سنوات لوقف الحرب والاغتصاب في سوريا. إن إحساس الضحايا بالعدالة قد أصيب في مقتل حيث تمكن المجتمع الدولي من النفاذ إلى العمق السوري للكشف عن مستودعات الأسلحة الكيماوية السورية، ولكنه عجز عن فك الحصار عن القرى والبلدات السورية التي تعاني من الجوع والخوف والقتل الممنهج بالبراميل المتفجرة أو بأسلحة الجماعات المسلحة المتطرفة.
والسبب الثاني هو أن الاغتصاب في سوريا جريمة بشعة ذات خصوصية تتعدى العدوان البدني على أجساد الضحايا، بل ينفذ إلى كينونتهم الإنسانية ويمزق أواصر الترابط العائلي تاركا وراءه ضحايا تواجه الموت اليومي البطيء إما خلف قضبان السجون أو في مخيمات اللجوء. وعليه فإن اغتصاب المرأة السورية هو الحكم عليها فعليا بالموت العضوي والنفسي والاجتماعي، حيث تعرض بعض الضحايا إلى القتل بدعوى الحفاظ على “شرف العائلة” أو قامت الضحايا بالانتحار تخلصا من وصمة العار المصاحبة للجريمة. وفي أحسن الأحوال يتم نبذ الضحايا في المجتمعات الصغيرة وتفويت الفرصة على البكور منهن في الزواج لفقدهن عذريتهن قبل الزواج، وإن كان رغما عنهن في ظروف الحرب المأساوية.
لقد أكد الدكتور الزواتي لأعضاء لجنة حقوق الإنسان أن ثقافة الاغتصاب والعنف الجنسي خلال الحرب غريبة عن المجتمع العربي السوري والمجتمع المسلم بعامة. إن سوريا التي تتكون من مزيج متجانس من عدة قوميات وأديان قل نظيره في دولة أخرى عاشت في وئام تام وسلام اجتماعي قبل اندلاع الاحتجاجات السلمية في آذار/مارس الماضي عام 2011، والتي تحولت فيما بعد إلى حرب أهلية بعد شهور قليلة، وأخيرا إلى حرب طائفية حصدت أرواح ما لا يقل عن مائتي ألف سوري جلهم من المدنيين العزل. كما شردت ما لا يقل عن ستة ملايين داخل سوريا وثلاثة ملايين إلى مخيمات اللجوء في الدول المجاورة، هربا من القتل والاغتصاب؛ تلك الجرائم الدخيلة على المجتمع السوري العربي والمسلم.
كما وضح الدكتور الزواتي أن ارتكاب هذه الجرائم البشعة تم بدوافع سياسية لإذلال الخصوم أو انتزاع معلومات منهم. وهي جرائم حرمها الإسلام وعاقب مرتكبيها سواء في حالة السلم أوحالة الحرب، حيث اعتبرها من الكبائر، أي من جرائم الحدود ضمن حد الحرابة. ويرى عدد من الفقهاء والمفسرين، ومنهم مجاهد، أن الاغتصاب في الحرب هو نوع من الفساد في الأرض يعاقب فاعله بناء على عناصر الجريمة وحالة الجاني المدنية إن كان عازبا أو محصنا. كما أن حماية الأعراض تقع ضمن مقصدين من مقاصد الشريعة التي صانها الشرع بالحدود ولا تستقيم الحياة بدونها، وهما حفظ النفس و حفظ النسل.
وأضاف الدكتور الزواتي أن جرائم العنف الجنسي خلال الحرب الدائرة في سوريا قد ارتكبت من معظم أطراف النزاع المسلح بنسب متفاوتة ولأسباب متعددة، ولكن معظم هذه الجرائم، كما ذكر تقرير منظمة “نساء تحت الحصار”، قد ارتكبت من قبل مسلحين تابعين للحكومة أو المليشيات المساندة لها. لقد أفرزت هذه الحرب أنواعا جديدة غير مألوفة من جرائم العنف الجنسي التي لم تدرج ضمن جرائم الحرب أو جرائم ضد الإنسانية المذكورة في المادتين السابعة والثامنة من ميثاق روما. ومن هذه الجرائم الجنسية زواج الاستمتاع، وجهاد النكاح المزعوم والمثير للجدل، والزواج التعسفي، ومنه الزواج القسري، و الزواج الوقائي، وزواج ستر العار.
وفي ظل مؤامرة الصمت العالمية عما يدور في سوريا من مذابح بشعة وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، و بسبب فشل المجتمع الدولي الذريع ممثلا بمجلس الأمن في وقف نزيف الدم والدمار الذي يتعرض له الشعب السوري بصورة ممنهجة، اختتم الدكتور الزواتي شهادته مهيبا بالحكومة الكندية على المشاركة في التوجه الدولي للقضاء على ثقافة الفرار من العقاب، وذلك بالعمل على مساعدة الضحايا على تقديم دعاوى ضد مرتكبي جرائم الاغتصاب أمام المحاكم الكندية، وتقديم المزيد من العون المادي والمعنوي وفتح أبواب كندا للاجئين السوريين وخاصة ضحايا العنف الجنسي وتقديم العلاج اللازم لهم.
كما توجه لأعضاء البرلمان، المشرعين الكنديين، بالدعوة لتعديل قانون “حصانة موظفي الدولة” الصادر عام 1982، وذلك بإدراج جرائم الحرب وإبادة الجنس البشري وجرائم ضد الإنسانية، ومنها الاغتصاب في الحرب ضمن الجرائم التي لا حصانة لمرتكبيها تحت هذا القانون. وإذا ما صدر قرار المحكمة الكندية العليا في وقت قريب لصالح قضية زهرة كاظمي، التي اعتقلت قبل سنوات في طهران وتم الاعتداء عليها جنسيا في مركز التحقيق ومن ثم تعذيبها حتى الموت حسب تقرير “المركز الكندي للعدالة الدولية”، فإن انفراجا كبيرا سيدفع باتجاه تعديل هذا القانون، ويكون ذلك انتصارا للعدالة وخطوة فعالة للحد من هذه الجرائم البشعة!

شرح الصورة المرفقة:
الدكتور حلمي الزواتي متحدثا أمام لجنة حقوق الإنسان في البرلمان الكندي