الديمقراطيون» واستعادة أصوات الأقليات!

 
التصنيف : الولايات المتحدة الامريكية (:::)

جيمس زغبي – واشنطن (:::)

في انتخابات التجديد النصفي المزمع عقدها في نوفمبر المقبل، سينصب تركيز الحزب الديمقراطي على استعادة الفوز بمناصب الحكام والمقاعد التشريعية في ولايات ويسكونسن وميتشيجان وأوهايو وبنسلفانيا.

وقد خسر الديمقراطيون في هذه الولايات المهمة في عام 2010، وهو ما منح الجمهوريين فرصة لإحداث تغييرات واسعة النطاق في البرامج والامتيازات والقوانين التي كانت تقدم على مدار أجيال ضمانة اقتصادية للطبقة الوسطى.

وفي حين يناقش الديمقراطيون في الوقت الراهن استراتيجياتهم الانتخابية لعام 2014، يكاد لا يمر أسبوع من دون نشر مقال في وسيلة إعلامية مرموقة يقدم النصح بشأن ما يجب أن يفعله الحزب لاستعادة الأرض المفقودة في هذه الولايات التي تعتبر عادة مهداً لمعارك حاسمة.
ويسعى بعض الديمقراطيين جاهدين إلى التأكيد على زيادة مشاركة الناخبين بين التجمعات الانتخابية التي أصبحت محوراً جديداً في التصويت للحزب، والتي تتمثل في الشباب والأميركيين الأفارقة وذوي الأصول اللاتينية والآسيوية والنساء من المثقفات والعاملين.

ويبرر هؤلاء الديمقراطيون مسعاهم بأن هذه الطريقة آتت أكلها مع الرئيس باراك أوباما في انتخابات عامي 2008 و2012، ولكن على رغم أنه فاز في تلك الولايات في عامي الانتخابات الرئاسية، إلا أن هذا لا يعني بصورة تلقائية أن الديمقراطيين سيفوزون فيها في غير الانتخابات الرئاسية.
ويعزى ذلك إلى أن السباقات الانتخابية الوطنية تحشد ناخبين أصحاب توجهات مختلفة مقارنة بالانتخابات المحلية، ولذا لا يمكن افتراض أن أولئك الذين صوتوا لأوباما سيصوتون حتماً للحزب الديمقراطي، أو يصوتون من الأساس في انتخابات شديدة المحلية. ولكن ما هو مفقود في هذه الاستراتيجية هو أنها تمنح متنفساً لمجموعة أساسية من الناخبين تجاهلها الديمقراطيون على مدار عقود.

وتشير إحصاءات عام 2010 إلى أن ما يربو على ثلث سكان ولايات ويسكونسن وميتشيجان وأوهايو وبنسلفانيا هم من المهاجرين أو هم منحدرون من آباء مهاجرين من دول البحر المتوسط وأوروبا. ولا يزال كثير من هؤلاء الناخبين يحتفظون بروابط قوية بتراثهم وينتمون إلى منظمات إثنية وكنائس، كما أنهم يتواصلون عبر وسائل إعلام ترتبط بإثنياتهم (عِرقياتهم)، ولكثير منهم جذور عميقة في الحركة العمالية والحزب الديمقراطي.
وقبل عقد مضى، استناداً إلى استطلاع للرأي أجراه شقيقي جون زغبي، كتبت مقالاً بعنوان: «ما يعتقده الأميركيون الإثنيون حقيقة»، وتوصلنا إلى أن هؤلاء الناخبين الإثنيين ذوي الأصول والعرقيات المختلفة يؤمنون بقيم تقدمية وتقليدية في آن واحد، فهي تقدمية في دور الحكومة في التعليم العام والرعاية الصحية والضمان الاجتماعي وحماية الحد الأدنى للأجور ومعايير العمل، ولكنها في الوقت ذاته، تقليدية في ارتباطها بأسرهم ومجتمعاتهم.
وكان هؤلاء الناخبون الإثنيون يمثلون جوهر الدوائر الانتخابية للحزب الديمقراطي، ولكن بمرور الوقت، توقف الحزب عن التحدث إليهم وتوجيه رسالته من أجلهم، ونتيجة لذلك خسر الديمقراطيون تأييدهم. وقد بدا لي ذلك الانقطاع واضحاً تماماً على هامش مؤتمر انتخابي في عام 1984 كثيراً ما تحدثت عنه في الأعوام اللاحقة، وكانت قد عقدته مؤسسة «جالا» الأميركية الإيطالية الوطنية في واشنطن العاصمة، تناولت خطابين لوالتر مونديل ورونالد ريجان.

وتحدث مونديل بداية، وتضمن خطابه تسعة فواصل تصفيق، جاء معظمها عندما ذكر اسم رفيقه في المنافسة جيرالدين فيرارو، وتضمن باقي خطابه قضايا وتعهدات مثل: «أنا نصير المعلمين والاتحادات».

وجاء خطاب رونالد ريجان تالياً، وبعد برهة بدأ حديثه على النحو التالي: «إن جدتي، مثل بقية جداتكم، جاءت إلى هذه الدولة لا تحمل معها سوى آمال وأحلام، وبذلت قصارى جهدها، مؤمنة بالوعد الأميركي بأنه يوماً ما يمكن أن يخوض شخص ينتمي لها سباق رئاسة هذه الدولة العظيمة، وأقف اليوم بين أيديكم مستفيداً من عملها الجاد وساعياً لتحقيق أحلامها».

وقد خرجتُ من تلك الليلة مدركاً أن ريجان سيفوز بأصوات الإيطاليين، وحصل ذلك، وما يتعين أن يهتم به الديمقراطيون هنا هو أن خطاب ريجان كان مماثلاً لذلك الذي أدلى به الزعماء الديمقراطيون على مدار عقود. وقد أثار هذا الخطاب موضوعات مثل الأسرة والتراث والعمل الجاد والقيم والوعد الأميركي، وقدم جوهر الرسالة التي لطالما حملها الديمقراطيون.. ولكنه خسرها منذ ذلك الحين.

وفي واقع الأمر، كان لدى مونديل برنامج مخصص لضمان الأمان الاقتصادي للطبقة الوسطى والناخبين الإثنيين، ولكنه لم يتحدث لهم بلغة تظهر أنه يفهم هويتهم وقيمهم، وبمرور السنين لم تزدد الهوة بين الديمقراطيين والناخبين الإثنيين إلا اتساعاً.

وفي نوفمبر المقبل، ستسنح الفرصة مجدداً أمام الديمقراطيين كي يتواصلوا من جديد مع الناخبين الإثنيين ذوي العرقيات والأصول المختلفة ليفوزوا بدعمهم، مع استمرار مغازلتهم للجماعات الرئيسة الأخرى، فالمسألة ليست اختياراً بين الفريقين، ولاسيما أن إصلاح قوانين الهجرة وزيادة تغطية الرعاية الصحية وتوفير فرص العمل الجيدة وتعزيز حقوق المرأة للحصول على أجور وفرص متساوية، وتحسين التعليم العام وحماية حقوق العمال.. كلها قضايا تؤثر على حياة جميع الأميركيين.

ولكن من أجل الفوز، على الديمقراطيين أن يوسعوا نطاق مناشدتهم ويمددوا قاعدة دعهم عن طريق التحدث مباشرة للجماعات المهاجرة القديمة، إلى جانب المهاجرين الجدد، وإثنيات البيض والأميركيين الأفارقة واللاتينيين.

ويريد ذوو الأصول الأوروبية والمنحدرون من دول البحر المتوسط أن يحظوا بالاحترام والاهتمام، وفي ضوء ارتباطهم عبر كنائسهم ونواديهم ووسائل إعلامهم ليس من الصعب التواصل معهم.

وإذا توقف الديمقراطيون عن معاملة هؤلاء الناخبين الإثنيين كما لو أنهم كانوا جموعاً من الناخبين «البيض» غير محددي الهوية، وبدؤوا التحدث إليهم على أنهم من أصول أيرلندية وإيطالية وبولندية وأوكرانية وألمانية ولبنانية يتم الاحتفاء بتاريخهم وقيمهم التي يعتنقونها، فإنهم سيحظون بفرصة استعادة تأييدهم.

وقد كان الأوروبيون والمنحدرون من دول البحر الأبيض المتوسط ناخبين ديمقراطيين وما من سبب يحول دون استعادتهم مرة أخرى.