الزوجةُ والمطرُ

 

 

التصنيف : القصة (::)

بكر السباتين –  * (::::)

كنت منفعلاً بعض الشيء وأنا أستجمع ملكاتِ الكتابةِ لإستئناف تجربةِ الروايةِ التي بين يديَّ. فكل شيء كان مهيأ لذلك!
(سحب الدخان المنبعث من سيجارة رخيصة, سقط عقبها في مِنفضة الفخّار، وفنجان القهوة المحمص ــ الذي ما فتئتُ أتلمظ أنفاسَ العرّافاتِ من خلاله وهنَّ يستشرفْنَ مستقبلي البائس ــ وفزعة الأشياء في الخارج إزاء الرياح المتناوحة ، وصفيرها المدوي، وهدير شعلة ” بابور الكاز” المتخافت، وهو يحمِّص حبّة بطاطا أخذت تفرقع وكأنها في رأسي)…

ورغم ذلك ! ثمة ما ينغّص عليّ لحظات التخاطر مع الوحي هذه!
وكأنه علي أن اصمت فقط ..! وإلا فكل ما أكتبه تجاوزات !
ما العمل إذن …؟!.
كان بوسع زوجتي رصد ما يجول في أعماقي، حتى وهي منشغلة بحياكة ثوب والدتي المطرز .

وبغتة .. !

تساقط المطر بعد طول جفاف، فدب الصمت في الغرفة إزاء هيبة هذا القادم العظيم ، والذي جعل نقرُهُ على السقفِ الخشبيِّ المغطى بالصاج، يعيد الحياة إلى الحرية في أعماقي .
إقتربت زوجتي من النافذة .. كادت تفتحها لتأخذ هذا العزيز القادم بالأحضان .. ابتسمت تحمد الله بحبورٍ وانسجام، ثم استدارت تخاطبني بعينيها، تأملتني مليًا.. ثم اقتربت وعيناها تطوقان الأسطر التي شرَعْتُ في كتابتها بتجلٍّ عميقٍ آسر…

ها هم أبطال الحدث …!.

خرجوا من ذاكرتي هرولة إلى سطور الورقة البيضاء، أحبتّهم زوجتي،

قالت بحبور :
ــ رفقاً بهم …! أراك تَزُجُّ بهم في تجاربٍ مخيفةٍ !!.

أجبتها بانتباه :
ــ  سأدفعهم إلى ذلك المصير دفعًا كي يُتقنوا لعبةَ الحياةِ !.

شيٌ ما راح يعتمل في عقل زوجتي ، أتراه القلق !؟ إذ  زمَّت شفتيها ، وخرجت متبرمة ، فيما رُحْتُ أتساءل :

ــ ماذا سيكون عليه موقف السلطات إزاء هذه الرواية ؟!.

بعدها .. حملت قلبي بعيداً ومثلتُ دورَ الرقيبِ متدخلاً في أبطالِ الروايةِ، مسختُ الشخوصَ، دجنتهم بقسوة.. فأتوني مزيّفينَ مموَّهين!!
فما العمل إذن !؟.

لاشيء سوى تمزيق الأوراق وإلقائها في سلة المهملات.

فعلت ذلك آسفاً مطأطأ الرأس!!

لكن زوجتي وقعت على أشلائهم.. أخرجتهم فرادى.. نفضت عنهم غبار خوفي.. وساقتهم بعيداً عن الأجداث.. أعادت نسخ الأوراق بخط جميل، وكأنها تطرز ثوبَ أمي.. رصفت الطريق أمامي قطعة بعد قطعة.. ثم أينعت ابتساماتها العذبة كأنها عشتار سيدة الخصاب ولدتهم من جديد! فخرجوا من ورائها فرساناً كنقر المطر، وقد تاقوا إلى قلمي، يطرقون رأسي.
أعظم بها من مفاجأة أخذت بيدي مع الطريق!!! فاحتواهم قلبي الواجف، وتركتهم أحراراً في مواجهةِ المصير بقلبٍ نابض فتي..
مازال المطر يروي ظمأ المدينة. ساعاتٌ طويلة من الاغتسال الروحيِّ، وخرير الماء يكاد يخترق الأرض، فيما انشغلت زوجتي بإعداد القهوةِ من جديد.
وكأنها ستجمع شخوص روايتي على فنجان قهوة يجمعنا تحت المطر.
*فلسطيني من(الأردن)

رابط المؤلف:

http://www.bakeralsabatean.com/cms/component/option,com_frontpage/Itemid,1/