قتلٌ.. والخلفية شرف العائلة!!

التصنيف : الجريمة (:::)

بقلم/ أيمن تيسير دلول – فلسطين المحتلة (:::)

في الأراضي الفلسطينية عادةً ما بتنا نُفجع بين فترة وأخرى بجريمة قتل تحدث بحق أنثى، ونتألم بشدة حينما نعرف ظروف عملية القتل وبشاعتها، بل إن مما يزيد الألم لدينا معرفة أن القاتل من أقرب المقربين لها، وتذرع بأن السبب من وراء قتل أخته أو زوجته وربما قريبته “الحفاظ على شرف العائلة” بعدما دنسته تلك المرأة!!، ولعل هذه الذريعة- أقصد القتل- كفيلة وحدها بإحداث العديد من المشاكل لتلك العائلة مستقبلاً “هذا على فرض أن الأنثى قد ارتكبت الجُرم المعروف بالزنا”، لكن في الأصل أن القتل قد يكون لخلفيات أخرى غير الشرف ويتم إلصاق هذه التهمة بصاحبته لنيل الجاني عقوبة مخففة من قبل القضاء الفلسطيني لا تتخطى في أحسن الأحوال أربعة وعشرين شهرا!!.

ما من شك أن الإحصائيات التي تمكنتُ من الوصول إليها حول هذه القضية مُقلقة جدا، فقد بلغت الحالات الموثقة لدى منتدى المنظمات الأهلية الفلسطينية لمناهضة العنف ضد المرأة لعام 2007م ما مجموعه 58 حالة قتل لفتيات ونساء في الضفة الغربية وقطاع غزة؛ وأن ومن بين مجموع الحالات كانت 26 حالة، منها 10 حالات في الضفة الغربية و16 حالة في قطاع غزة؛ قد وثقت رسميًا على أنها قتل على خلفية ما يسمى “الشرف”. كما تبين أن العدد الأكبر من الضحايا في العقد الثاني من العمر، وغير متزوجات وتبين أن الجناة الرئيسيون هم أخوة الضحايا غالبًا.

وفي العام 2012 فقد تم وفق مؤسسات حقوقية رصد ثلاثة عشر حالة قتل للنساء في الضفة الغربية وقطاع غزة، وارتفعت النسبة في العام 2013 إلى 26 حالة، وبحسب تلك المراكز والمؤسسات فمنذ مطلع العام الحالي 2014 وصلت إلى 27 حالة قتل بحق نساء وفتيات حتى الآن.

إذا استمر الوضع على حاله، فنحن ننحدر نحو الهاوية بجدارة، ونُدير ظهرنا بكل تأكيد لنداء ربنا سبحانه وتعالى الذي يقول في الآية الثانية والتسعين من سورة النساء: {ومن يقتل مؤمنا متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعدَّ له عذاباً عظيماً}، ولا أستبعد مطلقاً أن يكون انحباس الغيث من السماء وضيق ذات اليد في المال والرزق واستباحة الأعداء لأرضنا وبلادنا سببه استسهال القتل من قبل بعض العائلات الفلسطينية.

وأعود بذاكرتي إلى الوراء عدة أعوام، حيث فُجع المجتمع الفلسطيني بنبأ قتل امرأة على خلفية “شرف العائلة” من قبل والدها، وقد كانت عملية القتل بواسطة عصب عنقها بأسلاك حديدية وتعذيبها عذابا شديدا، ولم يتم مشاهدة تلك المرأة تفعل الفاحشة من قبل أربعة شهود!!. وتدور الأيام، وخلال العام الماضي 2013م تم القبض على ذلك الرجل بين أحضان سكرتيرته الخاصة، ومرت الأمور كما قال ذلك الشخص: “على خير وسلام..”، فهل بعد ذلك يأتي أحد من الناس ليقنعني بأن عملية القتل تمت حفاظاً من جانبه على شرف العائلة!!.

ولما لجريمة الزنا من أثر شديد الخطورة، سواء كان ذلك في حالة وقوعها في المجتمع أو بفعل إيقاع العقوبة على مرتكبها من أشخاص غير مخولين بذلك، فقد حرص الإسلام- الذي تنكب عنه الكثيرون هذه الأيام- أشد الحرص لدى تنفيذ حدها على النسيج المجتمعي. وفي حال القتل على هذه الخلفية التي تجري في الأراضي الفلسطينية فالغالب أن العملية ليست تطبيقا لشرع أو دين- حتى وإن كان من قبل شخص غير مخول بذلك، فتنفيذ الأحكام الشرعية يكون من حاكم البلد أو نائبه وليس أي شخص- ودليل ذلك:

– أن من يقتل النساء في مجتمعنا لا يفعل الأمر نفسه فيما لو زنى أحد أبنائه أو إخوانه، وهذا يشبه فعل أهل الجاهلية، فقد أباحوا لأنفسهم الزنا دون نسائهم، وهذا الصنف تثور حميتهم عندما تفعل نساؤهم المنكر، لكن لا يكون عندهم حمية لدينهم فيما لو فعل أحد أبنائهم أو إخوانهم الأمر نفسه، بل قد يفتخر بعض الآباء بمنكر ولده، تماما كالذي يُشعل حربا ضروسا مع عائلة أخرى إذا سب أحدهم والده بينما لا تهتز له شعرة إن سمع أحدهم يكفر باسم الله جهارا نهارا.
– أن من يقوم بقتل النساء يكون قد تركها دون تربية أو توجيه أو تثقيف طوال حياتها، ثم إذا فعلت الفاحشة أظهر رجولته التي ضيعها من البداية وانتقم لفحولته التي خدشها ضياع شرفه بفعل المنكر من أخته أو زوجته، ولم يجد سبيلا إلا قتلها، والمثل يقول “من زرع حصد”، وتأكيدا أن المزارع الذي يزرع أرضه بالقمح فلن تُنبت برتقال!!.

– إن عملية القتل التي تتم في بلادنا تكون ليس فقط على فاحشة الزنا، وربما لمجرد المحادثة أو التعارف المحرم والذي ليس له حد في الشرع بالقتل، وربما لمجرد أحدهم نقل معلومة مغلوطة للعائلة، فتعجلت الأمر وأزهقت روحا بشرية دون تثبت أو تحقق، وفي دراسة لعمليات القتل التي جرت فقد أثبت الطب الشرعي أن من بين المقتولات من لا تزال بِكر ولم يمسسها أحد!!.

الإسلام والزنا
إن الإسلام أيها السادة- إن اتبعناه جيداً في أقوالنا وأفعالنا- كفيل بإيجاد الحلول المناسبة لكل مشاكلنا، ومنها اقتراف الزنا من قبل الرجل أو المرأة، فمن حيث المبدأ حرم وجرم قتل النفس البشرية بدون وجه حق، وفصل في مسألة عقوبة الزنا. فهناك الزاني المُحصن “أي المتزوج” وعقوبته القتل رجماً، وهناك الزاني غير المحصن “أي غير المتزوج” وعقوبته الجلد ولا يجوز قتله، أما عملية التنفيذ للحكم فلا يقوم بها إلا ولي الأمر كما قال العلماء أو نائبه، ولعل المغزى من ذلك هو التحقيق والتحقق من وقوع جريمة الزنا؛ لأنها جريمة ليست سهلة فمن خلالها تُحفظ أو تضيع حقوق الناس وتختلط أعراضهم.

وفي سبيل ذلك، فإنه في ديننا وإسلامنا، لا يجوز قذف المحصنات بالزنا، ولا يثبت الزنا إلا بشهادة أربعة رجال يرون واقعة الزنا رأي العين، ويرون الفرْج في الفرْج، أو باعتراف الزاني أو الزانية بغير إكراه. وما عدا ذلك فمن قذف امرأة مسلمة بالزنا فإنه يجلد ثمانين جلدة.

وبعد ذلك هل يستطيع أحد الناس الوقوف أمامي ويخبرني بأي حالة قتل على خلفية شرف العائلة تمت- من قبل جهة غير مكلفة- أي حالة من تلك الحالات قد شاهدها أربعة رجال مجتمعين أو بعد اعترافها دون إكراه!!.

إننا وقبل القتل للأنثى ينبغي علينا أن نربيها التربية الصالحة التي تحفظها من الانزلاق في هذا المستنقع الخطير، ونُزيل كل أسباب تشجيع السقوط، ونراقبها ونتابعها بشكل لا يثير ريبتها، لكن إن وقعت فالشرع والحاكم هو الذي يتكفل بتنفيذ القانون، أما القتل من الأهل فلا يجوز وهناك وسائل أخرى، ويكفي أن يقف الإنسان مع نفسه قبل التنفيذ وسؤالها: مَن مِن فتيات العائلة ستتزوج بعد وقوع الجريمة؟ ومن مِن شباب العائلة سيزوجه الناس؟ وهذه تساؤلات بسيطة. ثم ألا يمكن أن تجر عملية القتل الواحدة لجرائم أخرى معقدة؟ فعدم موافقة البعض على تزويج شباب العائلة أو الزواج من فتياتهم ألا يكون ذلك سبباً لسقوط أولئك الشباب والفتيات في وحل جرائم زنى أخرى إشباعا لرغباتهم الفسيولوجية؟؟.

أيها السادة لنعتبر من التاريخ: فخلال الثورة الجزائرية “أرض المليون شهيد لم يقتل عميل واحد”، والسبب ليس لأنه لا يوجد هناك عملاء، فكل بلد محتل يسقط فيه عملاء. ولكن لأنه كان في حال اكتشاف أحدهم يتم وضعه في الصفوف الأولى للقتال ليستشهد، وكذلك فإن عائلته وأولاده ترفع رأسها لأن ابنها شهيد وبالتالي يتم الحفاظ على نفسية ومستقبل العائلة، والتخلص من عميل خان البلاد من جهة أخرى.

لقد آن الأوان لنا جميعا سواء مجلس تشريعي أو قضاء فلسطيني أو مسئولون في هذه البلاد لإيجاد الجزاء المناسب لكل قاتل في بلادنا بغض النظر عن جريمته، ثم إننا كأفراد مجتمع آن الأوان لنرتقي بتفكيرنا في سبيل النهوض بواقعنا بعيدا عن دعاوى تذهب بنا لعصور جاهلية في التفكير.