ابتزاز كيري وديماغوجية ليبرمان

 

التصنيف : سياسة واخبار ::::

د. فايز رشيد – فلسطين المحتلة :::::

تعرّض جون كيري وزير الخارجية الأمريكي وما يزال إلى أعنف حملة نقد لاذع إسرائيلية, بسبب أنه خلال مؤتمر الأمن الذي عقد في ميونخ صرّح قائلاً:”إن المخاطر التي ستواجه إسارئيل مخاطر كثيرة في حالة فشل المفاوضات مع الفلسطينيين منوهاً إلى أن تفاقم ظاهرة المقاطعة لها هي إحدى سلبيات الفشل”.كان أول من هاجم كيري وزير الحرب الإسرائيلي موشيه يعالون الذي قال”بأن الوثيقة التي قدمها كيري للجانب الإسرائيلي والمتعلقة بالترتيبات الأمنية لا تساوي الحبر الذي كُتبت به”معتبراً أن كيري المسيحي الحالم والمهووس بمسيحيته  يسعى لنيل جائزة نوبل للسلام،وهذا ما يحركه ويدفعه لبذل هذه الجهود.يوفال شتاينتر وزير الشؤون الاستراتيجية صرّح قائلاً:”بأن كيري يسلك نهج المخلص المنتظر”.وزير إسرائيلي شبه كيري”بمن يوجه بندقية إلى رأس إسرائيل”.وزير آخر لم يُعلن اسمه ووفقاً لصحيفة يديعوت أحرونوت(الجمعة 7 فبراير الحالي)في اجتماع مغلق قال:”إن كيري ساذج ومهووس وهو يعاني من نقص حاد في فهم الوقائع في المنطقة ,ويريد أن ينال جائزة نوبل ولا تهمه المخاطرة بمصيرنا”.مسؤول من الليكود ووفقاً لذات الصحيفة ونفس العدد كشف : بأن تصريحات يعلون مقبولة لافتاً إلى أن الصوت هو صوت يعلون لكن الأفكار هي أفكار نتنياهو.لقد قال يعالون بصوت مرتفع ما كان يريد نتنياهو أن يقوله.لقد اتهم كيري من قبل نواب الكنيست بالعداء للسامية.هذه التهمة الجاهزة في إسرائيل لكن من يتعارض مع بعض وجهات نظر إسرائيل.هذا غيض من فيض الانتقادات الإسرائيلية الموجهة لكيري.

الغريب أن ردود الفعل الأمريكية على هذا الهجوم على كيري كان خجولاً وتضمن الدفاع عن وجهة نظر أمريكا , وتأكيد حرصها على إسرائيل(باعتبار أمريكا متهمة؟ّ!)فالناطقة باسم الخارجية الأمريكية ذكرت      أن سياسة واشنطن واضحة  في التصدي لأية محاولة لمقاطعة إسرائيل” مضيفة: أنه ليس من استراتيجية الولايات المتحدة استغلال دعاوى مقاطعة إسرائيل لدفعها لتقديم تنازلات مؤكدة: أن هذا غير صحيح وليس له أساس من الصحة.

إسرائيل ومثلما ابتزت وتبتز دولاً كثيرة على صعيد العالم ومنها ألمانيا بموضوع الهولوكوست فهي لا تزال تتلقى تعويضات عنه من هذه الدولة،فإنها تبتز الباحثين والكتّاب والمفكرين الذين يتعارضون مع سياساتها،ولذلك فهي تطبق نفس النهج في ابتزاز السياسيين والمسؤولين في الدول بما فيها الدول الحليفة،وذلك في سبيل الضغط عليهم لإظهار المزيد من الولاء للدولة الصهيونية.جون كيري من أخلص أصدقاء إسرائيل وهو يتبنى وجهة نظرها في التسوية مع بعض التعديلات الطفيفة, ليجعل من مقترحاته مقبولةً لدى الفلسطينيين والعرب،بشكل لا يؤثر على المقترحات الإسرائيلية , فمثلاً فإن خطة كيري تقوم على:اعتراف الفلسطينيين بإسرائيل كدولة يهودية،إقامة عاصمة لفلسطين في جزء من القدس الشرقية ( في الأحياء الجديدة للقدس الكبرى وتحديدا في منطقة أبو ديس ) ،حل مشكلة اللاجئين وفق رؤية الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون , بقاء الكتل الاستيطانية تحت سيطرة إسرائيل,استئجار المستوطنات الباقية, سيطرة إسرائيل على المعابر والأجواء،وجود قوات رباعية أمريكية-إسرائيلية-أوروبية-فلسطينية على الحدود وحقها في المطاردة الساخنة في الدولة الفلسطينية.هذه هي خطة كيري للتسوية وهي تتساوق بنسبة 90% مع الاشتراطات الإسرائيلية.رغم ذلك تجري حملة نقد لاذع على كيري وصولاً إلى اتهامه بالعداء للسامية ولإسرائيل.هذه هي طبيعة الكيان الصهيوني:مهاجمة المسؤول الغربي على طريق ابتزازه ليثبت المزيد من الولاء لإسرائيل.

محق الوزير الإسرائيلي الذي قال:بأن يعالون يعبر عن أفكار نتنياهو لأنه ومع التوجيه الذي أصدره رئيس الوزراء الصهيوني بوقف الانتقاد والحملة على كيري, فإن وزير الخارجية الأمريكي ما يزال يتعرض للهجوم من قبل مسؤولين سياسيين وعسكريين إسرائيليين،وهو ما يؤكد:أن نتنياهو هو الذي يقف وراء هذه الحملة على كيري.أما حول اضطراره لإصدار التوجيه بوقف الحملة فهو يتساوق مع طبيعة منصبه كرئيس لوزراء إسرائيل.

على صعيدٍ آخر،يحاول وزير الخارجية الصهيوني أفيغدور ليبرمان لملمة الوضع مع الولايات المتحدة،فقد أكد في خطاب له على أهمية الوصول إلى تسوية مع الفلسطينيين بجهود وزير الخارجية الأمريكي،الأمر الذي حدا بالناطقة الرسمية للخارجية الأمريكية”جون ساكي” للخروج بتصريح يمتدح ليبرمان ويثني على موافقه الجديدة . وأضافت الناطقة الأمريكية:إن خطاب ليبرمان هو إعلان ورسالة قوية وبخاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار موافقه التاريخية تجاه القضايا موضوع الحديث , لكن هذا لا يعني بأنه لم يعد هناك معارضين للعملية السلمية.

للعلم،فإن ليبرمان هو من أشد المعارضين للتسوية مع الفلسطينيين والعرب،ولقد هدد في الماضي بقصف السد العالي.لا هو ولا حزبه يعترفان بوجود الشعب الفلسطيني من الأساس. بالنسبة اليه : فلسطين من البحر إلى النهر هي”أرض إسرائيل التاريخية”والحل بالنسبة لليبرمان يتمثل في إقامة الفلسطينيين لدولتهم في الأردن،والذي هو في حقيقته  جزء من”أرض إسرائيل الكبرى”.ليبرمان هو من الفريق الأكثر تطرفاً في إسرائيل ضد الحقوق الفلسطينية . هو لا يعترف بأيٍّ من هذه الحقوق ,وهو يعارض إقامة دولة فلسطينية حتى منزوعة السلاح, فالضفة الغربية بالنسبة إليه هي”يهودا والسامرة”.ليبرمان هو الذي صرّح مراراً:بأنه في حالة عرض موضوع إقامة دولة فلسطينية على مجلس الوزراء الإسرائيلي الحالي, فسيفشل هذا الاقتراح , لأن الغالبية ضد نشوء مثل هذه الدولة.الفاشي ليبرمان يحاول إصلاح الحملة الإسرائيلية على كيري من خلال ذر الرماد في العيون ,لكنه مكشوف تماماً ومعروف حقده الكبير وكرهه الشديد للفلسطينيين والعرب.

البعض يحاول تصوير العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية بأنها تمر في طور الأزمة.هذا غير صحيح مطلقاً فلا الهجوم على كيري ولا على أوباما حتى يمكنها التأثير على العلاقات التحالفية بين البلدين.الهجوم على كيري في حقيقته يظل زوبعة في فنجان ليس إلاّ.