سّر القلق السعودي

 

التصنيف : اراء حرة  :::::::

بقلم :   رشاد أبو شاور – الاردن :::::::::

فجأة صدرت أوامر ملكية للسعوديين( المجاهدين) في سورية بالعودة إلى ( المملكة)، مع تسهيلات تقدمها سفارة السعودية في أنقره، بالترافق مع فتاوى تتفجّع على مصائر  (الشباب) السعودي الذين يُتاجر بهم!

غير بعيد عن القرارات والفتاوى السعودية،وزير الأمن الداخلي الأمريكي يبدي قلقه من إمكانية تسرّب الإرهاب إلى داخل أمريكا، التي لم تبرأ بعد من عقابيل 11 سبتمبر التي أودت ببرجي التجارة العالمية، وحصدت أرواح ألوف من تواجدوا فيهما..والتي سميت بغزوة نيويورك!

الأوربيون ربما أكثر قلقا من أمريكا، لقرب بلادهم من سورية، وللعدد الكبير من( المجاهدين) الأوربيين الشباب الذي انخرطوا في الحرب الدائرة على الأراضي السورية. الأوربيون سهّلوا توجه ( المجاهدين) إلى سورية، وزجوهم في أتون الجحيم السوري لسببين:

الأول: لكشفهم والتخلص منهم. ثانيا: ليسهموا في تأجيج نيران الحرب في سورية، بهدف إسقاط نظام الحكم، وتدمير وتفكيك سورية، تماما كما حدث في العراق. لكن، بالنسبة للسعودية، ولأمريكا، ودول أوربيه، استطالت الحرب، ولم تتفكك سورية، وجيشها يقاتل ويحرز مكاسب في الميدان، والمجاهدون تحولوا من القتال ضد النظام، ومحاولات تأجيج الحرب الأهلية الطائفية، إلى الاقتتال مع بعضهم، رغم ادعائهم جميعا بأنهم ( إسلاميون)، همهم نصرة الإسلام، ورفع رايته.

القرارات السعودية الملكية، والفتاوى الشرعية، والإغراءات بتسهيل العودة ( للمملكة)، والإجراءات الأوربية الرادعة بما فيها سحب الجنسية، والتحضيرات الأمريكية، لا تهدف أبدا لحقن الدم السوري، وإيقاف المخططات الجهنمية الرامية لتدمير سورية وتفكيكها، فالهدف( داخلي) بحت، ينطلق من المصلحة الخاصة، أي من الأمن الداخلي الذي يمكن أن يُستهدف من قبل ( المجاهدين) في سورية بعد عودتهم إلى ديار( الكفر) من وجهة نظرهم التي ازدادت تطرفا!

( المجاهدون) الذين زجت بهم السعودية بالألوف من( أبنائها) المساجين الذين أُفرج عنهم بالاتفاق معهم مقابل التوجه (للجهاد) في سورية، وتسهيل سفر المتحمسين( للجهاد) من الشباب التائه الضائع في المملكة، ناهيك عن حقن العقول بأفكار متطرفة تكفيرية معادية ( للآخر)، ليس المسيحي، أو اليهودي، ولكن المسلم، والمسلم ( الشيعي) تحديدا..وكل من لا ينتمي للمذهب ( الوهابي)..هل تعالج بمجرد تسهيل عودة من أرسلوا( للجهاد) ؟ هل سيعاد استيعابهم بسهولة، ام ستحولون إلى ( خميرة) تنضج العنف داخل المملكة؟!

الإعلان عن عقوبات ملكية تتراوح بين 3 سنوات و20 سنة لمن يشارك في القتال خارج المملكة _ هل المطلوب منه المشاركة في القتال داخل المملكة ؟! سؤالي ليس استفساريا، ولكن، كما يقال: حبكت معي! _ والمقصود: في سورية..وفتح أبواب السفارة في أنقرة للعودة مع العفو، يندرج تحت العنوان: إجراءات احترازية مما هو آت، وما هو آت سيكون ارتدادات للزلزال السوري الذي سيلحق أذى كبيرا بمن سلّحوا، ومولوا، وزجوا بألوف المغرر بهم، الذين لم يرتدعوا من دروس ما جرى في أفغانستان لمن سبقهم من( مجاهدين) بعضهم ما زال يرسف في القيود في غوانتانامو!.

هناك أنباء تتواتر من داخل ( المملكة) عن قلق يبديه أهالي من دُفع بهم إلى الجحيم السوري، فالناس يريدون أن يعرفوا مصائر أبنائهم، إن كانوا موتى، أو ( سجناء) لدى النظام في سورية، أم أحياء ما زالوا( يرزقون)!

لكن، مع أهمية أخذ قلق الأهالي بعين الاعتبار، فإن قلق السلطات السعودية مما هو آت هو السبب الرئيس في القرارات، والفتاوى التي تغطيها وتسبغ عليها طابعا (دينيا). المعركة طالت في سورية، والخسائر في صفوف ( المجاهدين) كبيرة، وأمل المخططين، والممولين، والمُسلحين، خبا ويكاد يضمحل، لأن سورية البلد، رغم هول الخسائر، والدمار، لم تتفكك كشعب، وجيش، ولم ينجح مخطط ( التطويف) لتفجيرها.

لا شفقة في قلوب المتحالفين الذين يخوضون الحرب على سورية، وفي المقدمة أمريكا، التي اتخذ كنغرسها قبل ايّام قرارا بتسليح المعارضة بأسلحة غير استرتيجية، بالضبط أثناء انعقاد مؤتمر جنيف 2 ويا للعجب، والأسلحة الموصى بها غير فتاكة، فهي بنادق، ورشاشات بأنواعها، وقذائف مضادة للدبابات..وهذه كلها أسلحة تمسّد على أجساد السوريين برقّة، ولا تخترق صدورهم وقلوبهم..وهي لا تطيل أمد الحرب التدميرية!

في سورية جرى ما لا يحتاج لطويل شرح وتفسير، وتقديم براهين: حراك شعبي تمت سرقته، وحرفه من حراك سلمي مطالبي محّق ليتحوّل إلى قتال، وتدفق ألوف ( المجاهدين) بأمرائهم، وراياتهم، واختلافاتهم على ( نوعية ) الدولة الإسلامية: أهي دولة خلافة، أم دولة ( إسلامية بدون خليفة! من مولوا وسلحوا وحرفوا عرفوا منذ البداية ما يقترفون، فمشروع أمراء الجهاد وأتباعهم، من قاعديين، وغير قاعديين، لن يؤدي إلى الهيمنة على السلطة في سورية، ولكنه سينجح في تدمير سورية، وإلحاقها بالعراق، لتغرق في زمن ظلمات سيمتد لعقود، مع ما يجره ذلك على الوطن العربي كله. الديمقراطية المصدّرة من السعودية، وقبلها قطر، وتركيا، وبتوجيه أمريكي، وذيليّة بريطانية وفرنسية، رأيناها من قبل في العراق، وما زالت ( نعمها) تغمر شعب العراق، وتفيض عليه!..وهي في سورية تبز ما دبّر في العراق، وما صُدّر إليها من دول التحالف( أصدقاء سورية).

هدفان لا يخفيان لحرب تدمير سورية: الأول: هي حرب على إيران( غير مباشرة)! الثاني: تكريس سيادة أمريكا على ( المنطقة) العربية، وإغلاقها في وجه الروس، والصينيين، وتحقيق هدف استراتيجي أمريكي: سيطرة( إسرائيل) على ( المنطقة)، وتصفية القضية الفلسطينية.

هذا التحالف افتضح أمره أمام الشعب السوري، فلم تعد تنطلي عليه الأكاذيب، فمن لا ديمقراطية في بلدانهم، لا سيما المملكة، لا يمكن أن يصدروها إلى سورية، ومن ينحازون( لإسرائيل) ، وكانوا دائما ضد العرب لا يمكن أن يكونوا أصدقاء للشعب العربي السوري( أمريكا، بريطانيا، فرنسا).

كما يذوب الثلج ليكشف ما تحته، يتبدد الضباب والدخان الكثيف في سورية ليفتضح أمر من حرفوا، وسلحوا، ودمروا، وخربوا.

سر القلق السعودي، والأمريكي، والأوربي، لم يعد خافيا، فمن يحرقون سورية بدأوا يرتعبون من وصول الحريق إلى داخل بلدانهم، حتى لو كانت بعيدة، وهذا هو الكابوس المؤرّق من الخسارات الآتية، والتي لا ريب فيها، فسورية ليست بيت عنكبوت تتبدد بنفخة حقد، إنها بلد عريق وشعب عربي أصيل.