الشاعر الدكتور حسين يوسف محيميد الزويد يتواشج مع رعيل البردة

 

التصنيف : فن وثقافة (:::)

نايف عبوش  – العراق (:::)

ظل حب النبي محمد صلى الله عليه وسلم يتأصل في قلوب المؤمنين من أمته، ويترسخ في ذواتهم على مر العصور،وقد تجلى ذلك الحب الطافح بالوجد نظما في قصائد عصماء، في سياق تغنيهم المتواصل بمناقبه الجليلة، التي خصه الله تعالى بها بقوله (وانك لعلى خلق عظيم) ، وبما يشبه المعجزة المستمرة لهذا النبي الكريم الى ان يرث الله الأرض ومن عليها. واذا كان ميلاده صلى الله عليه وسلم  حدثا غيّر مجرى التاريخ،بعد ان اصطفاه الله جل جلاله لحمل رسالة الاسلام السماوية التي خصّه تعالى بها نبيا خاتما، فكانت ايذانا بنهاية الشرك،وهجرا لعبادة الاوثان، وشروعا بالتوحيد، واخلاص العبادة لله تعالى،فلا شك ان ميلاده بهذا الوصف، ألهم خيال الشعراء حسا مرهفا، ليتغنوا بدلالاته.ولعل ما تميزت به سيرته الكريمة بعد ذلك من مناقبية فاضلة لذاته الشخصية الشريفة التي أخذت معنى الرمزيةعند المسلمين؛ باعتباره النموذج النبوي الخاتم للإنسانية، للتأسي به في تكامل الفضائل المطلقة، والقيم النبيلة: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ﴾ [الأحزاب: 21]؛اضافت بعدا اخر لتلك المناقبية  الفريدة،حتى قال عنه عمّه ابو طالب في لاميته الشهيرة :

وابيضَ يُستسقى الغمامُ بوجهه….ثمالِ اليتامى عزة للأراملِ بينما وصف كعب بن زهير الرسول بالضياء في الهداية،باعتبار أن الرسول الكريم هو السراج المنير حقا، بشهادة الرحمن الرحيم (إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا الى الله باذنه وسراجا منيرا)،الذي شرفه بهذا المن الرباني عليه بالاشعاع بنور الهدى على الإنسانية، بفيوضات الإيمان والوحدانية، فأنقذ الناس من دياجير العبودية لغير الله، وخلصهم من الوثنية المثقلة بأغلال الضلالة، حيث اشار كعب لهذه الفضيلة بقوله:

إن الرسولَ لنور يستضاء به…… .. ..مهند من سيوف الله مسلولُ

في حين خصّه البوصيري في بردته الشهيرة بالخيرية التامة على كل الخلق بمدحه له قائلا:

مولاي صلــــي وسلــــم دائمـــاً أبــــدا

علـــى حبيبــــك خيــر الخلق كلهـم

اما احمد شوقي في نهج بردته فمدحه باعتباره الصفوة قائلا:

مـحــمــد صــفـــوة الـــبـــاري ورحــمــتــه

وبـغـيـة الله مــــن خــلــق ومــــن نــســم

وتأتي قصيدة الشاعر الدكتور المهندس حسين يوسف محيميد الزويد في قصيدته العصماء(بُشراكِ مكة) في صميم هذا السياق الاطرائي المتواتر المفعم بحب الرسول ، حيث يُلاحَظ  ميل الشاعر لمحاكاة نفس التوجه بتجلياته المفعمة بكل معاني الحب، والشوق، التي يكنها للذات النبوية للرسول الكريم والمبثوثة في ثنايا القصيدة بوضوح حيث يقول:        يا سيد الثقلين يا نور الهدى……     قلبي بحبك مغرمٌ نَشّادُ

في حين نجده يتسامى مع معراج النبي في غسق الدجى في رحلته الى عوالم العلا السماوية الرحبة، متجاوزا حيز حسيّاته الضيٍّق، حيث يلوح بذلك قائلا:

 

اسرى بك الرحمن في غسق الدجى ..

…. والمسجد الاقصى هو الميعادُ

وعرجت مرتفعا الى السبع العلا   …

….. شاء الاله، فجاءك الامدادُ

ويبلغ حسه المتواشج مع معجزة المعراج بالذات النبوية الشريفة أوجه، عندما يصف الحال في دنوّ المقام الذي اختص الله به نبيه الكريم تعظيما لقدره، حيث يقول في هذا المجال:

وبسدرةٍ للمنتهى كان اللّقا  ……..

باقل من قوسين لا يزدادُ

فجاء تصويره الميلاد الميمون فجرا بدد الظلام في بطحاء مكة، وضياء وقادا نوّر العالمين، في شعابها المعتمة ليشع بأنوار الهداية، في كل أرجاء المعمورة، وينعم الناس ببركات هذه الهداية الإلهية، التي نشرها الرسول الكريم بين الناس، الأمر الذي حدا بشاعرنا الدكتور المهندس حسين يوسف محيميد الزويد ، الى تصوير الحال بتلقائية سلسة، عكست وعيا حسيا لحقيقة هذا الأمر، بعيدا عن التكلف، والاصطناع،والإقحام،كما نلحظ ذلك بوضوح في قوله:

بُشراكِ مكة انه الميلاد …….

وعلى اديمك فَجرهُ الوقّادُ

ولعل اشارة الشاعر الى دعوة الرسول السلمية لكفار مكة،وإكرامه لسادة القوم من قريش يوم دخل مكة فاتحا، كانت موفقة بحق،وجاءت ايماءة توكيد للمنهج النبوي في النأي عن مسلك الثأر،ورفضا لعقلية الانتقام على قاعدة(من دخل دار ابي سفيان كان امنا) و(اذهبوا فانتم الطلقاء)، عندما يقول في ذلك:

هي دعوةٌ للسلم كنت جوادها  ……

. وبفتح مكة اُكرِمَ الاسيادُ

وليس ذلك الحلم والصفح بغريب عنه،فهو صلَّى الله عليه وسلم، من أبوين معروفين حسبا ونسبا وفي سنام المجد من ال هاشم، وله تاريخ معروف، وسيرة حافلة بالقيم،لذلك جاء اطراء الشاعر له من هذه الزاوية حاذقا، وفي مكانه، حينما قرر هذه الحقيقة بقوله:

اكرِم به نسبا فنعم المرتقى  ……

من ال عدنان اتى الاجدادُ

مما يمكن معه توظيف هذا النظم الرائع للرد على دناءة محاولات الإساءة المعاصرة للرسول الكريم التي يمارسها بعض المهووسين من أي صوب كانوا،بذرائع كاذبة،يلفها حقد شعوبي دفين،أوغطرسة متبجحة.

وجاء يقين الشاعر المباشر بوعد الله لرسوله بالفتح المبين، استلهاما لقول الله تعالى في كتابه العزيز(انا فتحنا لك فتحا مبينا)،اذ قال في ذلك:

هو وعد ربك للرسول بان يرى  ……

فتحا مبينا ها هو الميعادُ

وجريا على عادة مداحي الرسول جاء مسك ختامه مستلهما امر الله تعالى في القران الكريم للمؤمنين بالصلاة والسلام على نبيه،ليعكس تمام حبه له، وامتثالا مطلقا لأمر ربه،حيث يختتم قصيدته بالقول في ذلك:

صلّى عليه الله في عليائِهِ    ……

.   وبها الملائِكُ هُتّفٌ نُشّادُ

وبهذا الأسلوبية الرصينة من النظم،والبلاغة المقتدرة في توظيف مفردات المدح،وصياغة ألفاظ الاطراء ابداعيا في هذه القصيدة،مستوحياً اضاءات من اي القران الكريم في نظمها،و مستلهما شذرات من سيرة الرسول الكريم في بنيتها،يكون الشاعر الدكتور حسين يوسف محيميد الزويد قد نجح في محاكاة مدّاحي الرسول من اصحاب قصيدة البردة ونهجها من الرعيل الأول، ومن تلاهم بجدارة،واقتفى اثرهم،ليصطف بجوارهم في واحة الإبداع ، وليوظب بردته البهيّة بجنب برداتهم في ذات الخانة،مع ان نتاجاتهم الإبداعية في مدح الرسول ببرداتهم كانت حقا عالية النظم، وصعبة المحاكاة،وعصية على التناظر، كما هو معروف.