هل تصبح سوريا مقبرة (للربيع العربي)؟

 

التصنيف : اراء حرة (:::)

عبدالغني علي يحيى – العراق (:::)

قلة من الناس لم تصفق (للربيع العربي) وتهتف له، وتعقد الامال عليه وذلك بعد نجاحه في تونس وليبيا ومصر واليمن، فتوقعها بانتقاله الى كل البلدان العربية. إلا أن الاكثرية من الناس سرعان ما تشاءمت منه حين وقفت على القتل والخراب والدمار والفلتان الامني والازمات و الظلم.. الخ واشكال اخرى من الرعب التي توجته. وافتخر بعض من القادة العراقيين قائلين، ان العراقيين سبقوا العرب في انجاز ذلك (الربيع) عام 2003 أي بسبع سنوات من وقوعه في تونس، لكن الرئيس نوري المالكي فاجأ العالم لما أدان ذلك  (الربيع) في الاحتفال بعيد الشرطة العراقية لهذا العام لتسببه في الحاق الويلات بالعرب . عداه فأن سياسيين أخرين اجمعوا ومازالوا على ظلاميته. واخذ  بعضهم ممن صفقوا له يعضون اصابع الندم ولكن بشيء من الاستحياء، إذ انهم مازالوا مترددين بين الدعاء بالنصر له وبين الاعتقاد الراسخ من أنه اذا افلح في سوريا فسيشعل الاخضر واليابس. و ذلك استناداً الى تجارب البلدان التي مرت به. ان هذا النفر المتردد يفتقر الى الصدق والشجاعه والحكمة لكي ينطقوا بالحق ويحسموا موقفهم، فهم يعلمون علم اليقين، ان داعش وجبهة النصرة والجبهة الاسلامية. والجيش السوري الحر الذي بدوره في معظمه اسلامي غير علماني، ويفترض في هذه القوى أن تصنع (الربيع العربي) في سوريا، قوى ظلامية سوداء، مجرمة ومتخلفة ومتعصبة هيهات أن تحقق العدالة والحرية والديمقراطية والتقدم والاستقرار للسوريين. واذا كانت  الثورة، كما يقال، تاكل ابناء ها بعد انتصارها، فأن عناصر الثورة السورية أو الربيع العربي فيها، بدأت وفي وقت جد مبكر وهي لم تنتصر بعد، تفترس وتأكل بعضها بعضاً. ففي سوريا اليوم معركتان، الاولى بين اصحاب الثورة وبين الحكومة السورية، والثانية بين اصحاب الثورة انفسهم، ويوماً بعد أخر تطغى المعركة الثانية على الاولى وتتقدم عليها. واذا نواصل الاقتتال بين الاطراف المعارضة المسلحة فسيأتي يوم يصعب التمييز بينها وسيتوارى العلمانيون فيها، فالجيش السوري الحر وفق كل  المعطيات أيل الى الانشقاق والتفكك.

في بداية انطلاق (الربيع العربي) في سوريا يوم 15-3-2011 كتبت مقالاً طالبت فيه الكرد السوريين بعدم المشاركة فيه وتجنب الاصطدام بالحكومة السورية مع التمسك بالحقوق القومية الكردية العادلة والسعي لأجل تحقيقها، مشيراً الى ان المعارضة لن تعترف بحقوقهم، وفي حال فوزها بالسلطة فأن وضع الكرد سيسوء اكثر. وبعثت بالمقال الى صحيفة لندنية مرموقة، إلا انها لم تنشره، والمني ذلك، ولقد سرني الطريق الذي أختاره الكرد السوريون، طريق بناء مؤسسات التمتع بالحقوق القومية والحرية فخوض النضال ضد جبهة الارهاب من داعش والنصرة وكذلك الجيش السوري الحر الغير مصنف على الارهاب، واليوم وبعد مقتل عشرات الالوف من السوريين وتشريد مئات الالوف منهم، فان امام السوريين اما مواصلة السعي لدخول نفق الربيع العربي الدموي، وما يترتب عليه من أت أمر واعظم، واما العودة الى جادة الصواب وذلك عبر القاء السلاح بوجه الحكومة، مع توجيه فوهات البنادق الى التنظيمات الارهابية الفاشية، وعلى أن يعلموا بأن اسقاط الحكومة السورية الان وهم. ولا شك ان القاء السلاح والدخول في مفاوضات مع الحكومة السورية ممكن ومتاح سيما وان المجتمع الدولي مع الحل السلمي والجلوس على طاولة المفاوضات على أن ترعاها منظمة الامم المتحدة ويحضرها مراقبون دوليون، من جانبها على الحكومة السورية أن تأخذ بالمتغيرات الجذرية في العالم وتستوعب روح العصر. وعلى السوريين ان يعلموا ان الرهان على الجيش السوري الحر وداعش وجبهة النصرة والجبهة الاسلامية، رهان خاسر فهذه القوى لاتعرف سوى الاقتتال فيما بينها وتتحكم فيها خلافات مدمرة، وهي عاجزة بالمرة عن تشكيل حكومة منفى وستعجز عن بناء الدولة الديمقراطية الحرة وضمان حقوق الانسان والحريات، ناهيكم من انها عدوة للاقليات القومية والدينية اذ سبق لها وما تزال تضطهد الكرد والمسيحيين والعلويين.. الخ من الاقليات. واذا كانت عاجزة الان عن تشكيل حكومة المنفى وهي خارج الحكم، يقيناً انها ستعجز عن تشكيلها في حال وصولها الى الحكم لاسمح الله، واذا كانت شعوب تونس وليبيا ومصر واليمن تسبح في انهار من الدماء والدموع جراء انتصار (ربيعها) فان سوريا سوف تسبح في بحار ومحيطات من الدم فيما لو قدر لقوى الخراب والدمار من تسلم السلطة، لأن الشعوب السورية غير متجانسة… سنة وعلويون، اسلام ومسيحيون، عرب، كرد، تركمان..الخ ان تحقيق السلم في المجمعات ذات التعددية القومية والدينية والمذهبية اصعب بكثير من تحقيقه في مجتمع متجانس، ولا ننسى ان هنالك قدراً كبيراً من التجانس في مجتمعات دول؟ (الربيع العربي) مقارنة بسوريا.

ان الاكثرية ان لم نقل الجميع بات على قناعة تامه وراسخة من ان الوضع الذي سيتوج سوريا في حال انتصار قوى الظلام المعارضة، سيكون رهيباً وستغرق البلاد كما اسلفت في بحار من الدماء والدموع، واذا كانت تخطئة الربيع العربي قد حصلت بسرعة جد فائقة مقارنة بتخطئة الانقلابات العسكرية وحتى معظم الثورات الشعبية، فما على المعارضين السوريين الا الاستفادة من تجارب الشعوب في الثورات و الانقلابات، ، لأن الاصرار على الباطل كما قيل رذيلة. ان الذي يؤسف له ان مشعلي نيران (الربيع العربي) كانوا على درجة من قصر النظر والذاكرة الضعيفة بحيث نسوا الدورس المستخلصة من الانقلابات العسكرية والثورات الشعبية واوقعوا بانفسهم وبشعوبهم في شباك لافكاك منه وفي اتون حرب ضروس لاتبقى ولاتذر بأنجازهم ( للربيع العربي).

لقد كان كاتب هذا المقال بدوره متردداً في ادانة (الربيع العربي) لكي لايكون استثناء وسط التأييد الواسع للكتاب السياسيين العرب وغيرهم له من الذين التزموا جانب المعارضة السورية وضد الحكومة السورية، غير اني  وبعد الوقوف على الويلات التي تمخضت عن ذلك (الربيع) وما تزال، فان الجرأة واتتني والحت علي باتجاه فضح (الربيع العربي) الكارثي وعناصره الساعية لأنجازه. وعلى مر الاعوام الماضية التقيت بالعديد من الكتاب السياسيين العرب من الذي مجدوا (الربيع) هذا في مقالاتهم وبحوثهم فوجدتهم يقولون بصراحة ان هذا الربيع خرب ديار العرب وشتت شملهم، ومع ذلك تجدهم يفتقرون الى الجرأة لتخطئته وفضحه. لذا فأن من واجب السوريين والنخب المثقفة، ان يختاروا طريقاً أخر غير طريق (الربيع العربي) لأجل وضع حد للمعاناة السورية.

بسبب من (الربيع العربي) المشؤوم والكارثي، لم تعد تونس خضراء، بل حمراء بلون الدم، ولم يعد اليمن سعيداً بل تعيساً، اما مصر أم الدنيا، ام التسامح والعفو والحكمة فلقد صارت ميدانا للأرهابيين من اعداء الانسانية، .. الخ ومن تكرار الحالة كما يقال تصاغ القاعدة، ان اي بلد يدخل في نفق البريع العربي المعتم المشؤوم، سيواجه المصير نفسه لبلدان وشعوب (الربيع العربي) وسوريا الان على عتبة

باب هذا النفق، فهلم الى انقاذها. حتاماً على السوريين التخلص من العواطف والاوهام و الاحتكام بدلاً من ذلك الى الحكمة والعقل والمنطق من قبل ان يدمر بلدهم بالتمام والكمال، ويضعوا ببالهم ان الربيع العربي المشؤوم ربيع الجهلة والجماعات المتهورة اللامسؤولة هو المسؤول عن مالحق بدول (الربيع العربي) من ويلات وكوارث، وهو المسؤول ايضاً عن ماصاب ويصيب السوريين من مذابح وعذابات، كما ان السياسيين والمثقفين السوريين وغير السوريين كذلك ان يحسموا موقفهم ويتخلصوا من الأزدواجية بعد أن ذاقوا مرارة الربيع الشتاء، وينطقوا بالحق ولايخشوا لومة لأئم وليكونوا شجعاناً وينادوا باعلى الاصوات بالسقوط للربيع الشتاء وبالموت لداعش والعنصرة والجبهة الاسلامية ، والتشكيلة غير المتجانسة المتنافرة ذات الافق الضيق وقصر النظر واللامتنور الجيش السوري الحر. على السوريين ان يعودوا الى بناء وطنهم وسيكون المجتمع الدولي وكل الخيريين في العالم عوناً وسنداً لهم. ان السوريين مدعوون الى التغذي (بالربيع العربي) من قبل ان يتعشى بهم.

Al_botani2008@yahoo.com