الفلسطينيون يفاوضون دولة نووية !

 

التصنيف : اراء حرة (:::)

د. ناجي شراب – فلسطين المحتلة (:::)

المفاوضات صراع إرادات وقوة ، وقد تكون من أصعب المواجهات بين الأطراف المتنازعة ، هنا المواجهة مباشرة وتصل في بعض الأحيان إلى درجة عالية من المواجهة الشرسة، المفاوضات توظيف لعناصر القوة المتاحة لكل طرف ، كى يفرض وجهة نظره ، وينتزع من الخصم كل ما لدية ، وقد يقول قائل هل من علاقة بين المفاوضات والسلام؟ ليس بالضرورة أن يكون هدف المفاوضات هو تحقيق السلام ،اى العلاقات الكاملة بين ألأطراف المتفاوضه، في النهاية هدف المفاوضات هو تحقيق التسوية ، او بعبارة أخرى تحييد أو وقف للصراع في بعده العسكرى ، او إستبدال الحرب بحالة جديدة من العلاقات ، وعلى هذا ألأساس يكون الهدف هو تحقيق أكبر قدر من المكاسب السياسية . وهذا المنطق هو الذي يحكم سلوك الدول القوية مثل إسرائيل، فما بالنا بإسرائيل كدولة نووية ، وهى ألأقوى في زمن تراجع وتفكك قدرات الجيوش العربية ، فإسرائيل تدرك إن الخيارات العسكرية لم تعد خيارا عربيا ، ومن ثم لا خوف من أى تهديد عسكرى ، وهذا يضع إسرائيل في موقف مريح تفاوضيا ، أضف إلى ذلك أن إسرائيل تتجه لأن تصبح دولة نفطية ، ودولة غاز طبيعى وهو ما يعنى تراجع الإعتماد علي الولايات المتحدة ،أو بمعنى أدق تقوية دورها الرافض لأى ضغوطات يمكن أن تفرض عليها ، وبالمقابل الفلسطينيون يذهبون للمفاوضات أو يتفاوضون ليس فقط مع دولة نووية لا يمكن أن تقبل أن تفرض عليها مطالب الجانب الفلسطينى ألأضعف في معركة التحولات الإقليمية والدولية ، فالقضية الفلسطينية تمر في أصعب مراحلها ، وفقدت كثير من مقومات قوتها كقضية أمن عربى ، أو قضية إهتمام دولى ، إلى جانب الإنقسام السياسى الفلسطينى ، وتراجع القدرات الإقتصادية ، ولم تعد حتى قضية إهتمام مواطن عربى ، اى أن المفاوض الفلسطينى يفاوض وهو في أضعف حالاته ، وإسرائيل تفاوض وهى في أعلى درجات قوتها ، وهذه المعادلة التفاوضية نتائجها واضحه، وهى أن المفاوض الفلسطينى في وضع تفاوضى صعب ، مطلوب منه ان يقبل بما يعرض عليه ،وتمارس عليه ضغوطات من كل إتجاة ، وليس معنى ذلك أن يقبل، ويتنازل، ، ولا ينبغى أن يترك المفاوض الفلسطينى وحيدا ، ويحتاج إلى الدعم والمساندة الشعبية ، وهذا الدعم هو الذي يحمى المفاوض من أى ضغوطات تمارس عليه، يحتاج إلي دعم عربى وليس مجرد غطاءا لتبرير مواقف وقرارات بتمديد التفاوض، يحتاج إلى دعم دولى وخصوصا القوى المدنية التي تدعم الحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى .بدون ذلك سيجد المفاوض الفلسطيني  نفسه أمام خيارات محدوده. اسرائيل ليست كأى دولة ، بيدها أوراق كثيرة تمارسها على المفاوض الفلسطينى ، وتفرض وقائع على الأرض تجعل من الصعوبة بمكان التراجع عنها ، وهذا الذي يفسر لنا الموقف التفاوضى الإسرائيلى الذي يشبه ديبلوماسية القطار الذي يقف عند إحدى المحطات ، لكن لا يمكنه الرجوع للوراء وإلا إنقلب معرضا كل من فيه لخطر الموت، وإسرائيل تتفاوض برؤية مستقبلية ،آي لا تتعامل مع المفاوضات أساس ما يمكن الحصول عليه، بل ماذا يمكن أن يحدث بعد عقود طويلة ، هكذا يتم التعامل مثلا مع موضوع الدولة الفلسطينية ، فإسرائيل لا يعنيها قيام الدولة الفلسطينية ألأن ، لكن ماذا يمكن أن يترتب على قيام هذه الدولة بعد عقود طويلة من الزمن. وهل ستبقى كما هى ، أم أن تتحول إلى مصدر خطورة وتهديد، وهذا الذى يحدد الموقف التفاوضى الإسرائيلى ، وهو ما يفسر لنا أيضا الموقف من قضية الحدود وألأمن ، والتواجد العسكرى  في منطقة ذات أهمية إستراتيجية كمنطقة لأغوار.إسرائيل لا تتعامل مع المفاوضات كعنصر زمن فقط ، ولكن بما يحفظ لها التحكم في متغيرات العملية التفاوضية عبر فترة زمنية ممتده.فالسياسة تقوم علي عدم اليقين ، وهذه احد قواعد ومبادئ السلوك التفاوضى الإسرائيلى.السلوك التفاوضى للدول النووية سلوك إستعلائى فوقى ، هذا هو سلوك إسرائيل في التعامل مع المفاوض الفلسطينى الذي عليه أن يسمع ويصغى ويقبل ما يعرض عليه ، وإلا العقاب هو البديل. ومن المظاهر السلوكية ايضا أن دولة نووية مثل إسرائيل لايكون سلم توقعاتها ومطالبها قليلا بل دائما هذه الدول تتطلب الكثيرالذى يتناسب مع إحساسها بقوتها ، وبضعف من يتفاوض معها ، ومثال على ذلك السلوك التفاوضى ألإيرانى مع مجموعة الست ، فهنا سلوك المطالب مرتفع، وبالتالى تكون المعادلة التفاوضية لو فرضنا سلما من التوقعات درجاته عشرا كإسرائيل تحصل على ثمانية والفلسطينيين يحصلون على إثنين ، وبلغة تفاوضية يكفى أن يحصل الفلسطينيون على كينونة سياسية محدوده ، وببعض المغريات ألإقتصادية ، وليس من حقهم إن يتحدثوا عن مطالب اخرى كقضية اللاجئيين والقدس، والحدود وألأمن إسرائيل كدولة نووية مجالها الحيوى تحدده حدود قوتها ، لذلك لا حدود أمنيه للفلسطينيين وإسرائيل من تحدد لهم أمنهم، بل وتقوم عليه. هذه هى معادلة اسرائيل التفاوضية كدولة نووية مع الفلسطينيين الذين لا يملكون إلا حقوقا مشروعة تحتاج إلى قوة حقيقية تصحح بعضا من الخلل في هذه المعادلة ، وبدون ذلك علينا ألا نتوقع الكثير من المفاوضات. دكتور ناجى صادق شراب drnagish@gmail.com \