قصتان قصيرتان

 

 

التصنيف : القصة (:::)

بكر السباتين * (:::)

“1 ”

الفخ والأعمى دخل شراكهم من حيث لا يدري. كل شيء مُعدٌ للسقوط في براثنهم” حينما طلبت منهم قراءة النص الذي يتوجب تذييله بتوقيعي تضاربت العبارات على ألسنهم”. كلهم يبشرونه بصفقة العمر التي سيكسب من ورائها الملايين” كيف أفهم ذلك”. حتى محامي الأسرة قلب العقد بيديه وجعل يقرأ بصوته الرتيب بنود العقد المثقل بالتواقيع التي جمعت البائع بالمشتري والشهود” كيف أوقع على صفقة يهمس لي مضمونها بالريبة”. الحفل المحيط به يضج بالضحك والإنبساط. كانت أخته غير الشقيقة تطبع القبل على جبينه” وقع يا حبيبي”. وأخوه مهندس الديكور يربت بيده على كتفه هامساً:” وصية الحاج ستنفذ بحذافيرها! كيف لا وقد وصانا عليك.. ربما أنت أعمى؛ لكننا عيناك التي ترى بهما”. دخل ابن الحارس الزنجي بالعصائر، وأخذ يوزع الأكواب على الضيوف المتلهفين لإنهاء تواقيع العقد وعيونهم شاخصة في الضرير كأنها لا ترى غيره.. مسَّد على عينيه بالسبابة والإبهام.. وأصغى باهتمام لحركة ابن الحارس ثم نادى عليه باهتمام.. اقترب الصغير من أذنيه وانفرجت أساريره حينما استعلم الضرير عن دراسته:” هل دروس القرآن التي أتابعك فيها سماعياً تفيدك في شيء”. فيجيب بافتخار: “أنا الآن يا سيدي أحسن القراءة بطلاقة”. ضغط على يده وأسر له بأمر لم ينتبه إليه أحد:” استرق النظر إلى بنود الورقة التي أضع يدي عليها واقراها ثم اهمس لي بما تفهمه منها”.. وفي لحظات أمعن السمع وسط الهرج والمرج للزنجي الذي شرع بشرح ما علق في ذهنه:” أقر أنا بالتنازل عن كافة حقوقي بالبيت والمزرعة و..!!” فاستوقفه برعدة هزت كيانه، وانتفض مزلزلاً الحفل وقد قلب الطاولة بما فيها على الضيوف متوعداً:” أخرجوا يا سفلة”.”!!!! ”   “2 ”   لغز في قارعة الطريق لم يصدق عينيه وهو يغافل ذلك الرجل من ركن قصي كي يستوضح ملامحه” هو بعينه”. لم يكن وهو يدور بسيارة الأجرة أنيقاً كما عهد في المجتمع المخملي الذي توسد فيه أفخم المجالس.. هذه السقطة ستلغيه اجتماعياً:”يتنطع في حياة ليست له!! ألأنة مثقف يرتدي طقماً فاخراً ويحسن التعليق على هوامش الندوات، فيسوق نفسه كمثقف أريب”. وفي النادي كان الجميع يستهجن ما تناقلته الأخبار عن سائق سيارة الأجرة الذي يتلقف رزقه من الحواري والشوارع التي تخترق المدينة كالشريان:” سأقطع دابر الحقيقة حينما أصوره بالهاتف النقال”. توقفت السيارة المستهدفة أمام ملجئ العجزة، وخرج من جانبها الآخر صاحبنا بطوله الفارع ووسامة ملامحه.. كأنه فارس أسطوري يترجل عن جواده.. يتوشح كوفية مرقطة.. يساعد الركاب على الصعود إلى المركبة، ثم يدور بها إلى شارع فرعي ليختفي” إلا في ذاكرتي.. سأحطم شكيمته أمام أصدقائه..كان على أن اقتحم عليه المشهد فيذوب خجلا!! لا!! فقد قصدني قبل أيام ليستدين نقوداً بحجة أن الصراف معطل فتجاهلته.. إذاً العوز هو الذي قاده ليركع تحت قدمي!! ههه! وضعت نفسك في هاوية سحيقة يا أبله”.وفي النادي كان صاحبنا ينزوي في ركن قصي يحتسي الشاي وفي فمه مبسم الأرجيلة وهي تصدر خرخرة كحديث الناس من حوله؛ فصوره جعلت تتناقلها الهواتف النقالة فتنتشر كالنار في الهشيم.. لكن المنغص في الأمر أنها أعجبت أجمل فتاة في النادي حينما وصفته بالكادح المتواضع! لا بل زاد في الطين بلة ذلك النادل الذي جاء يخبرنا بعد أن خرج صاحبنا شامخاً بكبرياء في أنه دفع عنا الحساب..

*روائي وتشكيلي فلسطيني من الأردن.