غزه : الكهرباء وخيارات اخرى

 

التصنيف : دراسات (::::)

د. عادل محمد عايش الأسطل – فلسطين المحتلة (::::)

حتى قبل وجود الكهرباء، عانى سكان قطاع غزّة طويلاً وخلال مراحل حياتهم، من النقص الحاصل في إمدادات الطاقة والتي تتمثّل بشكلٍ أساسي في الطاقة الكهربائية، نتيجة أسباب كثيرة ومختلفة، شكّلت ولاشك عوائق مهمّة، كانت سبباً في إنهاك الحالة الاقتصادية والاجتماعية لعامة السكان وفي عدم القدرة على النمو والتطور من جهةٍ أخرى. لا سيما وأن جملة الحياة أصبحت مرتبطة بها في كل جوانبها وتتقدّم نحو الارتباط أكثر كلما مرّ الوقت.

بالرغم من أن القطاع لا يزيد في المساحة عن مساحة ما يملكه أحد المُلُاك خارج فلسطين، وتغذّيه ثلاثة مصادر كهربائية – المصدر الإسرائيلي من جهتي الشمال والشرق، والمصري من جهة الجنوب، والمصدر الذاتي في الوسط، من خلال أربعة مولدات بطاقة 120 ميغاوات في حالة التشغيل الكامل- فإن الذي يحصل عليه المستهلك في هذه الفترة، هو ست ساعات فقط. مع ملاحظة فقدان ثلاثً منها أو اثنتين على الأقل، نتيجة الإخلالات الفنّية والأعطاب المادية المتكررة على مدار فترة الوصل.

ولاشك، فإن انقطاع الطاقة الكهربائية لا يعني العيش في الظلمة فقط، فإلى جانب الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، التي تسبب في زيادة معاناة السكان الذين يواجهون أوضاعاً اقتصادية ومعيشية بالغة الصعوبة، فإن الاقتصاد الفلسطيني بشكلٍ عام كان أكثر ضرراً، حيث تكبّد خسائر فادحة، بسبب تدهور القطاعين الصناعي والتجاري الناجم عن ارتفاع تكاليف الإنتاج وخفض الطاقة الإنتاجية وفساد المنتوجات على اختلافها، بل يعنى أن كل شيء يتوقّف، وخاصةً كل ما يتعلق بالحقوق العامة للناس كافة، وخاصةً الرئيسة منها. لأن انقطاع التيار الكهربائي لفترات طويلة، سيودّي إلى تعذر تقديم كافة الخدمات الحكومية، وأهمها الخدمات الصحية، لا سيما المقدمة للمرضى وعلى اختلافهم، ممن يتطلب وضعهم الصحي عناية خاصة، بالإضافة إلى توقف عمل المشافي ومراكز الصحةّ وكل ما يتعلق بها. وأيضاً فيما يتعلق بتوصيل المياه والصرف الصحي، وعرقلة المسيرة التعليمة، ولم تسلم بأي حال، النواحي المتعلقة بالطعام والشراب.

منذ ثمانينات القرن الماضي كان المصدر الوحيد لتزويد القطاع، هو الطرف الإسرائيلي من خلال شركة الكهرباء القُطرية – ضمن كمية محدودة ومغلقة، لا تراعي الزيادة في استهلاكات النمو الطبيعي للسكان أو البنى التحتية المختلفة- ونحن نشهد أزمة الطاقة وإن كانت بصورةٍ أقل، نتيجة – كما كان مزعوماً- بعدم تسديد الجانب الفلسطيني للفاتورة المستحقة، حيث كان يتم بواسطة بلدية كل مدينة، التحكم بكمية التيار وتوزيعه على مناطق القطاع بالتساوي أو بالتقريب في حالات أخرى.

وفي ظل السلطة الوطنية الفلسطينية، كان الوضع تحسّن قليلاً، في أعقاب خصخصة الطاقة لشركة وطنية. وبحكم الاتفاقات المبرمة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، سمحت إسرائيل بإنشاء محطة توليد كهربائية في وسط القطاع، بتمويلات أوروبية ودولية أخرى، التي سرعان ما كانت لإسرائيل هدفاً لأنشطتها السياسية والعسكرية معاً، تبعاً للتطورات السياسية والأمنية على الأرض، من حيث التحكّم بفترات وكمية المواد البترولية اللازمة لتشغيل المولدات وقطع الغيار اللازمة لصيانتها، وفي فترة لاحقة تم وضعها على رأس القائمة في بنك الأهداف، التي من الضروري استهدافها ضد السكان الفلسطينيين بوجهٍ عام. وقد تم استهدافها فعلاً من قِبل الجيش الإسرائيلي في أعقاب تفاقم الأمور الأمنيّة مع (حركة حماس) وبصورة أكثر دقّة في أعقاب حادثة أسر (حركات المقاومة الفلسطينية) للجندي الإسرائيلي “غلعاد شاليط” في يونيو/حزيران العام 2006، وتبع ذلك أن أوقف الاتحاد الأوروبي تمويله لتلك المولدات بعد إصلاحها منذ العام 2009، بحجة تدخّل حركة حماس على صلاحيات الشركة. وفي ظل تفاقم الأزمة، فقد تم استيراد الكهرباء من مصر، من خلال 21 ميغاوات، ساهمت إلى حدٍ ما في تقليل الأزمة في تلك الفترة.

لكن ومنذ مدة غير قليلة، تجددت الأزمة الكهربية، حتى بلغت أشدّها، نتيجة تجاذبات سياسية واقتصادية معاً ما بين السلطة الوطنية في الضفة الغربية وحكومة حماس في القطاع. وبالنظر فقط إلى الجانب الاقتصادي، فإن حكومة رام الله تقول بأنها لا تتلقِ أموالاً كافية لتسديد فاتورة الكهرباء للجانب الإسرائيلي. وترد حكومة حماس بالقول، بأن الضريبة التي تفرضها السلطة في رام الله هي مُرهقة، ولا مكان للمطالبة بها في ظل تردي الوضع المعيشي للسكان نتيجة الحصار الإسرائيلي، الذي بلغ مرحلة متقدمة في هذه الفترة بالذات، بالتزامن مع تحطيم الأنفاق الواصلة بالأراضي المصرية التي كانت مصدراً رئيساً لتوريد الطاقة البترولية اللازمة لتشغيل المولّدات الأربعة بكامل طاقتها.

وللعلم فإن مالية السلطة في رام الله، تحسم ما يُقارب من 50 دولاراً أمريكياً شهرياً من موظفيها في القطاع لنفس الهدف، بينما يقوم الآلاف من السكان المستفيدين، بعدم دفع المستحقات الواجبة عليهم، بحجة أن لا عمل لهم ولا يملكون مالاً يسددون به المستحقات الواجبة عليهم، الذين تصاعدت مديونياتهم لشركة الكهرباء، حتى أصبحت أرقاماً خيالية، تبلغ في أغلب الأحيان ما بين 100 ألف شيكل إلى مليون شيكل للعائلة الواحدة – 3.50 للدولار-، وهي أرقام إذا ما تم تحصيلها، فإن الشركة تحتاج إلى المزيد من الشاحنات لنقل الأموال الدولارية إلى المخازن.

منذ حدوث ظاهرة انقطاع التيار الكهربائي على هذه الصورة -الغير محتملة- دأب المشتركون على التهديد باتّباع خياراتهم نحو الاستغناء عن الطاقة المملوكة للشركة، بالسعي إلى إيجاد البدائل التي من شأنها أن تقشع عنهم ظلمة الليل على الأقل، فبدأوا بإشعال الحطب والفحم وأنواعاً من الأسرجة والفتائل النفطية القديمة، ثم بإيقاد الشموع المصرية التي صُممت خصيصاً لخدمة الهدف. ولما كان ضررها أكثر من نفعها، حيث أتت على فقدان عائلات بأكملها نتيجة تعرضهم للاختناق وحالات الحرق، تم الانتقال إلى المصابيح والفوانيس التي خدمت طلاب المدارس والمحتاجين في فترة ما على الأقل. ولما بلغت تلك الظاهرة مسامع جهورية الصين الشعبية، سارعت إلى تبنّي القطاع بالكامل، وأخذت على عاتقها تزويده بالطاقة الصينية والمتمثلة بالمحركات المولدة للطاقة وعلى اختلافها في الأحجام والماركات والقوة أيضاً، تم ما لبثت أن ساهمت في توريدها أنواعاً أخرى من بطاريات الشحن التي تنير لأوقات مختلفة ومن غير ضجيج ودون حوادث في الأفراد والممتلكات، ولكنها لم تؤدِّ إلى سد الفجوة بعد، حتى تم الاستناد –حالياً- إلى جهاز أطلق عليه – ربما- (U.B.S) مع بطارية يمكنها الإنارة وتشغيل خطوط الانترنت، ليس كل الوقت، ولكن بعض الوقت، وما زالت البدائل والخيارات متواصلة على مدار الساعة، مع الاحتفاظ بكل ما سلف ولو على سبيل الخردة فقط.

على أيّة حال، فإنه وبالرغم من أن شركة الكهرباء تعمل على أساس أن (ميزانها رِجلها) في شأن تسجيل قيمة الفاتورة الشهرية المستحقة، أي أنها تقوم بالتسجيل كما يحلوا لها وما طاب، وعادةً ما يتم ذلك غيابياً، خاصةً خلال هذه الفوضى وقلة الدفع، حيث يتوجب على كل مستهلك أن يكون لديه متخصص في فك طلاسم الفاتورة وشربكاتها الرقمية والتفصيلية، بشكلٍ يمكن تفهّمه أو التأفف منه على الأقل. بالرغم من أنها تقوم بتلك الأفعال، فإن غالبية المستهلكين الذين لا نيّة لديهم في دفع استحقاقات الشركة ولا حتى إلى يوم القيامة، فإنهم يتسابقون في كيفية الإسراف في استهلاك الكهرباء الواصلة إلى بيوتهم وكأنهم في محل ثأر لا محل خدمة. وعلى الحالين، فإن هذه الظاهرة التي نعانيها جميهاً، يجب أن تتوقف، فالإنسان العادي والساعي في عمله، لا يتوجب عليه المعاناة أكثر، وممنوع عليه أن يتحمل تبعات سياسية ومناكفات اقتصادية أخرى، إذ ليس بمقدوره أن يفعل شيئاً إزاءها، وإن جاهد في المحاولة، لا أحد يتقبّل منه، ولهذا فهناك من هم الأولى في أن يجدوا بدائل أخرى.