غض البصر عن القطاع غير المهيكل

التصنيف : دراسات (::::)

بقلم : أناس بن الشيخ – المغرب (::::)

عندما نتحدث عن مفهوم الباعة المتجولين فإن هذا و بالضرورة يجرنا الى الحديث عن  القطاع غير المهيكل ،  وهناك مجموعة من التعاريف لهذه الظاهرة المركبة كتعريف دو صوتو الذّي يعرّف القطاع غير المهيكل من حيث هو المجال الخارج عن القانون  ، بحيث ان من يشتغل في هذا  القطاع هو بمثابة خارج  عن التّقنين الحكومي  ،  ولو امعنا التفكير كرونولوجيا لوجدنا هذه المهن ليست حديثة العهد بحيث يصعب التأريخ لها ، رغم ان هذا المفهوم ظهر عمليا سنة 1973   في دراستين للمكتب الدّولي للشّغل حول التّشغيل في كلّ من كينيا وغانا ، الا انه ولحدود الساعة لم تتم معالجة هذه الظاهرة بشكل فعال في الدول النامية بشكل عام و المغرب  بشكل خاص ، فالقطاعات الانية او العصرية التي تتأطر بقوانين تحمي  الشغيلة  يجعل منها قطاعا مهيكلا او منظما رغم ما يعتريه من مشاكل ذات طبيعة مركبة  دائما ما تظهر على السطح.  لكن في غالب الاعم نجد القطاع المهيكل  يرقى الى مستوى التنظيم في عصر البيروقراطيات  على عكس القطاع اللامنظم او اللامهيكل ، على أن مربط  الفرس هنا وهو  اشكالية الوظائف او الادوار فيما بين الدولة والمواطنين ، فبيير بورديو وفي معرض حديثه عن  الدولة  يرى بانه لكي تكون هناك دولة يجب ان يرى المواطنون انفسهم كمسيرين من طرف وحدة فاعلة   ،فدور الدولة يتجلى في فعاليتها و ليس كمونها او جمودها ، وضرورة تفعيل اجهزتها واجب عقلاني  و ليس اخلاقي   أي انه من بين العناصر الاساسية  التي اطرت التعاقد الاجتماعي كما عبر عن ذلك جدامير ، فالتغيرات الاجتماعية التي يشهدها مغرب اليوم تدعو الى  تقنين هذا القطاع و جعله قطاعا رائدا ومساعدا في تنمية المجتمع.

انه من غير الصواب الحديث عن القطاعين معاـ المهيكل و الغير المهيكل ـ  بشكل منفصل ، بحيث هناك تداخل وثيق بينهما  في خلق تنمية مجتمعية ، ففي القطاع الثاني هناك اسثمارات كبيرة تقوم بها الشركات من اجل تطوير انتاجها كالعمل على  تقديم منتوجات بأثمنة رخيصة يلجأ لها البائع المتجول لأنها متاحة بالنسبة اليه ، نستشف في هذه العملية ان هناك  قراءة مسبقة لذهنية الاخر اي المشتري ، لهذا فان القطاع غير المهيكل يخدم القطاع المهيكل بشكل غير مباشر ، كما ان صعوبة انشاء مصانع خوفا من الضرائب يجعل من البعض يفضل الاستثمار بشكل غير قانوني  ، فالباحث الالماني  الفريد ويبر و من خلال نظرية التوطن الصناعي  يحيلنا على سياسة الاستثمار التي تشترط مجموعة من العناصر ،  لعل من اهمها توفر تجمعات سكنية تضم  نسمة مهمة تخدم المستثمر حتى تكون التكلفة مساعدة على الاستثمار ، و بهذه النظرية اصبح يشتغل المسثمر بشكل غير قانوني ويكون بذلك يخدم القطاعين معا.

فالحقل الاقتصادي من الرهانات الاساسية التي اشتغلت عليها الدولة منذ القدم لكن نتائجها او انجازاتها لازال يشوبها نوع من الغموض ، فلو اخدنا جولة في  ارجاء مدينة فاس او الرباط او اي مدينة كانت و عوضنا العين البيولوجية بالعين السوسيولوجية  لايفارقنا  حينئذ المشهد العجائبي للباعة  الذين لا يتركون إلا متر او مترين للمارة و صيحاتهم التي تجعلك تدخل في تفكير عميق و تحلل الكلمات التي تحمل في مضامينها  فشل الدولة في مقاربة القطاع غير المهيكل ، على أن  اكثر ما اثار حفيظتي عند مرورنا بأحد الاحياء المعروفة بفاس ـ  منفوري ـ و بالضبط شارع الكرامة ـ  للحق لا كرامة للمواطن فيه ـ  مرور سيارات الشرطة و القواة المساعدة وسط الشارع  المملوء  على اخره بالباعة المتجولين ، لكنها في المقابل  لا تقوم بمهامها و كأن العادة فرضت شروطها  او  سياسة غض البصر من طرف اجهزة الدولة   ،مجموعة من الجمل لم تفارقني لحدود  اليوم :  الجهاز المخزني يجب ان يلزم الصمت و الا ما حدث في تونس ومصر سوف يعاد انتاجه  في بلد العجائب ـ المغرب ـ هذا ما   يستشهد به بعض  الباعة ، وكأنه تهديد ضمني للجهاز الفولادي ، ولكن مفعول هذا التهديد  قوي، بحيث نجاحه يستدعي  فقط القيام بجولة صغيرة في ارجاء المدينة  ، حينها ستجد ان الباعة فرضوا شروطهم على الجهاز الفولادي .

المشكل الاعظم  الى جانب الاختناق الذي يعرفه الشارع العمومي، هو المواد التي تباع ، فلا رقيب و لا محاسب ، الن يستغرب المستغرق في الملاحظة إذا اكتشف  ان النظارات الطبية تباع ب10 دراهم ، و كأن شركات الزجاج و البلاستيك دخلت في غيبوبة طويلة الامد أو في سبات عميق ، او ان تلك المادة اصبحت رخيصة ،  هي مجموعة من الفرضيات يصح طرحها عند القراءة الاولية للمشهد ، لكن عندما تسأل اصحاب الاختصاص يؤكدون ان استعمال تلك النظارات خاصة من طرف الاطفال الصغار و لمدة زمنية  تقدر بحوالي 3 اشهر سيشكل خطرا حقيقيا عليهم ،  وهذا ما يمكنه ان يهدد صحة المواطنين في المستقبل ، بالطبع هذا مجرد مثال و الامثلة تكثر في هذا الجانب ، اما فيما يخص  التفاعلات  بين البائع و المشتري  ،نجدها تنتهي في الغالب  بالعنف  سواء الرمزي او جسدي ، مجرد نقاش بسيط حول ثمن قميص ارزق انتهى بكلمات جديدة  في قاموس الاخلاق الفاحشة ، لم يستطع المارة التدخل لأن البائع صنع لنفسه اسما تجاريا و اصبح سلطان فضائه ، مع العلم ان عناصر الشرطة قريبين من الموقع ، على بعد حي من الشارع العام ، تلك التفاعلات ليست وليدة اليوم بل هي وليدة الثقافة التي يعاد انتاجها يوم تلو اخر ،  هي ثقافة القوي هو من  يحكم ، وهنا وجب التسائل حول دور وزارة الصحة و المقاربة الامنية التي هي  من مهام وزارة الداخلية  او كما يحلو للبعض تسميته بالجهاز الفولادي ، لان المراقبة الطبية لازمة اساسية عندما يتعلق الامر بمنتوج سوف يستهلكه المواطن ، وعدم المراقبة هو اعلان ضمني على حق البائع في تسميم المواطنين  .

كما ان ثمن المواد ، لا يخضع لمعايير محدد ، فلكل بائع  له ثمن خاص به . لمختلف السلع المعروضة للبيع  الامر الذي يوحي بغياب مراقبة الاثمنة  و كيفية دخول السلع  الى الاسواق ، لان غالبيتها مهربة او جاءت بطريقة لا قانونية  ، فتلك السلع لا يوجد بها تاريخ محدد او مكان انتاجها ، لانه تم اتلاف معلوماتها ، لسببين ، الاول هو الا يعرف الباعة الاخرين مكان استرادها ، و الثاني حتى لا يسأل المشتري عن المعلومات ، هو فن جديد عمل الباعة على تطوريه .

خلاصة القول  ان العناصر التي تريح ذهن المواطن و تزيد من شعوره بالمواطنة غائبة ، بحيث ان حماية المستهلك هي من اكثر  مطالب شعوب القرن 19 و نحن الان في القرن 21  ، فكيف سيشعر المواطن نحو الدولة وهي لا توفر له شروط العيش ، مع ان  الحقل الاقتصادي كما اسلفنا الذكر هو مركز الحقول على الاقل  في مجتمعا  ، لكن القطاع غير المهيكل لم تظهر عليه معالم هذا الاهتمام،  بحيث عوض ان تختتفي هذه الفئة ـ الباعة المتجولون ـ  شيئا فشيئا  نجدها تتزايد و خير دليل انشاء سوق جديد في حي العمارات بمكناس. لهذا و حتى لا  يصبح السؤال الذي طرحته  الباحثة المغربية هند عروب  في السوسيولوجيا هل نحن فعلا مواطنين ام مجرد رعايا هو الهم الشاغل للباحث، لدى  نتمنى ان تنضج المقاربة الامنية في المغرب  و تحقق المراد منها ، و ان تعمل على ضبط  هاته الفئة التي اصبحت تؤثر على المجتمع ككل  ، بدل الاشتغال فقط على تكسير اضلاع النخبة المغربية امام البرلمان في مجتمع القوانين و الحريات .