كابوس اسمه امريكا

 

الرابط : اراء حرة (::::)

بقلم: وليد رباح – نيوجرسي (::::)

أتساءل دائما.. ما السر الذي يجعل الشباب من العرب يقفون ساعات طوالا على ابواب السفارات الامريكية في اوطانهم منذ ساعات الصباح الاولى في طوابير تعد بالمئات أملا في الحصول على تأشيرة لامريكا.. و يلاحقني التساؤل.. لماذا يبيع الشاب العربي كل ما يمتلك من حطام الدنيا لكي يدفع للنصابين و المحتالين ممن يوهمونه بان لهم الحظوة لدى السفارة او بعض اعضائها امنح التأشيرة لبعض اولئك الشباب.. الامثلة كثيرة: فقد باع احد المصريين فدان الارض الذي يمتلكه وهو مورد الاسرة الوحيد لكي يهب نقوده لأفاق اراد منحه الفيزا.. واردني كمم فم والدته و نفث في وجهها عقارا مخدرا لكي يسطو على ثروتها التي كانت تحتفظ بها في حزامها و يدفعه لأحد السواقين في السفاره الامريكية ممن اوهمه بان له يد طولى لدى قنصل امريكا في عمان.. و سوري عمد الى بيع قطيع من الغنم بارخص الاسعار لكي بأتي الى امريكا فاكتشفت سلطات المطار في كنيدي بان تأشيرته مزوره.. وفلسطيني هاجم رجلا يحمل شنطه يدوية اعتقد انها تحوي الافاً من الدولارات لكي يدفعها لنصاب اراد تسفيره لامريكا.. الى فلاح باع بقىاته و عنزاته و حتى النير الذي يحرث عليه لكي يأتي الى امريكا..

ومع كثرة الامثلة.. فان بعض اولئك يحالفهم الحظ المشؤوم فيأتون الى هنا وقد حلموا بالدولارات على الارصفه.. ثم اكتشفوا بعد قدومهم انهم ملاحقون من دائرة الهجرة و الجوازات و الجنسية لأنهم لا يمتلكون اقامة قانونية في البلاد.. و اخرون تسرب بعض الحظ اليهم فعملوا ساعات طويلة مثل الثيران باجور زهيدة لكي يبتلعوا اللقمة مغمسة بالدم و الدموع.. و بعض رابع امضى شهورا و هو( يتسكع) على المقاهي أملا في أن يجد عملا يتبلغ به بعض الطعام و لم يجدوا فانحرفوا و ساروا في طريق الغواية.. و بعض خامس جمع ثمن تذكرة السفر للعودة ثم عاد.. و ما يزال البعض في امريكا (الحلم) يحاول ان يجد له موطء قدم فينجح تارة و يفشل اخرى.. و لكنه يبكي دما و دموعا ندما على قدومه الى هذا البلد الذي حلم ان يكون فيه (مليونيرا) ثم اذا به لا يجد اللقمه بسهولة.

تلقيت مرة مكالمة من رجل متنفذ في مصر لكي استقبل احد اقاربه في مطار كنيدي جاء بتأشيرة الى امريكا.. و استقبلت الشاب بالترحاب .. و اردت ان امازحه في الطريق الى نيوجرسي فقلت له: هل احضرت (اشولة) لتعبئة الدولارات عن رصيف الشارع قبل ان يسبقنا اليها الاخرون.. قال بشىء من الجدية: لم يخبرني احد ان احضر معي (شوالات) ولكننا في طريقنا ان مررنا على نيويورك فاننا سنشتري بضعة اشولة.. وضحكت .. ثم امضى الشاب ستة اشهر كاملة قبل ان يجد عملا في مطبخ مطعم يعمل فيه ست عشرة ساعة في اليوم مقابل اربعين دولارا لا تكفيه للطعام و السكن و المؤونة.. واخيرا عاد بعد يأس. قال لي أحد من التصق بهم الحظ الاسود فجاء الى امريكا: اتعرف ان كذب المقيمين هنا هو الذي يقودنا الى القدوم.. قلت كيف؟: قال : يأتون الينا في الوطن فيحرثون لنا البحر و يكذبون بانهم يتقاضون  عشرون دولارا عن كل ساعة عمل من اعمالهم.. وانهم يمتلكون الدولارات و العمارات و السيارات و الشقراوات فيسيل لعابنا.. و نكتشف بعد تورطنا انهم يأكلون من زبالة (المكدانوس) او يبيتون على الطوى في بيوت لاتنام فيها حتى الحيوانات..

حلم الدولة (الكابوس) قد طال حتى العجائز.. فقد رأيت مرة احد من يقفون على ابواب سفارة امريكية في بلد عربي و قد جاوز عمره السبعين.. و عندما سألته عن سر اصراره على السفر قال: يا أخي لقد امضيت سبعين سنة من عمري وانا اعيش في فقر مدقع.. الا تعتقد ان لي الحق أن اموت و في جيبي مائة دولار على الأقل .. و ابتسمت ابتسامة حزن..

قد نلتمس بعض العذر لاولئك الذين لا يعرفون امريكا جيدا.. و الذين تناقلوا المعلومات عنها من افواه المغتربين الذين يكذبون عادة.. الا من رحم ربي.. و قد نلتمس العذر لهم لأنهم يعيشون في أغنى بلاد العالم و لكنهم لا يجدون اللقمة لأن المسؤولين في بلدانهم قد سرقوا قوتهم علانية و جهرا و في وضح النهار.. و لكننا لا نلتمس العذر ابدا.. لحكام يقولون انهم عرب.. هم الذين يدفعون شعوبهم الى الابتعاد عن اوطانهم املا في تحسين لقمة العيش التي تجعلهم لا يفقدون كرامتهم في الحصول عليها.. انها الدولة الكابوس.. الدولة الحلم.. الدولة التي يحلم حتى الناس في مجامل هذا العالم في القدوم اليها.. ولكنهم عندما يأتون.. تنفتح ابواب جهنم في وجوههم فيتمنى احدهم الموت قبل ان راودته فكرة القدوم بتأشيرة..