الشعر وادب الطفل

 

الرابط : فن وثقافة (::::)

بقلم : الشاعر : يوسف الباز بلغيث – الجزائر (::::)

إنَّ ممَّا لا شكَّ فيه أنَّ ( الشّعرَ ديوانُ العربِ ) كما قال ٱبنُ عبّاسٍ (رضي الله عنه) ..و بما أنّه _ أي الشّعر _ أتى في جُلِّ مضامينِه و أغراضِه مساهمًا في دعم حركةِ الأخلاقِ من كرمٍ و مُروءةٍ و إجارةٍ للمظلومِ ،و ما شاكَلَ هذه القيمَ من عُرًى ٱشتَهرَ بها العربيُّ و ناضلَ من أجلِها ! فلقد وفَّرَ ما يناسبُها من مكانٍ كباديةِ (السَّمَاوَة) بالعراق ،مرورًا بالمعلِّمِ الحاذقِ ،المفوَّهِ الفصيح ِ،حتّى يستقيمَ لسانُ الفتى، و ينطلق !..و لكنَّ الفتى اليومَ صار شابًّا أو كهلاً و لم يستقمْ لسانُه ،و لم تسعْهُ حافظتُه إلاّ لتخزين نزرٍ قليلٍ من الشّعر العربيّ ،و قد بدأ يتلاشى، و مَن حالفَه الحظُّ ٱستقامَ لسانُه و تأنّق قلمُه ، لكنه بقيَ شاذًّا عن أترابه ! .. أدبُ الطّفلِ هو الأولى بالاهتمامِ لتَرْعيةِ نشْءٍ يحفظُ التّراثَ ، و يقيِّمُ حياتَه به . و بما أنّ الشّعرَ له حظوةٌ في جَنانِ و عقلِ النّاس _ و قد أُخِذُوا به و سُحِرُوا _ فإنَّ المُهمِّ أن يكونَ في رُزنامةِ أدبِ الطّفلِ ما هو شعرٌ هادفٌ محْضٌ ، يهبهُ عُلوَّ هِمّةٍ ، و ذوقًا و حسًّا مرهفًا ، و نظرةً متفائلةً للحياةِ . فلا عجَبَ من نشْءٍ الكترونيٍّ يؤمنُ بلغةِ الأرقامِ و الإحصاءاتِ؛ و السُّرعةِ الرّقميّةِ لديهِ عنوانُ كلِّ ما يفكّرُ فيه .و قد آمنَ _ و تلكَ مصيبةٌ _ بأنَّ الشّعرَ لا يبني ذوقًا ،و لا يُمهِّدُ طريقًا لفهمِ الحياة. ..حياتُه الجديدةُ لا روحَ فيها ، مبنيّةٌ على علاقاتٍ فضائيّةٍ جافّةٍ ، متخيَّلةٍ لا تصلُ سوى عينيه ، و لا تسْرُبُ إلى الدّاخل ، لتتولَّدَ تلك العلاقاتُ كيمياءَ ؛مزيجُها الألمُ و اللّذّةُ ، الجمالُ و القبحُ ، و عُنصرُها الرّئيسُ القِيمُ و الأخلاق . ..حياةٌ تهبُ عينيه جمالاً ..و القلبُ يعلمُ بأنّه سرابٌ! و الأحاسيسُ تثقفُ جيّدًا بأنّه خيالاتٌ و آفاقٌ تُفتح لحظةً،و تنغلق أطوارًا !..حياةٌ يلتقي فيها نبضٌ مزيّفٌ برُؤًى تكتنفُها المساحيقُ من وراء شاشةٍ بألوانٍ ٱصطناعيّةٍ ،و لكنّها خلاّبة !. .. لا مريّةَ في أنّ النّشءَ التي حياتُه مبنيّةٌ بزجاجٍ برَّاقٍ سيكونُ تحطيمُها أمرًا سهلاً ، و لو بحَجْرةٍ طائشةٍ ! و أعجَبُ من نشْءٍ يحفظُ أشعارَ و أغانيَ الغربِ مُتشدِّقًا بها ، ظانًّا بأنّها مدعاةٌ للفخرِ و المباهاةِ بينَ أقرانِه ،و هو لا يُحسنُ من حفظِه سوى ما تردِّدُه عضلاتُ لسانِه !! و إنْ مرَّ بقصيدةٍ في كتابٍ أو في شاشتِه البهيّةِ ، كأنّمَا مَرَّ بحِفريّةٍ ، لا يفقَه منها سوى الرّسْم ،و لم يكلِّفْ نفسَه الاستعانةَ بخبيرٍ يفسِّرُ له مدلولَها ! .. عجَبًا لِنشْءٍ يُؤمنُ بأنَّ الشّعرَ العربيَّ هو مجرَّدُ كلامٍ يمكنُ الاستغناءُ عنه ،لأنَّ جُزْءَه الموسيقيَّ طاغٍ على ألقِه، و رَجْعيٌّ في زوايا التّفكيرِ فيه،و يغُضُّ الطَّرْفَ عن عشقِه الباهتِ الزّائف للشِّعرِ الغَربيِّ على ما فيه من جمالٍ و ألق..!