الرابط : اراء حرة (:::)
بقلم: عماد أحمد العالم – مصر (:::)
عامةً ما تنتشر مصطلحات سياسيه في مراحل الهيجان السياسي، أياً كان ثورياً أو حتى عبر المعارضه الوطنيه أو الصوريه أو الإعتصامات الفئويه. في جميعها يتحول الأغلبيه المتسلقه إلى لغويين وعلماء للكلمه، فيخرجواعلينا بعباراتٍ مستحدثه تصبح حديث الشارع وفحوى نقاشاته، ترددها الألسن، فيظن متلقيها أننا أُمةٌ ولدت وفي دماغها تثور الكلمه لتخرج معبرةً عن نبض شعبها!؛ لكنها بالعكس لا تعدو أن تكون شبيهةً بالتحسن الطفيف الذي يحدثه مفعول حبتين بنادول عقب صداعٍ شديد!، والسبب أننا أفرغنا الكلمات من معناها فأمست كالريح العاتيه، لا تبقي ولا تذر، لا تلقح زهره ولا تجلب مطراً ولا تلطف الجو ليكون نسيماً منعشاً، بل تدمر كل ما يقف أمامها.
مثلاً ما معنى تسميتهم لكل ما هو ملتزم دينياً أو موجه عقائدياً ” بالإسلام السياسي”، وهل المسلم “كافر سياسياً”،
لم يوصف الاسلام بلقبٍ إستحدثوه له وهو براءٌ منه. الإسلام كتعريف بسيط: هو صفه وعمل لكل مناحي الحياه، والسياسه جزءٌ منها، فكيف نلصق الأصل بالفرع ونستثنيه عن قواعده!
الكنيسه منذ الأزل كانت مسيسه ولعبت أدواراً سياسيه في الثورات والإقطاعيات، فهل كانت تلقب بالمسيحيه السياسيه!، وهل لُقبت البوذيه والهندوسيه بذلك أيضاً!، الديانه الوحيده التي سيست ولكن بعد أن حرفت هي اليهوديه، طوعها رجالات الدين بحيث يكون المذهب هو المُحفز والمؤطر للفكر، وعلى أساسه قام الفكر الصهيوني الإستعماري الإستبدادي وما زال عبر فكرة الشعب المختار؛
هناك فرق بين الأحزاب الإسلاميه ومسمى الإسلام السياسي الذي تطرقت إليه سابقا، ففي الأولى تكون الأيديولوجيه الدينيه أساساً تقوم عليه مبادئ الحزب، وكل رؤاه ومفاهيمه يدور حوله؛ أما في الثانيه فتكريس لتصنيف الإسلام وفصله عن العامه وإلحاقه بالخاصه.
النظام الحزبي عامةً ما يكون أحد ثلاثة فروع: فإما اليسار وما ينطوي تحته من لينينيه وماركسيه وشوعيه واشتراكيه والخضر والسلام الآن والوسط واليمين الذي عادةً ما يكون مزيج من الإنتماء الديني المحافظ والقوى والقوميه….، وفي كلا الإتجاهين نجد أقصى اليمين واليسار.
مصطلحات وجمل أخرى صمت آذاننا من كثرة ما سمعناها؛ أحدها إلصاق لقب السلفيه بجماعات دينيه وأشخاص بعينهم بناءً على المظهر والفكر، وفي ذلك ضيمٌ واضح لبقية المسلمين؛ فأنا وجيراني وأصدقائي أتباعٌ لمذهب السلف الصالح، الذي بكل وضوح ليس حكراً على أحد! ولا يجوز إقصاء عامة المسلمين منه طالما كانو من أهل السنه والجماعه.
التيارات ذات الأيديولوجيه الفكريه الأخرى كالليبراليه والعلمانيه والمدنيه تختلف مع الدينيه في المبدأ وصفة التشريع ومرجعيته، ففي حين ألغت الأولى الدين من الحياه العامه والدوله واعتمدت الفكر الإنساني البحت واجتهاداته لبناء القواعد والأسس؛ إعتمدت الأحزاب الإسلاميه الدين كمرجع لجميع جوانب الحياه، وبناءً عليه صاغت دساتيرها ووضعت نظرتها لشكل الدوله وقوانينها.
حتى التيارات السلفيه الفاعله مُقسمه إلى اتجاهات وتيارات فكريه، فمنها السلفيه الجهاديه والسروريه والجاميه (مع تحفظي على المسميات)
التيارات الإسلاميه (المسماه) بالوسطيه كالإخوان مثلاً، تنكر استثناءهم من لقب سلفيين، وتلقي باللائمه على بعض التيارات التي استأثرت باللقب وجعلته حكراً عليها وروجة له بالمظهر المتميز عن الآخرين، حتى باتوا مميزين في طريقة حوارهم ولبسهم وحديثهم؛ وهذا ما أجده مأخذاً عليهم، لما قد يترتب عليه من عدم إنصهارٍ مع المجتمع دون تمييز أو فئويه، وتمحور الأتباع فقط حول قياداتهم دون تحرير للعقل أو تقبل للآخر في بعض الأحيان؛ وبالطبع لا تعمم الصوره.
ثورات الربيع العربي تفاعلت شعبياً وتم تهييج المشاعر فيها بعبارات “الحريه والكرامه والعدل وإرحل” و يا شباب شوفو الشاشة قناة سبا غشاشه”، “بعد مبارك ياعلي وقبل القذافي ياعلي”، و و”التشغيل استحقاق، يا عصابة السراق” إلا ما نسمعه كل يوم في مظاهر الإحتجاج والإعتصام, وما يصحبها من شعارات باتت ترددها الحناجر دون أن يعي البعض معناها ولا مفادها, وإنما كلمات مصفوفه وملحنه, ذات وقع غنائي يثير الرغبه في الغناء والإنشاد.
سارع البعض لجمع هذه العبارات ونشرها من باب الإحتفاء بالثوره أو الترفيه. لكن لو صدقت النيه لغربل الكاتب ما لايراه مناسب, فبعضها صنعه ساسه, وروج لها من هم مدفوعٌ لهم لترديدها, فأمست عبارات ثوريه يساء استغلالها في الباطل ورمزاً للثوره المضاده.
إشتهر المفهوم الحزبي والإنتماء إليه من خمسينيات القرن المنصرم حتى منتصف التسعينيات, فمع إنهيار الإتحاد السوفيتي وخمول الحرب البارده وإنتشار ثقافة الرأسماليه الإقتصاديه وما تبعها من العولمه وقوانين منظمة التجاره العالميه, بدأت الشعوب والنخب تتصالح مع الحاكم المستبد, وبدأ الفكر السياسي السلمي التصالحي لا التصادمي كما كان عليه سابقاً, مم سهل اختراقه وأفول نجمه, فنتج عن ذلك عقود الديكتاتوريه والإستبداد التي حكمت وأفسدت, حتى قامت عليها ثورات الربيع العربي بتلقائيه وغضب عارم, نتج عن إحراق شاب مقهور لنفسه, فزلزل عروشاً ظنت أنها مخلده, فإذا بها الآن إما مقتوله أو هاربه أو مسجونه, والبقية تتبع ما لم يتعض من هم في السلطه, ويغيرو استراتيجية حكمهم, فلو تخلصو قليلاً من التفرد وأتبعوه بمشاركه, مع تعديل للدستور ولجم الأجهزه الأمنيه القمعيه وقليل من حرية الكلمه والتعبير لاختلف الواقع أو تأجلت الثوره بضع سنين على الأقل.