مصر : محاكمة المعارضة

الرابط : اراء حرة (:::)
د. فايز رشيد – فلسطين المحتله (:::)
النائب العام المصري المعين من قبل الإخوان المسلمين ,والذي عدل عن الاستقالة بسبب ضغوطاتهم عليه، يرفضه رجال القضاء المصري ويدعونه إلى المضي قدماً في استقالته،والعودة إلى ما كان عليه:قاض في سلك القضاء، النائب أصدر قراراً بتوجيه الاتهام بجنحة(الخيانة العظمى)والتحريض ضد الشرعية،لكل من:حمدين صباحي وعمرو موسى ومحمد البرادعي،بدعوى : حث أنصارهم على الانتفاضة من أجل الاطاحة بالرئيس المصري المنتخب:محمد مرسي.اثنان من الثلاثة وهما:صباحي وموسى ترشحا للانتخابات الرئاسية المصرية وصباحي حاز على المركز الثالث في انتخابات الجولة الأولى.البرادعي عدل عن الترشيح في اللحظة الأخيرة , وهو أسس”حزب الدستور”.يأتي ذلك غداة الذكرى الثانية لثورة 25 يناير.
المتهمون الثلاثة مارسوا وما يزالون المعارضة السلمية،ولم يدعو مناصريهم إلى حمل السلاح بل إلى الاحتجاجات السلمية والتجمع في ميدان التحرير،فهم يرفضون مخطط الإخوان المسلمين للسيطرة والتفرد بالدولة وكافة أجهزة الحكم فيها،وتفصيلها على مقاساتهم السياسية والأيديولوجية،وجعل الرئيس ذو صلاحيات مطلقة لا يمكن لأحد الاعتراض على قراراته،ووضع دستور صاغه الإخوان المسلمون ليكون دستوراً إخوانياً بامتياز.هؤلاء لم يتجازوا قواعد الديموقراطية ولم يمارسوا العنف،الذي مارسه الإخوان المسلمين ضد المتظاهرين أمام قصر الاتحادية , إلى الحد الذي أدّى إلى سقوط ضحايا وإلى جرح المئات من المصريين.
لقد سبق للرئيس مرسي وفي خطابٍ له أن اتهم المعارضة بتدبير(مؤامرة) للإطاحة به.إنه نفس النهج الذي يسلكه الرؤساء الدكتاتوريون للإطاحة بقوى المعارضة في بلدانهم.إنه نفس السلوك الذي انتهجه الرئيس المصري الأسبق:أنور السادات للفتك بزملائه من مجلس قيادة الثورة واتهمهم حينها بالتآمر لقلب نظام الحكم،فما هو الفارق بين هذا وذاك؟لقد ملّت الجماهير المصرية هذه الأسطوانة التي ترتفع بين الفينة والأخرى.
الرئيس مرسي لم ينجح في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية ضد مرشح العهد البائد أحمد شفيق بأصوات الإخوان المسلمين فقط،وإنما صوتت له كل قوى المعارضة لقطع الطريق على شفيق.
نصف عام مضى على وجه التقريب في ظل تسلم الرئيس مرسي للسلطة،الأزمة الاقتصادية المصرية ازدادت تفاقماً،كذلك الأسعار ارتفعت, في ظل بطالة مستشريه في الواقع الحياتي،الأمر الذي أدى بالحكم إلى محاولة الاقتراض من صندوق النقد الدولي،الأخير يبدي حذراً كبيراً تجاه الطلب المصري لعدم اطمئنانه إلى واقع الاقتصاد المصري.من ناحية ثانية يدرك متسلمو السلطة في مصر أن صندوق النقد الدولي والمؤسسات المالية العالمية الأخرى لا تعطي قروضاً للدول إلا إذا قامت الأخيرة بتلبية اشتراطاتها الاقتصادية منها والسياسية.
إن ما جرى ويجري في مصر من استهداف للمعارضة ورموزها بغية تفكيكها وللاساءة إليها وحرقها جماهيرياً, هو محاولة لتكميم أفواه الشعب المصري.والحد من انتقاداته للإخوان المسلمين،وللرئيس شخصياً،وهو ما لم يفعله الرئيس المخلوع مبارك.لا يجمع الثلاثة المتهمين أي إطار سياسي يوحد فيما بينهم سوى رفضهم المطلق”لأخونة” مصر.لقد وعد الرئيس مرسي ومن قبله حزبه:الإخوان المسلمون باحترام الديموقراطية وحرية التعبير وحقوق المواطن.منذ تسلمهم للسلطة طارت هذه الوعود ,وانقلبت إلى النقيض والاتهام الموجه لرموز المعارضة, هو البداية فقط.
لم تقم الانتفاضة(الثورة) في 25 يناير 2011 من أجل تسلط حزب على الشعب مثلما يحدث حالياً،ولا من أجل تحصين قرارات الرئيس،ولا من أجل استثئار حزب واحد بالسلطة،بل قامت على أكتاف كافة القوى الوطنية والقومية الناصرية،واليسارية من أجل الحرية،بالتالي فإن من حق كل هذه القوى معارضة ما يجري من خطوات تفرديه يمارسها الإخوان, وابعاد كامل للآخرين, كما هو حق كل الجماهير الشعبية المصرية.
التفرد في الحكم, هو الخطوة الأولى نحو الدكتاتورية المطلقة , وهو البداية لإقامة الشرخ بين السلطة والشعب.تفرد السادات قاده إلى اتفاقية الذل والعار في كمب ديفيد،هذه التي حيّدت مصر عن أهم صراع في المنطقة وهو الصراع العربي-الصهيوني،وأخرجت مصر من الجسد العربي.التفرد قاد السادات إلى الارتماء في الحضن الأمريكي والتطبيع مع إسرائيل , وإلى سياسة(الانفتاح) التي مارسها والتي محت الطبقة الوسطى،وزادت الأثرياء ثراءً والفقراء(الذين هم عموم المصريين) فقراً،وقادت إلى الفساد وظهور فئة عريضة من القطط السمان.
المقدمات تقود إلى النتائج،والبداية السلطوية من خلال سياسة كم الأفواه في مصر ستؤدي إلى نتائج من ذات النوع ,ستقود إلى تجاوزات وإلى القمع بكل ما يعنيه هذا التعبير:الإخوان المسلمين لا يحتملون توجيه النقد إليهم وإلى سياساتهم،وابتدأوا عهدهم من خلال توجيه الاتهام إلى رموز المعارضة.هدفهم حرف الانتباه عن الإشكالات الاقتصادية والسياسية التي يعيشها الشعب المصري،وتهشيم المعارضة جماهيرياً وبخاصة أن مصر ستكون على أبواب انتخابات تشريعية. منذ الآن يخططون للاستيلاء على كل مقاعد مجلس الأمة ,هذا بعد فوز الدستور في الاستفتاء عليه.
ما نأمله أن تعود السياسة المصرية الحالية إلى جادة الصواب.