اكذوبة الحنيـــــن

الرابط : فن وثقافة :
سهى بطرس قوجا  :
الحنين والحنان كلمتان تحملان من المعنى فوق التصور، هي مشاعر إنسانية سامية لا تتوافر ألا في النفوس الرقيقة والراقية والقوية والرحيمة. كما وأنهُ لا أحدٌ قادر على منحها للغير بكل جديةٍ وصدق ألا القلة النادرة ممن يحملون بداخلهم علامات الرقيّ الإنساني، وأيضا ممنْ يشعرون بالحنان تجاه أنفسهم، أي بمعنى حبّ الذات من أجل أن تحبّ الآخر، الشعور بالذات من أجل الشعور بالآخر …. يقول:
عادت بعد أن حنتْ وأشتاقتْ! عادتْ بعدما شعرت بالحنين الذي كان! عادتْ تبحث عن الذي لم تجده عند الآخرين! عادت تبحث عن الذي علمتهُ لها معناه ولغتهِ! عادت بعد أن سلبتني خاطري وزرعت الأنين داخلي! عادت بعد أن أشعلتْ جمرّ الشوق بداخلي كل تلك السنين! عادت بعد أن أسقتني من كأس حبها، ثم غادرتني، جاعلةٍ حنيني يرحل صارخًا في رحلة سنينَ عمري الراحلة!
فماذا تريدين مني الآن يا إمرأة أطفأت بريق حياتي؟! ماذا تريدين مني بعد أن عرفت أن حنينك كان أكذوبة؟! هل تريدين سماع عتابي وأنين قلبي؟! هل تظنين أني سأحنْ وأعود؟! إذن أسمعي للنهاية ما سيقولهُ لكِ حنيني وأشتياقي، أسمعي وتعلمي أن ما نحرم الآخرين منهُ سنحرم منهُ لاحقا؟!
أنتِ التي كنتِ ذات يوم، أغلىّ وأروعّ وأجمل شيءً في حياتي، كنتِ غاليتي، مُدللتي، جميلتي، عناقيَّ، عمري، أجمل سنواتي. أيام وليالي أخذني الشوق إليكِ، عندما كانت تشتدّ أمواج الحزن والألم بداخلي، أتذكركِ فكنتُ أبحث عنك بين كلمات رسائلك، عن أنفاسك بين وريقات الأزهار، عن ملامحك بين لوحاتي، عن ذكراك بين صفحات كتبي.
كنتُ أتذكرك مع كل سقوط مطرٍ! كلما كانت السماء تبكي، أسرعت للنافذة، علنيّ أراكِ تتراقصين تحت زخاتها مثلما كنتِ تفعلين، فلا أجدكِ، فاشعر بالبرد يتملكني! أجلس وحيدًا أمام مدفئتي، أتذكر ابتسامتك فابتسم معها وبعدها تتساقط دمعات دافئة من عيني.
حيرني اشتياقي لك! كُنتِ تُغرقيني كلما أُبحر بحنيني إليكِ ولا أجدك، كنت ألحنّ أسمك أغنية لقلبي عليَّ أصبرهُ، فكان ينزف أكثر. أنا كنتُ قيس وأنتِ لستِ ليلى، أنا رجلٌ أحبّ حنينًا كاذبًا من أنثى، أنا رجلٌ أصبح مجنونكِ! عشتُ ألم وعذاب الحبّ وحدي! فيا جميلتي في الهوىّ، أنتِ قتلتِ قلبًا ضاع في دروبّ الفراق وعاش على صمت الذكريات! ضاعَ بعدما زرعتِ فراق ووحشة وفراغ بداخلهِ، بأكذوبتك شعرت بالغربة وباليتم، فأبحث عن وطن يحويني! فما قولكِ بجرح يصرخ ويبكي، ويتألم من قسوة جارحهِ؟!
كان ردها:
أنتَ الجريح وأنا الجارحة، أنا المذنبة وأنتَ المُتسامح ، نعم أنا من رحلتْ وهاجرتْ، وأنا من تخلتْ عن دفئً لا يعوض! ولكن الآن أنا من أبحث عنك، أنا من عادتْ تركع لك! فأنا من طينًا عُجنتْ، ومن ضلع امرئ أخذتْ لأكون أنثىّ. قيل ليّ أن الحياة بستان جميل مليْ بالورود والرياحين! فتمردتْ وعاندتْ ورحلتْ، ولكن مثل عبقّ حنينك لمْ أجدّ، ومثل سواركَ يقيدني بكل قوتهِ لم أعثرّ!
نعم أنا من وضعتْ نفسها في زنزانة وقيدتها بيديها الأثنتين! حاولت العودة ولكن ترددت والأفكار تساورّ خيالي ما بين القبول والرفض منك، وأخيراً قررت العودة لكي أكون كل تملك، وتكون أنتَ كل ما أملك، عدتُ وجراحي تبتسم ابتسامة أمل منكَ، فلا تجعلني أكذوبة وأنا لروحك مطلوبة؟!
الحنين كلمة جميلة ودلالاتها عظيمة، مشاعر جميلة ممزوجة بشوق رنان يرنّ في رحلة الحياة لكل شيءٍ جميل فيها، للأهل، للأحبة، للوطن، للديار، للآمال، للذكريات …الخ. بها تعرف نفسك وإنسانيتك وبها تتواصل مع داخلك ومع الآخرين. فليحافظ كل واحدٍ على تلك البذرة بداخلهِ لكي تتغذىّ روحهُ عليها وتتواصل.