الصهيونية : طبعه اسرائيليه جديده

الرابط : دراسات :
نبيل عودة – فلسطين المحتله :
المراقب للحياة الحزبية في اسرائيل يصاب أحيانا بعدم فهم مواقف الأحزاب (اقصد الأحزاب الصهيونية) من الأحداث التي تسمى مصيرية، الحروب والإحتلال على وجه الخصوص، التي تحظى عادة باجماع قومي من جميع التيارات.
من المفترض ان الأحزاب في اسرائيل لا تمثل وجهة نظر سياسية واحدة  ولا نهجا اجتماعيا – اقتصاديا متشابها، غير ان المراقب يقف حائرا، من ظاهرة نادرة في المجتمعات الدولية، ظاهرة الموقف المتماثل من قضايا حاسمة في مصير الدولة ومستقبلها في منطقة جغرافية متفجرة بأحداث لا يمكن التنبؤ بتطورها بدقة ،او حتى بالتقريب. جميع الأحزاب الصهيونية تساهم في إكساب اسرائيل صفة دولة لا تعرف غير لغة القوة. اسلوب بات يشمل مجمل العلاقات الإجتماعية بين المواطنين اليهود انفسهم، حتى بين الزوج وزوجته والأب وأولاده، وليس ضد العرب فقط المواطنين في اسرائيل ، او ضد من تسميهم اسرائيل ارهابيين لا فرق بين منظمات او دول.  طبعا لا انفي وجود عقلانيين يهود ، يرون الصورة السوداء لهذا النهج ، ويمثلون الفئات الأكاديمية والأدباء ورجال الفكر والعديد من الشخصيات  التي تطرح مواقف واقعية بعيدا عما اعتدناه من مواقف  المؤسسة الحاكمة وأحزاب ما يعرف بالمعارضة،  رغم انهم يمثلون تيارا هاما له تأثيره الكبير على المستوى الشعبي لكنه لا يترجم سياسيا ولا اجتماعيا، حتى الهبة الإجتماعية في اسرائيل قامت بتنظيم قوى شبابية غير حزبية..
لا اريد ان أضع نفسي خبيرا في الحياة الحزبية في اسرائيل، ولكني متابع ومطلع بتوسع على الواقع السياسي الذي نتنفسه ونعيشه، واكتب لأنظم أفكاري ومعلوماتي وجهدي لفهم التطور التاريخي السياسي لهذه الحالة الإسرائيلية.
المشهد السياسي العام يطرح صورة كاريكاتيرية ، حزب “الليكود” يمين سياسي واقتصادي فيه تيارات متطرفة استيطانية  فاشية، انتخابات داخلية لليكود (جرت في 26-11-2012)  لتشكيل قائمته للكنيست القادمة انجز فيها اليمين المتطرف  وقوى المستوطنين مكاسب كبيرة وعزل من عرفوا بالأصوات العقلانية ( او بأمراء الليكود أمثال دان مريدور وبيني بيغن) . حزب “يسرائيل بيتينو” يمين فاشي بدون رتوش، تحالف مع يمين لا يقل عنه تنكرا لحقوق الفلسطينيين. وربما الخلاف الصغير بينهما هو حول الأقلية العربية في اسرائيل التي يريد حزب “يسرائيل بيتينو” ( حزب ليبرمان) ان يضيق الخناق عليهم أكثر مما هو مُضَّيق بسلسلة قوانين فاشية ، وصلت الى درجة محاولة منع الشعب المنكوب بتذكر نكبته وقوانين عنصرية أخرى عديدة. بينما الليكود يريد ان يكون الأمر بدون ضجيج وفي توقيت سياسي ملائم لا يربك اسرائيل وديمقراطيتها (المنقوصة أصلا للعرب) على الساحة الدولية. هذا تحالف مثير وغير طبيعي ويشكل ضوءا أحمر لكل من يهمه مصير الديمقراطية في اسرائيل، واعني رجال الفكر والأدب والأكاديميا والكثير من المثقفين والمتنورين اليهود، من فهمهم ان الديمقراطية لا تتجزأ على أساس قومي ، اليوم ضد العرب وغدا  ضد كل صوت عقلاني ناقد لسياسة المؤسسة الحاكمة، هذا ليس توقعا نظريا، بل بدأت ظواهره المقلقة تظهر بمحاولات الإعتداء على شخصيات يهودية عقلانية ، لدرجة زراعة قنابل ناسفة في مداخل منازلها، او شعارات تهدد بالإنتقام ضد كل من يرفض سياسية اليمين الفاشي والإستيطان وطرد الفلسطينيين من اراضيهم والتضييق عليهم بالأسوار العازلة، وحرمانهم من فلح أرضهم ومن حق التجول في ما تبقى من وطنهم ، وأقصد مناطق 1967.
هناك أحزاب دينية تقليدية تسمي نفسها قومية صهيونية، وأحزاب دينية متطرفة لا تعترف بالصهيونية، مواقفهم السياسية لا تختلف عن الليكود. تدعي انها تمثل اجتماعيا الفئات الضعيفة في المجتمع الإسرائيلي، ولكنهم يعيشون على حساب ميزانية الدولة، معظمهم لا يعملون ، ولا يخدمون بالجيش ، “يدرسون” التوراة ، وهذا شغلهم الشاغل ، اليوم هناك أصوات قوية تنادي بفرض التجنيد عليهم، ودفعهم للعمل وليس التمتع بما ينتجه الآخرون، الذين يحرمون حتى من مداخيل مساوية لمن لا يعملون.. وتطلق أوساط واسعة من المجتمع اليهودي على اليهود المتطرفين ( الحراديم )  تسمية “طفيليين”.
مجموعة أحزاب أخرى تطلق على نفسها أحزاب المركز، منها حزب “كاديما” وحزب ” العمل” الذي كان يعتبر اساسا حزب يسار، رغم ان لا شيء من اليسار قي مواقفه، وتعلن قائدته شيلي يحيموفيتش انها اشتراكية ديمقراطية  وحزب مركز،  تنازلت عن صفة يسار الذي اصبحت التسمية به ، اشبه بالإنتحار السياسي. حزب “ميرتس” هو الحزب الوحيد الذي يرفع لواء اليسار بدون تردد، وهو حزب صغير، لكنه حزب نشيط اجتماعيا، ورغم ان مواقفه الإجتماعية هي الأكثر اجماعا بين المواطنين اليهود (والعرب الى حد ما) الا انه لا يحصل على أصوات تعادل شعبية مواقفه الإجتماعية وحتى مواقفه  السياسية أيضا. سياسيا هو الحزب الوحيد المعارض لسياسة الحكومة الحربية وسياسة التنكر لحقوق الشعب الفلسطيني ، يرفع شعار المساواة الكاملة لكل المواطنين في اسرائيل. مواقفه متشابهة الى حد بعيد مع الأحزاب العربية.
طبعا هناك أحزاب صغيرة، او قوائم انتخابية مثل “عتسمؤوت” قائمة وزير الدفاع ايهود براك الذي اعلن انسحابه من الحياة السياسية، وقد تكون خطوته تمهيدا ليعود وزيرا للدفاع كشخص لا ينتمي لتيار سياسي معين انما كخيار مستقل لمن يشكل الحكومة القادمة… وحزب جديد “عتيد” لصحفي ومذيع تلفزيوني سابق هو يئير لبيد، وما تبقى من “كاديما” التي قد تختفي في الانتخابات. واعلنت قائدة “كاديما” السابقة تسيفي ليفني عن تشكيل حزب جديد باسم  “هتنوعا” وصفته بأنه يسار – وسط .
ما عدا “ميرتس” كل الأحزاب الأخرى من يمين ومتدينين من كل الأنواع وأحزاب مركز ، ايدت الحرب ضد غزة والبعض اراد الدخول العسكري البري، وانتقدوا وقف العمليات ، وتجاوزوا اليمين الفاشي في حماسهم للحرب ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.
اذن لن تكون مشكلة لبيبي نتنياهو ان يشكل الحكومة القادمة مع ( 100) عضو كنيست من مجموع (120 عضوا). لا معارضة حزبية جادة في اسرائيل من سياسة الحرب والانتقام من الفلسطينيين واستمرار احتلال الأرض الفلسطينية واستيطانها.
نحن امام تطور نوعي سلبي في الحركة الصهيونية نفسها. اربط ذلك مع كتاب جديد ظهر تحت عنوان :” اسرائيل – مستقبل مشكوك فيه”، المؤلفان هما ريشار لأوف باحث نشط في جامعتي “الحرة” في بريسيل و”كارنجي ميلون” في الولايات المتحدة  واوليفيه بوروكوفيتش باحث من جامعة “لوفن” وكان خلال عقد كامل محررا للمجلة الشهرية البلجيكية “ريغاردز” المتخصصة بالحوار الاسرائيلي – فلسطيني.
ساعود للكتاب الهام فيما بعد، ما لفت انتباهي هي المقدمة التي كتبها بروفسور ايلي بار- نفي ، والتي وجدت فيها الجواب لواقع الأحزاب الصهيونية بعد ان دخلت اسرائيل عقدها السابع.
كتب في مقدمته، ان الجميع يعرف ان الصهيونية السياسية انقسمت منذ بدايتها الى تيارات متنافسة، تمثل تيار المركز وبالأساس تيار اليسار.وكل تيار انقسم الى روافد ايديولوجية مختلفة ويضيف ان كل تيار وجد لنفسه اسباب ارتباطه بالصهيونية. التي يصفها أنها ايديولوجية اوروبية وانها “هدية اوروبا لليهود” حسب قول احد قادة الحركة الصهيونية.
يصنف ايلي بار التيارات الصهيونية التي برزت في ذلك الوقت (عمليا الأحزاب الإسرائيلية اليوم هي استمرار لها)، لكنه يبدو استمرار أقرب لصورة المسخ. يكتب: “الصهيونيين  الماركسييين وصفوا الضرورة العاجلة لإيقاف الهرم الاجتماعي اليهودي على قدميه، من أجل افساح المجال لنشوء حرب الطبقات (الفكرة الماركسية للثورة الإشتراكية)، هذا النشوء لا يمكن ان يتطور الا بدولة قومية،  الإشتراكيين غير الماركسيين  رأوا أمرا عظيما في العودة الى العمل في الأرض والعمل اليدوي . اليمين القومي اراد التوحد من جديد مع الشرف المفقود للشعب المقاتل، الصهاينة الروحانيين ارادوا ان ينقذوا اليهود من الذوبان داخل الشعوب بأن يؤمنوا لهم مركزا روحانيا في وطن الآباء”.
لا ارى استمرارا صهيونيا في اسرائيل لهذه التيارات. الماركسيين اليهود اختفوا وما  تبقى بضعة افراد في الحزب الشيوعي الإسرائيلي الذي يعتبر رسميا حزبا يهوديا عربيا، حزب “مبام” الماركسي ( في فترة ما نافس الحزب الشيوعي على مقعد الكومنترن – الأممية الشيوعية ) لم يعد له وجود، حزب “احدوت هعفودا” اليساري صار في خبر كان.  بعد أن توحد الحزبان الشيوعيان العربي واليهودي بعد اقامة دولة أسرئيل وبعد الإنشقاق اليهودي الكبير( يمكن رؤيته كانشقاق يهودي قومي)  في بداية سنوات السبعين بدأ يتحول الحزب الشيوعي  بتسارع الى حزب عربي بنسبة (99%) وهو يمثل أفضل تمثيل الجماهير العربية في اسرائيل، رغم ما يعانيه من أزمة قيادة وأزمة فكرية وتنظيمية.
من الواضح ان كل النظريات الصهيونية تطورت في فترة سيادة مبدأ الفكر القومي الذي اوجدته الثورة الفرنسية، وأصبح نموذجا لكل المتعلمين ، وكان التعريف السائد ان مميزات القومية هي اللغة ، الأرض، الثقافة والذاكرة المشتركة، وبفضل هذه المميزات يصبح كل شعب جديرا ” بحق تقرير المصير” في اطار دولة قومية، هي التعبير القانوني الأعلى لوجوده. بما ان اليهود كانت لهم عدة صفات مشتركة، اهمها لغة مشتركة هي لغة “الإيديش” (منتشرة في اوروبا والولايات المتحدة واسرائيل طبعا)، الدين الذي يعتمد على اساطير منقولة معظمها عن اساطير بلاد ما بين النهرين  وتشكل جوهر التوراة اليهودية  وعلى اساسها نشأت الذاكرة الجماعية حول ارض الميعاد ، التي هي قصص خرافية ، بينما نجد ان الثقافة تختلف، التقاليد تختلف ، المستوى التعليمي يختلف ، لا شيء مشترك مثلا بين يهود الشرق ويهود الغرب ، لا لغة ، لاثقافة لا لون لا مستوى تعليم ولا مستوى حياة ولا نهج اجتماعي. والسؤال: هل يمكن ان تصبح الأسطورة الدينية  قاعدة لشرعية طرد شعب من أرضه واحضار شعب آخر بدلا منه؟
لن ادخل الآن في موضوع نجاح الصهيونية بدعم الدول الإمبريالية في انشاء وطن قومي لليهود في فلسطين. ولكن أشير ان تطوير اقتصاد مشترك وعلوم كان وراء النجاح بتطوير قومية اسرائيلية – يهودية.
المقارنة مع البدايات الصهيونية تظهر ان الحياة الحزبية في اسرائيل تفقد حيويتها، الأحزاب تفقد ما يميزها، ان ظاهرة الوقوف الشامل لكل التيارات السياسية تقريبا، مع الحكومة بدون تردد ، في أي أزمة ناشئة، وخاصة بموضوع صدام عسكري، او من النزاع الإسرائيلي – قلسطيني،  بحيث تصبح جميع الأحزاب في “خرج” واحد، من اليمين الفاشي والديني المتطرف وصولا الى من يدعي اليسار( ما عدا حزب “ميرتس” الصغير) هي حالة لا تشرف الأحزاب الإسرائيلية، وتظهر عبث التمييز بين حزب صهيوني يميني متطرف او ديني متطرف وحزب يدعي الإشتراكية الديمقراطية او انه يمثل خط وسطي او يسار وسط. اذا لم يكن فرق جوهري في سياسة الأحزاب العامة، لماذا اذن هذه التشكيلة الكبيرة من الفرق الحزبية؟ الجواب بوضوح ، ان الوصول الى البرلمان هو مصدر رزق ومكانة اجتماعية وسياسية . ارى بذلك دافعا لتعدد الأحزاب الإسرائيلية، وليس لرؤية أيديولوجية مختلفة.
كل الإحترام لحزب “ميرتس” الذي يدعو اليساريين الى العودة للبيت. ان الإصرار على الموقف الفكري للحزب هو مكسب لنهج الحزب . أحزاب بلا عمود فقري فكري واضح ومميز، هي فقاعات صابون.
من هنا رؤيتي ان الانتخابات في اسرائيل باتت شكلية، الليكود سيعود للسلطة   بغياب منافس جدير لسياساته. لماذا التغيير ما دام نتنياهو أفضل من يعبر عن هذا النهج؟
هل هذه الظاهرة صحية سياسيا وقوميا ؟
من هنا طرح الكتاب المذكور اعلاه عنوانا مثيرا:” اسرائيل – مستقبل مشكوك فيه”!!
مجتمع يفتقد للتعددية والحوار حول قضايا مصيرية بين أحزابه، وكل معارض يوصم بالخيانة القومية، (حتى لو كان رئيسا للحكومة مثل رابين) هو مجتمع مندفع في منحدر بدون فرامل.
———————-
nabiloudeh@gmail.com