الخروج من الباب والعودة من النافذه : ملامح السياسه الامريكية تجاه دول الربيع العربين !!

الرابط : دراسات :
تحليل بقلم: محمود يونس :
بعد انتهاء الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفيتى السابق ومعه دول الكتلة الشرقية وقيام ما يسمى بتوازن العالم الجديد اعتمدت السياسة الامريكية الخارجية فى تعاملها مع الدول العربية لسنوات طويلة على محور ارتكاز أساسي  يضمن هيمنة هذه السياسة على مناطق صنع القرار فى هذه الدول بما لا يخرج عن مصالحها السياسية والاقتصادية والعسكرية فى المنطقة . وكان هذا المحور بعتمد فى جوهره على مرتكزات أساسية  عدة نذكر منها ما يلي:
1-  دعم الحكام الغير منتخبين ديمقراطيا سياسيا واقتصاديا وتوفير مظلة حماية لهم
أمام شعوبهم من أجل استخدامهم وتوظيفهم بطريقة غير مباشرة – ومباشرة أحيانا – لتحقيق أهدافهم المطلوبة وغالبا ما كان تصرف هؤلاء الحكام بمثابة تصرف الكلب الوفي لصاحبه لأن احساسهم بعدم وجود قاعدة شعبية تحميهم وتحمي كراسيهم جعلتهم يبحثون عن داعم خارجي قوي يرهبون به من تسول له نفسه من الاقتراب من عروشهم وكراسيهم.
2-  كذلك وجهت السياسة الامريكية التي تبنت عداوة صريحة للاسلام السياسي وقرنته دائما بالارهاب نظر هؤلاء الحكام الخادمين لسياساتها وأشاعت لديهم عقدة الخوف من كل ما هو اسلامي وجعلتهم يشعرون بخطورته عليهم فلم يألوا جهدا في محاربته وحولوا الأنظار الى الاسلام الذى يهتم بالعبادات وطاعة ولي الامر فقط .
3-  كما عملت الحكومات الامريكية المتعاقبة على تفريغ أحشاء الجيوش العربية ودربت على طريقتها قادة هذه الجيوش وأبدلت مصادر تسليحها  ودعمتها ماليا وعسكريابحيث تكون دائما مرتبطة بها كما يربط الحبل السري المولود فى بطن أمه وهي بذلك ضمنت من هذه الجيوش الولاء والطاعة وعدم الانقلاب على الطواغيت اللذين صنعتهم وتحول دور الجيوش العربية الى القيام بأعمال مدنية حينا وحماية الحاكم حينا أخر أو المشاركة عسكريا  وتوفير الدعم اللوجيستى فى مغامرات الحكومة الامريكية العسكرية فى المنطقة كحرب تحرير الكويت وحرب العراق.
4-  الاعتماد على تقديم  بعض المعونات  الاقتصاديةلهذه الدول من أجل تثبيت أقدام الحاكم وغض النظر عن الوجه الذى تصرف فيه هذه المعونات . والتلويح دائما فى وجوه الدول بقطع المعونات ان هم أساءوا التصرف أو أغضبوا سيدهم
ولم يقتصر موضوع الدعم على المعونات المباشرة بل تجاوزها الى الإيعاز للأطراف العربية الغنية بتقديم أو بعدم تقديم مساعدات مادية لطرف عربي لا يجاري السياسة الامريكية فى المنطقة أو يعاديها – كما رأينا فى حالة منظمة التحرير الفلسطينية لدفعها للتوجه الى أوسلو- او المساعدات الخليجية لمصر لدفعها للمشاركة فى حرب تحرير الكويت
5-  العمل على تفريغ المجتمعات العربية من قيمها الاساسية التى تشجع على التضامن الاجتماعى وتقدس العمل وتحويل هذه المجتمعات الى مجتمعات استهلاكية غير منتجة كي تكرس اعتماد هذه المجتمعات على المساعدات الخارجية وصندوق النقد الدولي كي تحل مشاكلها الناتجة اساسا عن تحويل هذه الشعوب الى شعوب غير منتجة ومعتمدة على الغير دائما .
6-  استخدام عصا التخويف الاسرائيلية أمام كل من يحاول الخروج عن قواعد وأصول السياسة الامريكية في المنطقة ودفع حكومات المنطقة الى القيام بمعاهدات سلام  فارغةمع اسرائيل وتشجيع التطبيع معها وذلك من أجل تفريغ جوهر الصراع العربي الاسرائيلى من مضمونه الحقيقى دون اجبار اسرائيل على تقديم تنازلات حقيقية موفرة على اسرائيل القيام بمواجهات عسكرية مع الجيوش العربية وتكريس مجهوداتها الى احكام سيطرتها على الارض العربية وخلق واقع جديد على الارض.
ولاشك ان اسرائيل استفادت اكبر استفادة من هذه الارضية المثالية التى وفرتها لها نتائج السياسة الامريكية فى المنطقة.
7-  تشجيع دول النفط العربية  وغير النفطيةعلى ايداع فائض اموالهم فى البنوك والشركات الغربية والامريكية كي تضمن دائما ان هذه الاموال لن تستخدم فى تطوير الدول العربية مما يغنيها عن امريكا ومساعاداتها او ان تذهب هذه الاموال كمساعدات لطرف عربي  يناهض السياسة الامريكية . ولا شك ان ثورات الربيع العربي قد كشفت عن حجم ضخامة الاموال المودعة فى بنوك اوروبا وامريكا مما يجعل اكذوبة المساعدات الامريكية لهذه الدول أضحوكة لدى تلك الشعوب وما خفى كان أعظم.
ولاشك ان الولايات المتحدة قد استطاعت بواسطة هذا التخطيط العنكبوتى وخيوط هذه الشبكة من الاجراءات ان تحكم سيطرتها تماما على مناطق صنع القرار فى العالم العربي طيلة عقود من الزمن. لكن وبما ان قوانين الطبيعة لا تتغير وتبقى دائما صحيحة فإن لكل فعل رد فعل وكانت النتيجة الطبيعية لهذه السياسة أن دعمت الحكام بشكل مطلق وأبقتهم على كراسيهم لفترات طويلة
وكان يمكن لهذه السياسة الامريكية فى المنطقة العربية أن تستمر بنجاح لفترات طويلة لولا أنها أغفلت عاملا مهما من حساباتها وهذا العامل هو دعمها اللامحدود لاسرائيل التي تمادت فى استباحة كرامة 250 مليون عربي ووضعت أغلب الحكام العرب على المحك فى الاختيار بين ولائهم لشعوبهم وولائهم للسيد الامريكي وان كانت هناك مقدمات لثورات الربيع العربي فهى بلاشك ابتدأت منذ الحرب الاخيرة على لبنان ثم الحرب على غزة بعدها . فقد كشفت هذه الحروب عن الوجه القبيح لزعماء وحكام العرب الذين ادانوا فى العلن وأيدوا فى الخفاء مما ولد قناعة لدى الشارع العربي ان هؤلاء الحكام هم سبب كل علة تواجهها الامة وان التغيير يجب ان يبدأ بهم.
بالاضافة الي ذلك فقد حولت سياسة هؤلاء الحكام وموالاتهم لامريكا   حولت الشعوب الى شعوب مستباحة الكرامة ومفتقرة الى العيش الكريم بحرية .. الى شعوب يائسة.. متخلفة سياسيا واقتصاديا حتى عن افقر الدول بمراحل فى عالم يجري كل يوم يسرعة الصاروخ من أجل اثبات الذات والصعود الى مصاف الامم المتقدمة.
وكما يقولون ان كانت الشعوب ليس لديها ما تخسره فإن حاجز الخوف من بطش الحاكم سوف ينكسر بلا شك وليس هناك من هو اسوأوضعا من حاكم يحكم شعبا يائسا فقد كل مقومات الحياة بسببه.
وكانت النتيجة التي طال انتظارها لتصب تلك الشعوب جام غضبها على تركيبة النظام السياسى والاقتصادى والاجتماعى والعسكري الفاسد الذى قهرها لعقود
وقد فوجىء هؤلاء الطواغيت  واسرائيل كما فوجىء الغرب والولايات المتحدةبقوة الشعوب الهائلة على التغيير وهم الذين استكانوا واطمأنوا الى أن كل الامور تحت سيطرتهم. وادركوا ان أدواتهم القديمة فى التعامل سياسيا فى المنطقة  قداصبحت مهترئة وقديمة فى مواجهة تحدي التغيير القادم.
وكما يحدث دائما انه فى حالات التغيير الجذرية فى حياة الامم فإن التغيير يطال اول ما يطال الأسباب التى كان بسببها هذا التغيير ولاشك ان الغرب وامريكا واسرائيل مستهدفون لامحالة فى هذا التغيير ان لم يقوموا باستبدال ادواتهم وسياساتهم بسرعة وبطريقة تمتص من غضبة هذه الشعوب مؤقتا لتطويعها من جديد وبأسلوب مختلف لاحقا ومن هنا ابتدأت ملامح سياسة امريكية غربية جديدة فى التشكل للتعامل مع المنطقة من اجل ضمان عدم خروج الامور عن السيطرة بشكل كامل.
وقد بدأت أولى ملامح هذه السياسة فى الظهور عندما ابتدأت الثورات العربية
فكان اول شىء بادرت اليه الحكومات الغربية والولايات المتحدة ان تنكرت لأصدقائها القدامى من الحكام المخلوعين وجمدت ارصدتهم المكدسة فى بنوكها بل ورفضت حتى استقبالهم أحيانا وحركت المحكمة الدولية ومجلس الامن ضدهم احيانا اخرى و أعلنت بشكل صريح وواضح ان للشعوب العربية الحق فى تقرير مصيرها ديمقراطيا  رافعة لواء حقوق الإنسان وذلك من اجل كسب ود هذه الشعوب لاحقا.
ولم يقف الامر عند هذا الحد بل دعمت  بعض الثورات عسكريا دعما مباشرا وغير مباشر  مستعملة ادواتها فى مجلس الامن– كما فى حالتى ليبيا وسوريا – وذلك تحت مسميات حماية الشعبين الليبي والسوري من بطش أنظمتهم.
ولاشك ان هذا الدعم سيكون له ثمنه لاحقا شئنا ام ابينا وانه سيكون اللبنة الاولى فى بناء سياسة امريكية غربية جديدة فى المنطقة.
واختلف تعامل السياسة الامريكية مع ثورات دول الربيع العربي حسب كل بلد وظروفه ومدى خطورة مصالحها معه وقد حولت السياسة الامريكية فى هذا الشأن ان تسبق الجميع فى قراءة المستقبل ولذلك تقدمت على الجميع دائما بخطوات فى تعاملها مع الازمة ولاشك ان تصريح هيلاري كلينتون بعد ثورة تونس بأن انظمة عربية كثيرة سوف تنهار يشكل قراءة شفافة وصحيحة للمستقبل القريب هذه القراءة التى افتقدتها كثير من الحكومات العربية و حتى الغربية وعجزت عن قراءتها فى الوقت المناسب.
لذلك راينا الولايات المتحدة تتدخل بشكل غير مباشر وتحرك دول مجلس التعاون الخليجى لاحتواء الازمة فى اليمن وانقاذ ما يمكن انقاذه وضمان عدم وجود حكم مناهض للامريكان فى شبه الجزيرة العربية وهذا التدخل ناتج عن الرؤيا الصحيحة والسريعة للامور فى التوقيت الصحيح. ولم يقف الامر عند هذا الحد بل عملت الولايات المتحدة الى تقديم النصح والمشورة الى اصدقائها من الحكام العرب الذين لم يخلعوا ولكنها استشعرت خطرا كبيرا عليهم مثل الاردن والمغرب فقدمت الدعم المادي مباشرة لهم وامرتهم ان يتخذوا اجراءات سريعة لتخفيف الأعباء الحياتية عن شعوبهم وزيادة هامش الحرية وتنظيم انتخابات اكثر ديمقراطية بل وتبديل الوزرارات وتغيير الحكومات كليا أحيانا وذلك كاجراء استباقى لمنع انفراط خيط المسبحة الامريكية فى المنطقة.
اذا دعونا نقول انه بما لايقبل الشك فإن الولايات المتحدة والغرب حاولوا وما زالوا يحاولون ركوب موجة التغيير العربي وتطويع قوتها الهائلة لمصلحتهم ورأينا ذلك جليا فى حالتي سوريا وليبيا إذا نحن امام شعوب عربية لها مطالب عادلة فى الحرية والعيش بكرامة وانسانية كما اننا امام حكام اغبياء لايفهمون او يتعلمون من اخطائهم او يحاولون الاصلاح وفى المقابل نجد الغرب والولايات المتحدة يراقبون ويبتكرون اساليب جديدة للسيطرة على الوضع تدفعهم مصالحهم الهائلة فى المنطقة.. وعليه كانت المساعدات اللوجستية والاقتصادية والسياسية لهذه الثورات واحيانا العسكرية هى بداية الادوات لخلق نقطة تواصل ما مع ثورات الشعوب فى المنطقة تظهرها بمظهر الداعم لحرية الشعوب وتحاول ان توصل للجميع رسالة خفية بأنهم يمسكون بخيوط اللعبة..
ولم يتوقف الامر عند هذا الحد بل مارست الولايات المتحدة والغرب ألعابا قذرة بطريقة غير مباشرة وفى الخفاء ضد هذه الثورات مستخدمة بعض ادواتها القديمة حيث تركت هذه الادوات تقوم بدور كبير من خلق البلبة والفوضى والهلع من التدهور الامني والاقتصادي دون ان تظهر فى الواجهة وتمثل ذلك فى بعض المظاهر ونذكر منها:
–        استخدام بعض رجال الاعلام الفاسدين والموالين للانظمة المخلوعة فى نشر الشائعات المغرضة وتهويل الامور بشكل يشعر الناس بعدم جدوى الثورات
–        استخدام بعض رجال الدين فى اصدار فتاوي متشددة تنفر الناس من الدولة الدينية وتجعلهم يترحمون على ايام الحكم السابق وقد قامت ثلة من هؤلاء ولا زالت بوا جبها المنوط بها خير قيام دون اي وازع من ضمير او اخلاق.
–        الاستعانة بالحرس القديم من العسكر وقياداته واللذين دربتهم سابقا لكبح جماح التيارات السياسية الصاعدة والحد من اندفاعها الى الجانب المعادي للولايات المتحدة..
–        العمل بشتى الطرق على وضع العراقيل امام اية خطة اصلاح  غير مناسبة للامريكان والغرب تضعها الحكومات الجديدة
–        التلويح بعصا حقوق الانسان والحقوق المدنية فى وجه الحكام الجدد وكأن الولايات المتحدة اصبحت راعية للديمقراطية الان وهى التى كانت تغض الطرف دائما عن ممارسات الحكام المخلوعين تجاه شعوبهم هذه الممارسات التي يندى لها الجبين.
اخيرا نخلص الى القول ان مدى نجاح هذه السياسة المريكية الجديدة او فشلها انما يتوقف بالدرجة الاولى على وعى  الشعوب والقيادات السياسية فى دول الربيع العربي وكذلك على مدى مقدرة هذه الدول بالدفع بعجلة الانتاج للامام وزيادة الدخل القومى والاكتفاء اقتصاديا .
كذلك على مقدرة هذه الشعوب فى تطهير حياتها ومجتمعاتها من بقايا واذناب الانظمة المخلوعة.