غزه بين الوطني والعونطجي

الرابط : اراء حرة :
بقلم : تحسين يحيى أبو عاصي – فلسطين المحتله :
ليس المقصود هنا التشكيك بأحد ، ولا التشكيك بالفعالية الوطنية أو غيرها من الفعاليات ، ولكنه مشهد يأتي في سلسلة مشاهد متكررة هنا في غزة ، يمكن اعتبارها جزءاً من الحراك السياسي والفكري والأدبي الصامت والملموس والمنقسم حتى على نفسه …
فقبل أيام قمت بتلبية دعوة جاءتني من مركز التخطيط الفلسطيني التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية ( منتدى غزة الخامس للدراسات السياسية والإستراتيجية ) ؛ لحضور نقاش يتعلق في المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية – البحث عن خيارات –  وذلك في صالة المتحف الواقع شمال شاطئ بحر غزة ، وهي صالة ضخمة امتلأت بكاملها ، إذ يُقدر عدد الحضور بستمائة شخص تقريبا .
لا بد هنا من تسجيل كلمة شكر للقائمين علي المركز لما بذلوه من جهد ملموس متمنيا لهم التوفيق …
بدأ الحديث وطرح الرؤى السياسية أمام الجمع الكبير الذي كان في معظمه من الطيف الوطني لمنظمة التحرير الفلسطينية ، ومن مختلف المشارب الوطنية السياسية …
دققت في وجوه الكثيرين منهم فاحصا ومتسائلاً ، فمنهم من أعرفه ومنهم من لا أعرفه ، ولكن الجمع في غالبيته من رجال الفكر والسياسة ، وقادة الفصائل والعمل الوطني ، ورجال المجتمع المدني ، ووزراء وأعضاء تشريعي سابقين ، ومنهم ضباط كبار سابقين ، ورجال أعمال وأساتذة جامعات … فقلت في نفسي : لو صدق المجتمعون هنا في لقائهم هذا لغيروا مجرى القضية الفلسطينية نحو الأفضل ، ولنهضوا بمشروعنا الوطني إلى الأمام … ثم تساءلت في نفسي قائلاً :
•        أين موقفكم الميداني من الانقسام ؟ .
•        أين كنتم من قبل وقد آلت قضيتنا الفلسطينية إلى ما آلت عليه ؟ .
•   هل حضر كل هذا الجمع الكبير بدافع الانتماء والوطنية الصادقة والمصلحة العليا لشعبنا الفلسطيني ، أم أنهم حضروا بدوافع الترف والتسلية ، والاستمتاع بقضاء الوقت ، وحب الظهور أمام الآخرين ، واستعراض عضلات الفكر ، والظهور أمام كاميرات التلفزة والإعلام ، ونسج علاقات جديدة ليس إلا ؟ .
•        هل يشعر هذا الجمع بحرقة وآلام الانتماء الوطني لفلسطين وشعبها  ؟ .
•        هل نحن هنا فقط من أجل الاستماع لوجهات النظر ، ومن اجل التنظير ونقد الآخرين لا غير ؟ .
إن قضية فلسطين تحتاج إلى العمل العقائدي الذي يمد الرجال بالنفس الطويل ، ضمن رؤية يلتقي من خلالها كل شرفاء الوطن ، أسوة بباقي شعوب الأرض الذين انتزعوا حرياتهم وكرامتهم من بين أنياب ومخالب عدوهم ، فالنصر لا يأتي من فيه ثعبان … وإن المنتمين بجميع مشاربهم الفكرية والسياسية لا بد من أن يلتقوا حول قواسم مشتركة ، وهي قواسم كثيرة تتعلق في صراعنا مع العدو الذي لا يرحم منا شيبة ولا امرأة ولا طفلا … ونحن لا زلنا نعيش أزمة بنيوية ، وأزمة وظيفية ، وعجزنا من خلال تراكم الأزمات عن إدارة صراعنا مع العدو ، كما عجزنا عن إجماع وطني  يؤدي إلى وضع إستراتيجية جديدة لإدارة الصراع ، فتراجعت قضيتنا من سِلَّم الأولويات ، وانهار الاقتصاد ، وتعب الناس ، وتعمق الانقسام ، وارتفعت وتيرة الهجمة الاستيطانية بشكل غير مسبوق ، وازدادت حدة الهجمة على القدس من اجل تهويدها ، وانسد الأفق السياسي … ، فهل سنصحو من ثباتنا العميق فتجلس الأدمغة الفلسطينية حول مائدة واحدة ، تتبادل سُبل الخروج من عنق الزجاجة ؟. فالسياسة هي فن وفلسفة وحكمة ومصلحة ، بهذه الشروط انتصرت ثورات الشعوب المضطهدة عبر التاريخ .
في قاعة المتحف ، شعرت أننا ماهرون بامتياز في التحليل والتنظير ، وأننا على نقيض ذلك في الميدان ، كالذي يرقص في الظلمة والناس نيام ، أمام بوادر انهيار مشروعنا الوطني الفلسطيني إن بقي هناك مشروع ، وأمام غياب إستراتيجية واضحة للعمل الفلسطيني ، تعيد النظر في مجمل العمل الوطني الفلسطيني المأزوم ، والذي وصل إلى طريق مسدود …
حضرت لقاءات كثيرة مثل هذا اللقاء ، ضمن الحراك السياسي الصامت والجاري في غزة ، وفي كل لقاء تمخض الجبل فولد فأرا …
رحم الله شهداءنا الذي ضحوا بأرواحهم ليس من اجل شغل المخترة ، ولا من اجل الدروشة …
وأخيرا لم أطق ما كنت أسمع وأرى في صالة المتحف ، فانصرفت إلى شاطئ البحر القريب من المكان ؛ لعلي أتنفس الصعداء فأرتاح قليلا من تمثيلية المشهد ، متذكرا المثل الصيني المشهور : أن تضيء شمعة واحدة في الظلام خير من أن تلعن الظلام ألف مرة …
حديثي هذا ليس اتهاماً ولا تجريحاً ولا تشكيكاً بأحد ، وليس موجهاً ضد فرد بعينه ، ولا فصيل بعينه ، إنما جاء من قلب يحترق ألماً على ما آلت إليه الأمور ، ورغبة في جمع الصف الوطني لمواجهة عدو متغطرس ظالم ، ورحمة بشعبنا الذي أثخنته الجراح …
للاتصال بالكاتب :
tahsen-aboase2010@hotmail.com