بيض تسكنه الاشباح (8)

الرابط : القصة :
رواية للكـاتب: إدوارد فيلبس جرجس – نيويورك :
بعد موافقة القاضي على إحضار البيض من المزرعة مباشرة ، اتخذ الفريق المكلف لإحضاره طريقه نحو المزرعة في الصباح الباكر، استطاعوا الوصول إلى المزرعة دون متاعب ، وكان عمال المزرعة يقومون بتحميل سيارة استعداداً لنقلها إلى أحد عملائهم . كانت مصادفة حين وضعت بات يدها على أحد العلب الكبيرة التي تحوي داخلها علب البيض ولمست برودتها ، سألت مستفهمة عن السبب فأجابها أحد العاملين أنهم في أشهر الصيف حيث درجة الحرارة مرتفعة ، يقومون بتخزين البيض أولاً بأول في المبردات الكبيرة حتى يحين نقله خوفا من تلفه . صفقت بات بيديها كطفلة صغيرة وهى تستمع لهذا موضحة لمن رافقها من رجال الشرطة ، بأن السبب في عدم اختفاء البيض في المرة السابقة هو وضعه في المبرد قبل القيام بنقله . فلقد لاحظت هي وفرانك أن البيض الذي وضعه في الثلاجة بمنزله ظل كما هو ولم يختفي منه شيء ، بينما اختفي البيض الذي تُرك خارجها. أومأ جاك برأسه مصدقا على قصتها بالرغم من أنه لم يشاهد ذلك بنفسه ، كان واثقاً من صدقها . أصرت بات أن يكون البيض الذي سيأخذونه من الذي وضعه الدجاج فورا وأن تلتقطه بيديها من مكان وضعه . تم لها ما أرادت وكانت رحلة العودة يرفرف حولها والسعادة وألأمل أن التجربة تتم هذه المرة وتكلل بالنجاح . بادرت فوراً عند وصولها بنقل  اكتشافها لفرانك الذي تجدد داخله الأمل لأنه يعلم بناء على ملاحظاته السابقة أن البيض الذي يوضع في المبرد يظل بيضاً كما هو . تذكر نصيحة العامل تومي عندما رآه لأول مرة عندمل قال له : لو كنت تريد بيضاً فعليك بالأرفف المبردة ، لكن لو كنت تريد دجاجاً فخذ من العربة . لم يوضع البيض في غرفة المحكمة إلا بعد أن فحصه ممثل الاتهام . للمرة الثانية انتظر الجميع نتيجة التجربة بفارغ صبر لكن للأسف ولثاني مرة تجئ النتيجة مخيبة لآمال الجميع . لم تنقص العلب ولا بيضة واحدة ، كانت بات هي أكثرهم ثورة ، وأصبح فرانك هو الذي يواسيها . لم تستطع أن تغالب دموعها ، وهي ترى أن حتى مجرد الأمل في أن يكون هناك دافع للتفكير من قبل المحكمة في براءة فرانك تلاشى  ، وأن محاولة أثبات أن هناك شيئا مبهم وغير طبيعي في عملية السطو قضت عليه نتيجة التجربة الفاشلة . انصرف الجميع وكل منهم يحمل في رأسه من الأفكار ما يختلف عن الآخر ، ممثل النيابة والشرطة انتابهم الإحساس بالأسف على المجهود والوقت الضائعين في خرافات ، أما جاك فبالرغم من تأكده من صدق فرانك وبات ، وتجربة جولي والدة زوجته مع البيض المفقود ، إلا أنه شعر بنوع من الشك يُزرع بداخله . أصبحت بات في حالة يُرثي لها تردد دون انقطاع  بأن لعنة حاقت بهما ، صعدت إلى الفراش وهي تسترجع في ذهنها ما حدث خلال الفترة السابقة ، لعلها تستطيع الوصول لأي تفسير يمكن أن يساعد في حل هذه الألغاز .  تغلب عليها النعاس ، غفت وهي جالسة ، تنبهت على دقات جرس الهاتف . صوت جاك يأتيها من الطرف الآخر يستعجلها لارتداء ملابسها ومقابلته أمام منزلها ، فلقد طرأت برأسه فكرة قد تقودهم إلى كشف الحقيقة التي تصر حتى الآن على إخفاء نفسها ، لكي يظل فرانك خلف القضبان  ، وبأنه سيوضح لها كل شيء عندما يصبحان معاً  ، نهضت بات لتضع على جسدها ما يقابلها من ملابس ، مندهشة من هذا الاتصال فالساعة الواحدة بعد منتصف الليل ، ليس من المعقول أن يتصل بها جاك في مثل هذا الوقت من الليل ولهجته معبأة بالإثارة ، إلا إذا كان الأمر يستدعي وغير قابل للتأجيل وله من الأهمية ما يفوق العبث الذي حدث في الأيام السابقة الذي لم يصل بهم ولو إلى طرف لإظهار الحقيقة . لم ينقذها من أفكارها سوى وصول جاك والكلمات تسابق بعضها فوق شفتيه قائلاً : اصعدي إلى جانبي ودعينا نذهب سريعاً إلى المزرعة ، داعب وجهها الفضول وقبل أن تتدافع الإسءلة الفضولة من فمها ، أشار بيده لكي تنتظر حتى يكمل حديثه ، صمت دقيقة ولاح على وجهه شيء من الأمل وعاد لحديثه :
افترضنا فشل التجربة الأولي بسبب وضع البيض في المبرد ، لكن هل لم يطرأ بفكرك لماذا منيت التجربة الثانية بالفشل بالرغم من توقعنا النجاح لهاوقد ذهبنا إلى المزرعة للحصول على بيض لم يدخل إلى المبردات مطلقاً !! ، استطرد غير منتظر لإجابة منها : لو تتذكرين فأنك أنت التي التقطت البيض الموضوع حديثا ، ووضعته بيدك داخل العلب عندما أبديتِ ملاحظة بأن الساعة كانت العاشرة صباحا . وبأننا سنتمكن من الوصول مبكرا لإتمام بقية التجربة ، ومعني هذا أنك التقطت البيض الذي وضعه الدجاج في التو حوالي الساعة العاشرة صباحا . لو فكرنا أن هذا البيض فعلا تسكنه الأشباح وأن هذه الأشباح تأتي إليه من القصر المهجور الذي لمح العمل تومي بوجوده قريبا من المزرعة ، وإن كنا حتى الآن لم نتحقق من هذه النقطة ، السؤال الآن هل الأشباح تنتقل من المنزل المهجور لتسكن البيض في ظلام الليل أم في وضح النهار .. لو تذكرت القصص التي كنا نستمع إليها ونحن أطفال ، لوجدت أن الليل دائما كان هو مسرح الأشباح ، وبالتالي فإن البيض الذي التقطته في الساعة العاشرة صباحا من الطبيعي ألا تكون سكنته الأشباح بعد ، فكرت في أننا لو ذهبنا الآن وحصلنا في الصباح الباكر على كمية من البيض التي وضعت أثناء الليل ولم تحفظ بالمبرد فقد نصل لنتيجة . وهذا ما أنوي القيام به الآن لنجري التجربة لآخر مرة . تفاهمت مع المحامي ليحاول إقناع القاضي بأنها ستكون المرة الأخيرة . واستجاب القاضي جورج ويبدو أنه مقتنع تماماً برواية من تحدثوا عن الأشباح التي تسكن البض لكنه يلتمس أدلة مقنعى فالقانون يحتاج إلى الأدلة وليس الروايات ، وأبدى تعاطفه مع المحامي وأيقظ ممثل الإتهام في هذا الوقت المتأخر وعندما اعترض ممثل الإتهام قال له القاضي أن العدل يقتضي أن نسير خلف أي خيط يمكن أن يظهر براءة أي متهم أفضل من أن يدان وهو بريء ، إقتنع ممثل الإتهام على مضض وتخير مجموعة الشرطة التي ستذهب معنا بنفسه ، بل أن المحامي أصر أن يأتي معنا والجميع ينتظروننا عند بداية الطريق  ، أحست بات بارتياح لهذه الفكرة التي لم تواتها ونظرت بإعجاب لجاك وهي تقول له وعلى وجهها ابتسامة أملفي النجاح هذه المرة أنه لا يضيع وقته هباء .
********

تم وضع البيض بالغرفة بعد أن فحصه ممثل الاتهام بدقة شديدة وهو يؤدي هذا العمل وهو ممتعض بعد فشل التجربتين السابقتين ، ولولا ما أبداه القاضي من رغبة في إعادة التجربة ما كان سيستجيب لهم ، ويبدو أن القاضي كان مقتنعاً تماماً ببراءة فرانك لكن تلزمه الأدلة ، وأبدى وجهة نظره لممثل الإتهام ليشجعه على إعادة التجربة للمرة الثالثة ،  بأنه مقتنع بعض الشيء بأنه توجد ظواهر غير طبيعية بالرغم من ندرتها . أصرت بات على إخفاء خبر إعادة التجربة عن فرانك حتى لا يصاب بخيبة الأمل مرة أخرى إذا فشلت ، وانصرف الجميع في انتظار الغد وما سيأتي به .
أتي الغد بنتيجة مدهشة أذهلت الجميع  وهم ينظرون إلى علب البيض الفارغة عدا واحدة كانت تحتوي على أربعة بيضات ، وخاصة ممثل النيابة وهو يهز برأسه كما لو كان قد بدأ يصدق أن الغموض يلف القضية بالفعل ، أما رجال الشرطة فلقد بدا الارتياح على وجوههم فهذه القضية تعتبر قضيتهم ليس لأن فرانك زميلهم فحسب ، لكن أيضا ينظرون إليها كوصمة سيئة في حق رجال الشرطة أن يقوم أحد أفرادها بالسطو حتى لو كان اعتزل الخدمة بها ، أما بات فلم تطق الوقوف ثانية واحدة ، أطلقت ساقيها للريح لتزف الخبر لفرانك. تباحث جاك مع محامى فرانك في كيفية الاستفادة من هذه النقطة في إنهاء الاتهام بالنسبة لأخيه ، وكان رأي فرانك وبات هو محاولة إقناع المحكمة بأن توكل بعض ممن تثق بهم في مراقبة المحكمة من الداخل لعدة ليال متتالية قبل أن تعقد المحكمة جلستها القادمة ،  فقد تظهر بها بعض الظواهر كالتي حدثت في منزل فرانك ، فالبيض الذي كان في العلب اختفى داخل المحكمة ، وعندما اتصل محام فرانك بالقاضي جورج في محاولة لإقناعه لم يجد منه سوى الترحيب ، المدهش أن هو نفسه قرر أن يكون حاضراً ، ويبدو أن المسألة لم تصبح بالنسبة له تمثل القضية فقط ، لكن ليتعرف بنفسه على أشياء غير معقولة ولم يصدقها يوما، والآن يجدها أمامه حقيقة واقعة ، ندم كثيرا على أنه لم يحضر التجربة الخاصة باختفاء البيض . ورتبت مسألة مراقبة المحكمة من الدخل بحيث تكون سرية ، وتم الاتفاق على من سيحضرها ، وهم القاضي وممثل الاتهام وثلاثة من رجال الشرطة وبات وجاك ومحامى فرانك .
******
كانت ليلة لا تنسى بالنسبة للقاضي جورج وهم يكمنون جميعهم بين الأرائك التي بالقاعة المظلمة تماما ، إلا من ضوء شاحب يتسرب إليها من عمود الإنارة الذي يقع في الجهة المقابلة لها من الطريق  وكانت الساعة قد جاوزت الثانية بعد منتصف الليل ، تململ ممثل الاتهام في جلسته الغير مريحة التي ظل حبيسها لمدة ساعتين قبل أن يستمع الجميع لخربشة في الأرض ، أعقبها ظهور عدد من الديوك السوداء تسير منتظمة خلف بعضها وتدخل قاعة المحكمة قادمين من الممر الذي تقع فيه الغرفة التي اختفى فيه البيض ، بمجرد دخولها للقاعة قفزت أربعة منها فوق منصة القضاة متخذين أماكنهم . ثلاثة يمثلون القاضي ومستشاريه والرابع في الطرف وهو ممثل الاتهام ، وقفز خمسة منهم داخل قفص الاتهام ، واثنان جلسا في المقاعد الأولي وعلي يمينهم جلس واحد آخر ، ووقف واحد علي الباب الفاصل بين القاعة والممر. بمجرد أن اتخذ الجميع مواقعهم هبت ريح خفيفة شعر بها القاضي ومن معه ، بعدها أُصيب الجميع عدا بات التي كانت لها تجربتها السابقة بنوع من الذهول وكأنهم في حلم ، عندما تحولت الديوك إلى أشخاص وتحول المشهد ليمثل محاكمة حقيقية ، القاضي ومستشاروه وممثل الاتهام كانوا يرتدون الزي الرسمي الأسود ، الاثنان اللذان جلسا في المقاعد الأمامية تحولا لشرطيين في ملابسهم السوداء ، ويقف على يمينهم محامي المتهمين متسربلا بوشاح المحاماة الأسود ، ووقف الحاجب أمام باب القاعة المؤدى للداخل ، أما الخمسة الذين وقفوا داخل قفص الاتهام عندما وقع نظر بات عليهم كادت أن تفلت من شفتيها صيحة كان من الممكن أن تكون السبب في إفساد الأمل الوحيد في براءة فرانك ، فلم يكونوا سوى  الخمسة التي شاهدتهم من قبل في منزل فرانك وهم يخططون لسرقة البنك بسراويلهم السوداء ، ولولا خوفها من أن تفسد كل شئ لتحدثت مع القاضي وأخبرته بذلك ، والتفت الجميع نحو الحاجب وهو ينادي بصوت مرتفع .. محكمة .. بعدها توجه القاضي بنظره لممثل الاتهام وهو يسأله أن يبدأ فنهض قائلاً:
سيدي القاضي إن القضية واضحة تماما فلقد تم القبض على المتهمين الخمسة بواسطة الشرطيين بول وجيمس اللذان انتدبا من ولاية أخرى لحل طلاسم هذه القضية ، بعد أن عجزت شرطة الولاية من العثور على الجناة وهما موجودان معنا بالمحكمة للإدلاء بشهادتيهما ، ولقد تمكن الشرطيان بول وجيمس من القبض عليهم جميعا ليلة الأمس وهم مختبئون في منزل شخص يدعى فرانك ، وبالرغم من عدم وجود المسروقات فلقد اعترفوا بأنهم هم الذين خططوا ونفذوا عملية السطو دون اشتراك أحد معهم ، وبرروا اختفاء المسروقات بأنه قد يكون هناك من استولى عليها أثناء رقادهم أثناء النهار ، وإزاء اعترافهم  هذا ارجو من هيئة المحكمة تطبيق أقصى عقوبة على أن تكثف جهات الشرطة بحثها للعثور علي المسروقات . نظر القاضي حيث يقف الدفاع عن المتهمين وسأله أن  يتقدم بدفاعه الذي نهض بدوره قائلا:
_سيدي القاضي بعد الاعتراف الصريح للمتهمين بقيامهم بعملية السطو ليس لدي ما أضيفه سوى طلب الرأفة لهم .
مال القاضي ناحية المستشار الجالس على يمينه وهمس في أذنه وأومأ المستشار برأسه وكرر نفس الشيء مع  الجالس على يساره ثم نظر للأمام وهو يضرب بالمطرقة التي بيده فوق المنضدة لينطق بالحكم قائلا:

وإلى اللقاء مع الحلقة الأخيرة ؛
حقوق الطبع والنشر محفوظة للمؤلف ؛
edwardgirges@yahoo.com