الشيطان يموت مرتين (6)

الرابط : فن وثقافة :
وليد رباح – نيوجرسي :
قال صديقي : هذا أمر لا يصدق .. ميتان يقتتلان دفنا في قبر واحد احدهما من علية القوم والاخر من ادناه .. أليس ذلك عجيبا وفي الهند ايضا ؟
قلت : لا تتسرع .. واستمع الى بقية القصة
ظل الامر على حاله لسنة كاملة .. وفي الذكرى الاولى لموتهما جاءت  بطانة الامير الى القصر ففوجئت بان الامير الذي مات يجلس على عرشه تماما مثلما كان سابقا .. وبجانبه الرجل الذي دفن في قبره يبتسمان للبطانة وينظران الى الناس بشوق ومحبه .. اغمي على البعض ممن في البطانة .. وهرب البعض الاخر متوجها نحو الباب فاعادهما الحراس ثانية .. ثم جاءت الاميرة الام فذهلت .. لكنها تماسكت  بعد حين فاحتضنت ولدها الذي تحدث عن رحلته وصديقه فقال :
عندما شعرت بالالم في صدري  رجوت ان يكون ذلك عابرا .. لكن الالم تتابع واصبح لا يطاق .. وبعد دقائق شعرت انني احلق في الجو فاصطدم بسقف القصر .. لكني تمكنت من اختراق السقف الى الاعالي فخضت غمار غيوم كثيرة كثيفة في طريقي الى الاعلى .. وكنت ارتفع وارتفع دون ان اتوقف .. وصادفني في طريقي امطار وعواصف وثلوج فشعرت ببرد شديد ينخر اعماقي .. لكني كنت ارتفع الى الاعلى .. وكنت عاريا الا من شطر بسيط من القماش يستر عورتي ..  واخيرا بعد رحلة استغرقت ربما مئات السنين توقفت عند اناس استقبلوني بالترحاب والزهور .. وكسوني بكسوة جميلة وغطاء رأس اجمل … ثم قادوني الى مائدة عامرة بالاطايب فاكلت معهم وشربت .. وكنت ارى وجوه القوم الذين قتلوا على يدي حراسي فيما سبق يصطفون على جوانب  قاعة المائدة ينظرون الي بشىء من الحقد وكثير من الخوف .. احدهما كان وزيرا لي جاء الي وقال لي : سيدي الامير .. قد قتلتني ظلما .. ولكنك بعد هذه المائدة سوف تقتل ظلما ايضا .. فالقصاص من جنس العمل .. فوقعت مغشيا علي للحظات ثم استفقت فاذا القوم ينظرون الي بشىء من القرف .. وجاء بعده من يخبرني بان اتوجه الى المحكمة .. فالناس هناك في انتظاري ويريدون معرفة خيري وشري ابان كنت في الدنيا .. فتساءلت .. ماذا تقصدون بالدنيا .. الست فيها ؟ قال احدهم .. كلا يا سيدي .. انت ميت منذ الاف السنين وجثتك منشورة في العراء .. ولكننا نجمع اوصالك الى بعضها كي نحاسبك على ما فعلته في الدنيا .. قال الامير : فارتجفت من الخوف .. وظننت انني احلم ففركت عيني مرات ومرات .. غير انني كنت على يقين باني ميت وان ما اراه حقيقة وليس خيالا ..
ثم مرت طيوف كثيرة امامي .. احد تلك الطيوف كانت المرأة الفقيرة التي احببتها .. فاذا بها تحمل سيفا بتارا وتغرسه في صدري .. فتألمت كثيرا .. ووقعت على الارض مغشيا علي .. وعندما استفقت بعد حين رأيت الناس يبتسمون ويضحكون ويرفعون المرأة على الاكتاف ويهتفون لها .. اغمضت عيني ثانية .. غير اني كنت كمن قام من نومه على كابوس مزعج .. فقد اختفت المرأة واختفى الناس وظللت وحدي .. ونظرت الى جسدي فاذا انا عار ليس هناك ما يستر جسدي .. واذا البرد والريح تأخذانني الى اعلى .. ثم الى اعلى .. وظللت ارتفع حتى صادفت في طريقي ذلك الذي مات معي .. انه الفقير الذي استأثرت زوجته فقام باستقبالي وجلسنا سويا على حجر في المقبرة التي دفنا فيها معا .. وبدأنا الكلام .
قال صديقي .. انه امر مضحك .. اليست هذه من بنات افكارك تريد اقناعنا بها .
قلت : لقد قرأتها على اية حال .. ربما كانت زائفة وربما حقيقيه .. ولكني اعتقد بزيفها اكثر من حقيقتها .
قال : اكمل يا صديقي ..
قلت :  تحدث الرجل الفقير ممن انتزعت زوجته منه فقال :
عندما استدعاني الامير الى قاعة الملك  ورأيت زوجتي بدأت الدنيا تغيم في عيني ..  هرعت الي فاحتضنتها لكنها كانت كما الماء سالت من بين يدي .. وشعرت كأن شيئا قد غطى قلبي وعقلي وعيني فلم اعد احس او ارى او اسمع شيئا.. ثم  قادتني قدماي الى اسفل الارض في عتمة لم ار فيها شيئا .. كان الظلام حالكا .. وكانت الرطوبة تنخر جسدي مثلما ينخر السيف  في اللحم الطري الحي ..  غير اني كنت اشق طريقي عبر الطين والتراب مثلما الطائر يخترق الاجواء دون عوائق .. مررت ببحار كثيرة .. ثم رأيت اشياء غريبة وعجيبة  ..
قال صديقي : ما الاشياء التي رآها ؟
قلت : يقول الرجل .. رأيت اسماكا هائلة تأكل نساء ورجالا .. ورأيت رجالا يأكلون روث الحيوانات .. ونظرت الى ديناصورات كبيرة تفترس صغيره .. ودود الارض يغرس انيابه التي تشبه الابر في اجساد رجال ونساء كانوا في نعمة من العيش في الدنيا .. فعرفت انني ميت ..
غير اني وفجأة استمعت الى رجل يقول باعلى صوته : كان مظلوما .. واقسم على ذلك .. وهكذا ارتفعت من باطن الارض الى ظهرها .. واكتشفت انني ما زلت في المقبرة التي حملها الناس اليها .. فرأيت جنازة كبيرة وسألت لمن تلك الجنازة فقال البعض انها لامير البلد الذي مات منذ لحظات .. ووجدت نفسي اسير متجها نحو النعش الذي سجي فيه الامير .. فاكشف عن وجهه . وابتسم له فيبتسم لي .. وقلت للامير .. ما الذي اتى بك الى هنا .. قال الامير .. هو نفس الذي اتى بك الى هنا .. وهكذا بدأنا الرحلة سويا ..
دخلنا الى القبر معا .. وسمعنا الناس يغادرون المقبرة .. وشعرنا كلانا بالبرد .. غير ان الامير اخذ يرتجف .. ورأيت زوجتي قد قدمت وفي يدها بعض الملابس فاعطت الامير تلك الملابس ومنعتها عني فقلت لها : يا زوجتي العزيزه .. قد كنا احبابا فلماذا تؤثرينه علي .. قالت زوجتي .. انتما الان تشتركان سويا في كل شىء .. اما انا فاني ذاهبة الى ابني الذي ينتظرني .. فلا بأس من ان تتقاسما متعة الدنيا من الثياب .. قالت ذلك ثم اختفت فجأة ..
واختلفنا سويا من يأخذ الملابس حتى يستدفىء جسده .. غير اننا وجدنا نفسينا بعد لأي يمتشق كل منا سيفا كان امامه ثم يهجم على الاخر .. وخرجنا سويا من القبر فاذا الدنيا ظلاما .. وتقاتلنا .. تصارعنا طويلا .. كان الامير يغلبني مرة واغلبه مرات .. يغرس سيفه في صدري فانتزعه ثم اذهب اليه واغرس سيفي في صدره .. وما ان يتألم ويشكو ويصرخ حتى يعود ثانية للهجوم علي فاستعد لملاقاته .. وهكذا كنا نمضي الليل سويا فلا غالب او مغلوب .. كلانا يتألم ولكننا كنا نعاود الكرة ليلة بعد  اخرى ..
قال صديقي : ولكن كيف عاد الاثنان الى الدنيا
قلت : انت قليل الصبر .. دع الرجل يكمل حديثه ..
يقول الرجل .. جاء في احدى الليالي رجل الينا طويل اللحية  يلبس خرقا بالية بيضاء متسخة .. قال لنا .. انتما يا من تقتتلان .. لماذا لا تستريحان فتأتيا الى القاضي الذي سيفصل بينكما فتعيشان في سلام .
قال الامير : او نحن من الموتى ام الاحياء ..
قال الرجل الشيخ : بل انتما ميتان .. ولكن جثتكما لم تزل طرية فلم يبلها الزمان .. من يدري ؟ ربما عدتما الى الحياة يوما فتكونان صديقين .. ابعدا هذه السيوف عنكما ولتستعدا للفصل بينكما ..
قال الرجل : شعرت بان شيئا ما ينتشلني من مكاني الى مكان آخر مختلف .. فتوقفت عن القتال .. وتوقف الامير كذلك .. ولكننا سويا .. نظرنا الى وجهينا وكل منا يحمل في يده رغيفا من الخبز .. كنا جائعين فاخذنا نأكل بشراهة وتوجهنا سويا الى مائدة مستديرة وجلسنا .. واذا بشيخ يعتمر قبعة جميلة جديدة يضع يديه الاثنتين على اكتافنا سويا ويقول :
هيا .. انتما منذ اليوم نتميان الى عائلة السواسيه .. قلت .. ما السواسيه .. قال .. هي عائلة لا غالب فيها ولا مغلوب حتى يوم الفصل .. قلت ومتى يوم الفصل : قال .. عندما يموت الشيطان مرة اخرى ..
يتبع …..