الشعوب المقهورة تسوء أخلاقها – بقلم : سفيان الجنيدي

آراء حرة …..
بقلم : سفيان الجنيدي – كاتب عربي …
في غياب الديمقراطية في الدول النامية و في ظل إستثئار الأنظمة الاستبدادية و الديكتاتورية بمقاليد الحكم، لا يمكن لعاقل ضمن هذه المعطيات أن يتوقع ان تفرز المجتمعات شعوبا على درجة ملفتة للنظر من الالتزام و النظام والابداع و الأخلاق السامية و الحسنة، و لعل مقولة العبقري إبن خلدون ” الشعوب المقهورة تسوء أخلاقها ” تلخص المشهد الاجتماعي في تلك المنظومة من الدول المحكومة بالحديد و النار .
ومن المؤكد ان اخلاقيات مجتمعات الدول النامية السيئة ليست وليدة الصدفة وإنما هي مخرجات أنظمة قمعية إستبدادية والتي في جعبتها العديد من الأدوات للإستثئار و الحفاظ على الحكم والذي حسب أدبياتها لا يعدو عن كونه حق مكتسب لا يحق لكائن من كان أن ينازعها فيه، لذلك تعمد تلك الأنظمة إلى توظيف أدواتها المختلفة لنشر مختلف أنواع القيم السلبية من قبيل العنف و الفساد و الرشاوى و التفرقة، الخ . بين أفراد المجتمعات المحكومة حتى تصل إلى مبتغاها في إشغال المجتمعات في شؤون ثانوية و حتى تصرف إهتماماتها عن السلطة و الحكم.
و في ظل غياب الإرادة المجتمعية الواعية و المثقفة و في ظل غياب التأثير الفعال للمنظمات المدنية تزامنا مع الفقر و الجهل اللذان يخيمان على حياة المجتمعات المسحوقة و المقهورة، يصبح من اليسير على الأنظمة الاستبدادية السيطرة على الشعوب و إرادتها.
و وفقا لجميع أنواع القهر و التي تمارسه الأنظمة بحق الشعوب، تجد الشعوب نفسها مرة أخرى مقهورة ولكن من منظور و منطلق آخر مغاير، فتجد نفسها مجبرة على إعتناق احد السيناريوهات التالية لتعبر عن رأيها عن القهر الواقع عليها من النظام، فإما أن تخضع بالكلية لهذا القهر و تتكيف و تتعايش معه او أن ترفضه و تقاومه بالطرق السلمية و بالحوار او أن تكافح ضده و تقاومه بنفس أدوات العنف التي يستخدمها النظام ضدها وفقا لمبدأ العين بالعين او أن تجنح إلى العنف فيما بينها وبذلك تكون مرآةً و إنعكاساً للقهر الواقع عليها.
و مما لا شك فيه ان تشخيص الظواهر السلبية و التعرف على اعراضها في مرحلة متأخرة او الرفض بالاقرار بوجودها بطريقة واعية او عفوية سيعمد إلى زيادة تأزيمها و سيجعلها اكثر فداحة و جسامة و أشد فتكاً و إستمرارية و يحكم على فرص نجاح إجراءاتها العلاجية بالتضاؤل و يجعلها في نهاية المطاف تبوء بالفشل.
و من بديهيات الأمور أن مخرجات الاستبداد و الديكتاتورية لا تقتصر فقط على المنظومة السياسية و حسب حيث إستثئار الفرد بالسلطة المطلقة مما يصاحبها من سياسة تكميم الافواه و عدم تداول السلطة و تزوير إرادة الجماهير و تعطيل عمل مؤسسات الدولة و إنما تتعدى ذلك إلى التأثير على جميع المناحي في الدولة، وتأثيرها على المجتمعات لا يقل ضراوة عن تأثيرها السلبي على الحياة السياسية و لعل ذلك يفسر أسباب تفشي الظواهر السلبية في المجتمعات العربية والتي بدورها ستؤدي إلى تداعي المنظومة الأخلاقية للمجتمعات وخير مثال على الظواهر السلبية المنتشرة في الوطن العربي العنف المجتمعي فعلى سبيل الذكر لا الحصر الحوادث والحروب الدامية الضروس التي تنشب بين الحين و الاخر بين حيين او عائلتين في إحدى الدول العربية ، و المؤسف في الامر و مما يجعل من الصعوبة ؤد و تحجيم مثل تلك الظواهر أن يتم التطرق و الإشارة عبر وسائل التواصل الاجتماعي و عبر الوسائل المرئية والمسموعة و المقروءة إلى مسببات غير حقيقية و غير واقعية لها و يتم التغاضي عن الأسباب الحقيقية والمتمثلة في مخرجات الاستبداد و الديكتاتورية على الحياة الاجتماعية وعلى رأسها إغتيال الإرادة الجمعية في التغير و إشغال و إغتيال العقل الجمعي المجتمعي.
و لعل أحد المتابعين و المهتمين بالمشكلات المتفاقمة في الوطن العربي سيتطرق إلى القول بأن مشكلة المثقف العربي أنه يتطرف إلى المشكلة و يشخصها و يبدع في تشخيصها إلا أنه لا يقدم أي إجابات شافية للمعضلات التي تواجه الامة مما سيؤدي إلى زيادة الأمور سوءً و تعقيداً، و ردا على ذلك نقول الحل يكمن في أن يربط الانسان العربي حياته بقضية كبرى و ليس هنالك قضية أهم من تحرير الأوطان من الإستبداد و الجهل.